تبنى العلاقة الزوجية على أساس الثقة والتفاهم بين الزوجين، لكن عندما تدخل الغيرة في الزواج قد تكون إما طبيعية وهي تدل على الحب أو تكون مفرطة فتقلب العلاقة الزوجية رأسا على عقب وتحول الحياة الزوجية إلى مأساة. تلجأ العديد من الزوجات إلى أساليب معينة حتى يشعرن بالحب من خلال إشعال غيرة الأزواج اعتقادا منهن بأن غيرة الزوج دليل على الحب، ولكن في بعض الأحيان إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، ويصبح الإفراط فيها مرضا يلازم الأزواج ويدمر حياتهم الزوجية. فالغيرة المرضية هي مرض نفسي يشعر فيه الحبيب أن المحبوب امتداد له وملك له وغالبا ما تكون الغيرة في بداية الحياة الزوجية أكثر اشتعالا مقارنة بها في سن النضوج، ويعاني العديد من الأزواج جراء الغيرة المرضية التي أصبحت تطاردهم في حياتهم اليومية وقلبت زواجهم السعيد إلى نكد ومشاجرات تؤدي إلى إنهاء العلاقة الزوجية، وهناك عوامل عديدة تؤدي إلى ظهور الغيرة المرضية في العلاقة الزوجية. الشك وانعدام الثقة بين الأزواج عاملان أساسيان لظهور الغيرة المرضية قد يتحول الإفراط في الغيرة إلى شكوك وأوهام تلازم الزوجين فالمرأة عندما تفقد ثقتها بزوجها وتشعر أنه زير نساء ستراود في تفكيرها أوهام بأنها ستفقد زوجها أو أنه يريد الزواج عليها، فتزداد غيرتها يوما بعد يوم إلى أن تصبح الغيرة مرضا نفسيا لا تستطيع التخلص منه، أما الزوج فنتيجة شكه وغيرته المفرطة التي جعلته يتحول إلى جاسوس يفتش في أغراض زوجته لعله يجد شيئا يثبت شكه فيها فصار يشك في كل حركة ولفظ وتصرف من زوجته دون مراعاة شعورها، وفي هذا السياق تقول فريدة: «أنا أشعر أني أهملت نفسي بعد الزواج، وأصبحت لا أثق في قدراتي حتى أنني أصبحت أعيش في دوامة من الشكوك والأوهام بأن زوجي قد ينظر إلى فتاة غيري أو قد يتزوج مرة أخرى فراودني الخوف من فقدانه وهذا ما جعلني أغار عليه بشكل خارج عن العادة». أما عمار يقول: «إن زوجتي تغار بشكل لا يطاق، فعند تأخري توجه لي العديد من الأسئلة، وتتصل بي في العمل لترى ماذا افعل، وتسألني إن كنت أرى أي فتاة أمامي، وحتى عند مشاهدتي للتلفزيون ويعرض برنامج به نساء تمنعني من مشاهدته حتى إذا رأتني أبدل ملابس جديدة تغضب وتشك في المكان الذي أنا ذاهب إليه». كما تشكو ليلى من غيرة زوجها الزائدة والتي أصبحت حجر عثرة في طريق حياتهما: «إن غيرة زوجي الزائدة جعلته يشك بي إلى حد أني رأيته يفتش في أغراضي الخاصة وفي غرفتي، وهو يقرأ جميع الرسائل الموجودة في هاتفي النقال مما أدى إلى مشادات وشجارات، لأنه لا يراعي شعوري». ومن بين الأمور التي تدفع إلى الغيرة المرضية في بعض الأحيان تمتع الزوجة بدرجة كبيرة من الجمال ما يجعل زوجها يخشى عليها من كل شيء، فيكثر من الأوامر والممنوعات حتى وإن كان متأكدا من وفائها وحبها وهذا ما أكدته السيدة «أمينة»، حيث تقول «لقد سبب لي جمالي الكثير من المشاكل مع زوجي بسبب غيرته علي من كل شيء لدرجة أنه منعني من الخروج إلا للضرورة وبرفقته وفي حال رأى أحدهم ينظر إلي حدثت الكارثة رغم أنه متأكد من أخلاقي وحبي له، ولكنه لم يتمكن من تغيير تصرفاته التي كثيرا ما تكون سببا في نشوب الخلاف بيننا، إلا أنه في الفترة الأخيرة بدأ يتراجع قليلا عن غيرته المفرطة، لأن أبناءنا بدأوا يكبرون وأصبح يسمح لي بالخروج معهم أو مع أمه». حب التملك والتسلط يسببان الغيرة المرضية شعور الزوج بحب شديد تجاه الزوجة قد يجعله يشعر بالتملك والتسلط وأن الزوجة امتداد لممتلكاته، ويزداد حب التملك كلما زادت الغيرة القاتلة، والعديد من الزوجات يعانين نتيجة رغبة الرجل في امتلاكهن وعدم تركهن يعشن بحرية في الحياة الزوجية، وتقول فايزة: «أنا أعاني كثيرا من الغيرة المفرطة لزوجي، فهو يتحكم في تصرفاتي وهو يغار حتى من أقاربي من الرجال عندما يسلمون علي ولا يسمح لي بالخروج من المنزل بمفردي ويشترط علي أن أخرج معه وعند خروجي معه وأتعرض للمعاكسات يقوم بضربي في الشارع مما يسبب لي الإحراج». الإهمال الزوجي أحد أسباب الغيرة المرضية اهتمام أحد الأزواج بالأبناء قد يؤدي لإهمال الزوجين لبعضهما، فالزوجة تشعر بالغيرة عندما يقضي الزوج جميع وقته مع ابنته أو مع أصدقائه، وتشعر أنه لا يوجد من يهتم بها وبمشاكلها وتحس كأنها لوحدها، أما الرجل فيشعر بالغيرة عندما تعتني الأم بمولودها الجديد وتقضي جميع وقتها معه، وهذا ما يؤثر على نفسيته ويشعر أنه فقد العناية التي كانت تقدمها له الزوجة في بداية الزواج مما يجعل الغيرة تزداد يوما بعد يوم إلى أن تصبح مرضية، وفي هذا السياق تقول ليلى «زوجي يعمل حتى المساء، وهو يقضي بقية وقته مع أصدقائه مما يجعلني أجلس وحيدة في المنزل وهو بهذا لا يراعي شعوري ويهملني، وهذا ما زاد من غيرتي من أصدقائه». رأي الأخصائيين في الغيرة المرضية تقول الدكتورة نبيلة وهي أخصائية في علم النفس أن الغيرة المرضية مرض نفسي ينتج عن شعور أحد الزوجين بعدم الثقة بينهما أو عن شكوك وأوهام تسيطر على تفكيرهما، وتضيف أن المرأة شديدة الغيرة من الزوج، ويكون رد فعلها عدوانيا سلبيا يتمثل في المكائد والدسائس تجاه الزوج، فإذا ظهر من المرأة عدوان نفسي واضح نتيجة الغيرة فذلك ليس وليدا للحظة، ولكنها تراكمات قد تصل إلى إلحاق الأذى البدني به، ولذلك يجب على الزوجة أن تلجأ إلى أسلوب التفريغ الموقفي القائم على العتاب واللوم وإظهار إحساسها بالظلم الواقع عليها من قبل الزوج من خلال الفضفضة حتى لا تصل إلى مرحلة الانفجار الكلي المتمثل في أي شكل من أشكال العنف، أما غيرة الرجل إذا اشتدت فإنها قد تؤدي إلى إيذاء الزوجة بضربها أو بأي شكل من أشكال الإيذاء البدني.