أين أنت؟ من أين اتيت؟ مع من كنت؟ أين تذهب؟ رباعية تتبناها الكثير من الزوجات ورباعية كذلك يمقتها الكثير من الأزواج ويعتبرونها سببا لفرارهم من العش الزوجي، إنه أسلوب حواء لتقصي الحقائق، ومعرفة خبايا الزوج وأسراره. حواء ترفض أن تكون مجرد خادمة تتقاضى أجرا. لا تسمع ولا تتكلم. وآدم أكثر ما يمقته لغة اللاءات التي تتبناها حواء. ابتعد عن النساء، لاتصاحب رفقاء السوء، لاتطل البقاء في الخارج وغيرها من اللاءات التي تساهم في فرار الرجل من مملكة النساء في كثير من الأحيان، انشغال الزوج بأمور الحياة التي يترتب عنها بقاءه خارج البيت لساعات كثيرة قد تتجاوز عددها تلك السويعات التي يقضيها بالبيت، يقحم حواء الزوجة في دوامة شكوك وظنون تشعل فتيل غيرتها الأنثوية وتجعلها وبعد طول كتمان تنفجر بأسئلتها الطوفانية: أين كنت؟ لماذا تأخرت؟ مع من كنت؟ ويا ويح ذاك الزوج المسكين الذي تتسرب إلى ثيابه رائحة عطر نسائي أو شعرة فارة من رأس صاحبتها. يكون لا مفر أمام موقف لا يحسد عليه. قد تكون الزوجة معذورة إذا ضاقت ذرعا بشكوكها التي قد تولدها حالة الفراغ الرهيب الذي تعايشه جراء انشغال الزوج. لكن يبقى الزوج في هذه الحالة الضحية وهو يواجه الرباعية البركانية بعد يوم عمل شاق زوجتي لجنة تقصي الحقائق تبدا باين كنت؟وتنهيها إلى اين تذهب؟ هذه سمفونية زوجتي التي تسمعني إياها يوميا. محمد عامل بمركب صيدال يقول إن زوجته شديدة الغيرة كثيرة الشكوك. لم يحدث أن دخلت منزلا دون أن أسمع سمفونيتها. حدث وأن عبثت بقارورة الحبر الخاص بختم الإمضاء، فاقامت الدنيا ولم تقعدها. لقد تأثرت بالأفلام والمسلسلات وظنته أحمر شفاه. حاولت توضيح أنه حبر، لكن عبثت صدقتني، بل وحملت حقيبتها متجهة إلى منزل اهلها ولم تأت إلا بعد مجلس وساطة الأهل، حيث اشترطت أن تقسم بالامتناع عن غيرتها المرضية التي كادت أن تقضي على حياتنا الزوجية. اليوم ارتحت من أسئلتها الفضولية رغم أنني احسها مخنوقة تود الثورة لكن وعودها تقيدها وأنا أتلذذ وأنا أرى نيرانها تخمد في صدرها، لاسيما وأنني عانيت من لفح تلك النيران كثيرا. بسبب غيرتها حطمت أسرة هي قصة واقعية ليست بالغريبة، لا سيما أن واقعنا مملوء بمثيلاتها. رجل يعمل بإحدى المؤسسات. زوجته كذلك لكن في مكان آخر. وصل مسامعها أن زوجها يتحرش بإحدى زميلاته دون أن تعرف من هي. تصوروا ماذا فعلت؟ قصدت منزل كل واحدة المتزوجات والعازبات وشكت المتزوجة لزوجها والعازبة لأهلها، الأمر الذي أدى إلى حدوث خلافات كبيرة بينما ثارت ثائرة إحداهن فأوقفها والدها عن العمل وتطليق والدتها. ومن الغيرة ما قتل. إن المرأة حين تغار تنسى أنها آدمية. تعصف بمنظومة القيم لديها. يمكنها إلحاق الضرر بالكل مقابل إطفاء نارها. رسبت تلميذتي بسبب غيرتها المفرطة إن طالباتي يعانين من غيرتها لقد حطمت مسارهن الدراسي وهددت مستقبلي المهني بالفناء. هذا ما قاله الأستاذ (م ع ) استاذ بمعهد التكوين المتخصص، حيث اعترف أن زوجته العاملة معه بنفس المؤسسة عملت على رسوب الكثير من تلميذاته اللواتي شكت في نيتهن اتجاهي، حيث عمدت على إنقاص نقاطهن أو اتهامهن بالغش إذا قامت بحراستهن أيام الامتحانات. لقد نقلت ثورتها إلى المنزل، حيث تشرع في محاسبتي بأسئلتها المعهودة عن تلميذاتي وحتى عن زميلاتنا الأستاذات لماذا اطلت الحديث مع فلانة؟ لماذا منحت فلانة التلميذة علامة مرتفعة. وقد دفعتني في العديد من المرات إلى ضربها دون جدوى. وكأنهن يستحلين الضرب ويتعايشن معه. لا أدري ماذا أفعل وكيف اتصرف حتى أني أصبحت أفكر في كذبة لأجيب على أسئلتها أضحيت أتحاشى الحديث مع تلميذاتي خشية غيرتها العمياء، بل أصبحت نتيجة لذلك محل سخرية تلميذاتي اللواتي وصفنني بالجبان الذي يخاف زوجته واتهمنني بضمور الشخصية. مست رجولتي وشخصيتي كأستاذ. أصبحت أمقتها وأمقت أسئلتها. أمقت حتى التفكير في الذهاب إلى المنزل لأنه اضحى بالنسبة لي مقر لجنة تقصي الحقائق. حتى شؤون الأسرة أهملتها وأصبح الحديث حولي وحول تلميذاتي وكأني أحد أبطال المسلسلات المكسيكية. وللنساء ما تقلنه أيضا وبينما يرجع الرجال سبب تفاقم الخلافات الزوجية إلى الغيرة الحمقاء، تجد الزوجات أن السبب في إشعال نار الغيرة هو التأخر عن مواعيد العودة إلى المنزل إلى جانب التكتم على المكالمات الهاتفية التي يجريها في المنزل ورفضه الإجابة على أخرى. مؤشرات تدل على أن الخيانة مرت من هنا، تقول رشيدة إن غيرتها دائما في محلها فقلب المرأة، حسبها، لا يخطئ أبدا. لماذا لا يجيب على مكالماته الهاتفية أمامي لماذا يتحدث بصيغة الجمع في حديثه مع أنثى ما دام الأمر لا يتعدى علاقة العمل. لسن حمقاوات، تضيف. أما رتيبة فقد استغربت سبب استياء الأزواج من أسئلة زوجاتهن، مضيفة أنهن من حقهن طرح الأسئلة فلماذا يتذمر الأزواج إذا أردت أن تكسبي قلبالزوج لا تسألي هو شعار تتبناه العديد من النساء الموصوفات بالعاقلات على الأقل في نظر أزواجهن. فتجدهن يمتنعن عن الرباعية الشهيرة. نسيمة مثلا ترفض بشدة التحقيق البوليسي الذي تتبناه النساء مؤكدة أنه هو من ينفر الزوج من عش الزوجية، تضيف ثم إنني على يقين انه حتى ولو أقسم أنه لا يخالط النساء ولا يحادثهن فهو كاذب. فلماذا أزعج نفسي. ماهي علاقاته المشبوهة ما دام ينام في حضني وحضن أبنائه. إنه غباء بعينه، تضيف. إذن أسلوب التحقيقات البوليسية ولباس قبعة المحقق كونان أضحى لا يجدي نفعا في ظل التطورات التي تشهدها الظاهرة الاجتماعية بجميع أبعادها. النساء ملزمات باختراع أساليب وحيل جديدة لا لبلورة الظنون بل لدفنها والتعايش معها دون تحريف أو تزييف. زمن الرقابة على الرجال قد ولى معشر النساء. فهل من حيل حوائية لكبح سطوة الرجال؟