قررت وزارة التعليم المصرية حذف مجموعة كبيرة من الموضوعات في المناهج الدراسية للعام الحالي 2015، بسبب ما احتوته هذه المناهج من أفكار اعتبرت الوزاة أنها تحثّ على العنف والتطرف، إضافة إلى أنها مليئة بالحشو والتكرار. المواد المحذوفة تضمنت فقرات عن صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع تشير إلى مسميات مثل القتال وحرب العصابات وطرد الصليبيين، فضلا عن قصة أخرى تتضمن وقائع حرق للأعداء. الخطوة أثارت نقاشا عريضا في المجتمع المصري بين مؤيد ومعارض. ومن جانبه، أكد د. عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث ل"العربية.نت" أن حذف مثل هذه الدروس من المناهج جاء استجابة لضغوط رأت أن مناهج التاريخ بها ما يدعو للكراهية بين الشعوب والحض على العنف، لأن بطل شعب ما هو عدو لشعب آخر، وعلى سبيل المثال فإن القائد صلاح الدين الأيوبي هو بطل في نظر العرب والمسلمين وعدو في نظر الغرب. واستشهد الدكتور الدسوقي ببعض العبارات التي يعتقد أن القائمين على أمر وزارة التعليم يخشونها، ومنها "ظل عقبة في منصبه كقائد للحامية ببرقة، ونأى عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وصب اهتمامه على الجهاد ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد غزوات الروم"، وهي عبارات ربما يفهم منها البعض الترويج للجهاد ونشر الإسلام بالقوة. ويضيف الدكتور الدسوقي أن هناك فقرة أخرى في قصة "عقبة بن نافع" أيضا ورد فيها: "كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة، منها ودان وإفريقية وجرمة وقصور خاوار، فحارب عقبة تلك القرى وأعادها بالقوة إلى الدولة الإسلامية، وأوغل بهم في بلاد المغرب، حيث تغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في الحرب الصحراوية وبعد وفاة معاوية وفي خلافة ابنه يزيد أعاد عقبة مرة ثانية للولاية سنة 62ه، فولاه المغرب، فقصد عقبة القيروان، وخرج منها بجيش كثيف وغزا حصوناً ومدناً حتى وصل ساحل المحيط الأطلنطي بالسوس الأقصى، وتمكن من طرد البيزنطيين من مناطق واسعة من ساحل إفريقيا الشمالي". ويعلق الدكتور الدسوقي أن الروم والبيزنطيين هنا هم الأوروبيون والغرب الآن. وفي سيرة صلاح الدين الأيوبي المحذوفة من الوحدة الأولى بمنهج اللغة العربية للصف الخامس الابتدائي، يرد في النصوص الحديث عن هزيمة الصليبيين وطردهم، وهو ما ربما يفسر بموقف عدائي من الغرب حاليا. تنقيح المناهج ومن جانبها، قالت الوزارة في بيان رسمي إن وزير التعليم المصري الدكتور محب الرافعي، وافق على ما انتهت إليه اللجنة المشكلة من مركز تطوير المناهج، والمكلفة بإجراء جميع المراجعات للمناهج التعليمية من الصف الأول الابتدائي إلى الصف الثالث الثانوي، بهدف تنقيحها من الموضوعات التي يمكن أن تحث على العنف أو التطرف، أو تشير إلى أي توجهات سياسية أو دينية أو أي مفاهيم يمكن أن تستغل على نحو خاطئ. وذكرت أماني ضرغام، المتحدثة الإعلامية باسم الوزارة ل"العربية.نت"، أن الوزير فوجئ خلال إحدى جولاته التفقدية في المدارس بقيام المعلمين بتدريس جميع الموضوعات والمناهج المحذوفة التي أقرتها الوزارة، وعندما استفسر عن الأمر تبين أن مديريات التعليم لم تلتزم بتعليمات الوزارة بإزالة هذه الموضوعات، وظلت حبيسة الأدراج، وهو ما أدى إلى قيام الوزير بإصدار تعليمات فورية بإعادة إرسال قائمة المناهج المحذوفة إلى جميع المديريات لتسليمها للمدارس فورا ومعاقبة غير الملتزمين. وأضافت أن المناهج المحذوفة كان الهدف من إزالتها هو منع الحشو والتكرار، فضلا عن تصحيح بعض المعلومات الجغرافية والتاريخية وتحديث البيانات والإحصاءات، وتنقيح المناهج من كافة الأفكار التي تدعو إلى العنف والتطرف. وتضمن الحذف أجزاء كبيرة بالمناهج، وشمل إزالة وحدات كاملة، كما حدث بالمرحلة الإعدادية، حيث تم حذف الوحدة الرابعة من الصف الثاني الإعدادي، والوحدة الثالثة كاملة من الصف الثالث، وكذلك قصة "عقبة بن نافع"، فاتح إفريقيا، والمقررة في اللغة العربية على الصف الأول الإعدادي، والتي تم حذف 6 فصول منها من بين 13 فصلا مقررة على الطلاب خلال الفصل الدراسي الثاني. حرق العصافير وتضمنت قائمة الموضوعات التي حذفتها اللجنة عددا من الدروس من الصف الأول الابتدائي الصف السادس الابتدائي، والتي تضمنت بعض القيم التي اعتبرتها الوزارة غير مناسبة. وبالنسبة للصف الأول الإعدادي، يتحدث الموضوع المحذوف "ثورة العصافير" عن حرق العصافير لأعدائها من الصقور، مما وجه انتقادات لمؤلفي المناهج حول الترويج لتنظيم "داعش المتطرف الذي يحرق خصومه"، وهو ما نفاه مصدر مسؤول بالوزارة ل"العربية.نت"، حيث أكد عدم وجود أي ارتباط بين هذه الدروس والأحداث الجارية بالمنطقة، خاصة بعد إقدام داعش على إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، مؤكدا أن القصة كتبت قبل الحادث بكثير، وأن الوزارة حاولت إزالة الأفكار السياسية والدينية التي يمكن إساءة فهمها. قرار الوزارة أثار غضب تيارات سياسية، وعلى رأسها حزب النور الإسلامي الذي أعرب رئيسه الدكتور يونس مخيون عن استنكاره لذلك، وقال إن "الحذف هو اعتداء على تاريخنا، ومسخ لهويتنا، ورضوخ لأعدائنا"، مضيفا "لا نستبعد أن نجد مكانهما العام القادم: البطل ريتشارد قلب الأسد والفاتح نابليون".