يتحدث الشيخ عبد الرحمان سعيدي في هذا الحوار مع “البلاد” حول النداء الذي أطلقه في إطار “منتدى الوسطية لشمال وغرب إفريقيا” الذي يعتبر أحد مؤسسه، عن خطورة اللجوء إلى خيار الحرب لحل الأزمة في شمال مالي مؤكدا أن الذين يلوحون بإعلان الحرب لن يتمكنوا من وقفها فيما جزم بأن الغرب يفتقر إلى رؤية إستراتيجية صحيحة للأوضاع في مالي، ما جعله يؤكد ضرورة الوقوف إلى جانب الطرح الجزائري الداعي إلى الحلول السلمية والحوار مع مكونات المجتمع المالي خاصة أن التدخل العسكري سيتحول إلى حرب على أشباح. كما تحدث سعيدي عن الاتصالات الجارية في إطار المسعى مشيرا إلى أسماء ثقيلة منها: الشيخ حسن ولد ددو من موريتانيا والشيخ عبد القادر أبوبكر فوفانا من مسلمي أبيجان، والشيخ محمد دكو من مالي، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، ومفتي تنظيم القاعدة في عهد أسامة بلادن محفوظ ولد الواد. حاوره: محمد سلطاني
^ بداية، لماذا المبادرة بالنداء إلى علماء الأمة والمنطقة على وجه الخصوص للتحرك باتجاه المساهمة في حل الأزمة المالية وما تتضمنه من خطوات؟ هذا النداء ينطلق من الواجب الشرعي الواقع على المرجعيات الدينية في كامل المنطقة لتتدخل وتبدي موقفها مما يحدث في دولة مالي، ثم واجب الأمة الإسلامية بسبب ما تشهده من انتشار لبؤر التوتر تستنزف قدرات الأمة وتنخر جسدها وتعمل على استهدافها داخليا. وشخصيا انتظرت أن يتحرك العلماء وخاصة علماء المنطقة لما لهم من مكانة ومرجعية وروابط اجتماعية متجانسة ومصاهرات ولكن في ظل التطورات جاءت المبادرة دفعا باتجاه التمكين للحوار الممكن جدا. وبالمناسبة فإن هذا المسعى عار من كل محاولة توظيف سياسي لأن الأمر أكبر من المصالح الحزبية مهما كانت، لذا نحن نرحب وننتظر تحرك من يستطيع أن يقدم شيئا والأمر يحتاج إلى تضافر الجهود. ^ من هي الجهات التي تم الاتصال بها ورحبت بالنداء؟ هناك اتصالات واسعة، واقترحنا خطوات حتى نبتعد عن الاعتراض دون تقديم بديل واقتراحات. التقيت بعض العلماء في تمبوكتو وهي عاصمة دينية وروحية. وهناك اتصالات ومكالمات مع علماء خارج وداخل الجزائر ووجدنا منهم التشجيع والاستعداد. ومن بين هؤلاء العلماء في موريتانيا الشيخ حسن ولد ددو والشيخ عبد القادر أبوبكر فوفانا من مسلمي أبيجان وله مدرسة لتخريج الأئمة ووزن كبير في بلاده. وهناك اتصال برئيس المجلس الإسلامي الأعلى في مالي الشيخ محمد دكو وآخرين من الجنوب الجزائري في أدرار وإليزي وتندوف وغيرها. فالمبادرة واضحة بشكل عام تعمل على تغليب الحوار مع الجماعات المسلحة إلا من رفض وسنجتهد للتواصل مع الجميع. والإخوة في موريتانيا لهم مساعٍ حثيثة. كما أن هناك مفتي تنظيم القاعدة في عهد أسامة بلادن محفوظ ولد الواد الذي أصدر بيانا وانخرط في مسعى المبادرة، وله اتصالات كبيرة جدا لإقناع المسلحين بأن ما يحاك في المنطقة خطير جدا. ^ ألا ترون أن المطالب المرفوعة من قبل الأطراف الفاعلة في الأزمة تم تجاوزها؟ بالفعل أضحت القضية المالية تتجاوز المطالب التي يحملونها كالشريعة، وإن كان هذا مشروعا شأنه شأن التوازن في التنمية، وهذا مشروع الأزواد. علما أنهم ليسوا حديثي عهد بالنضال، ولكن مفسدة الحرب أكبر بكثير من المطالب التي يرفعونها وستصيب المنطقة برمتها، وإذا نطق سلاح الحرب فباب الحوار سيغلق وتفتح أبواب أزمة عويصة. أنصار الدين حركة منشقة عن حركة الأزواد وهم اليوم يعتبرون جماعة ذات مطالب مشروعة وهذا يمكن التعامل معه، ولكن هذه المطالب تتحقق بالحوار. وأنصار الدين لهم استعداد كبير للانخراط في عملية الحوار وتجنب الحرب، والشيء نفسه وقع عند جماعة الأزواد. ^ في تقديركم، ما هي خلفيات التعجيل بالتدخل العسكري في أزمة شمال مالي وما هي أبعاده؟ ما يحدث في مالي ستكون له أبعاد خطيرة لا تقل عن إضعاف الأمة والحيلولة دون الحفاظ على تماسكها واستقرارها. ودولة مالي والدول المشابهة لها ثروات كبيرة جدا، لأن شريط الساحل المترامي الأطراف بين دول المنطقة غني بالنفط والمعادن الأخرى، أقلها اليورانيوم مما يجعل دول الغرب تتكالب عليه وتحرك فيها الأطماع، ومن ثم فالساحل ممر كبير من الأطلنطي الى منطقة الحلايب في السودان. ^ ما هي أبعاد إقرار الحرب وكيف تقرأون موقف دول الإكواس؟ مهما كانت دواعي التدخل الأجنبي، سواء تحقيق السلم أو القضاء على الإرهاب أو الأمن، إلا أنها تبقى شعارات عارية عن معطيات الواقع، ولعل درس أفغنستان والعراق والصومال خير شاهد على خيارات الدول الغربية التي تقرع طبول الحرب في مالي، ومن يملك قرار إعلان الحرب لا يملك قرار وقفها والمتضرر الأول ليس المسلحون، بل الأبرياء هم الذين سيدفعون الثمن. ثم هناك مشكلة النزوح الى دول الجوار. فالجزائر إن كانت لها إمكانيات حماية حدودها فالدول الأخرى لا تملك ذلك، ثم إن الحرب ستكلف أموالا طائلة، فلماذا لا توظف هذه الأموال في تكوين الجيش المالي وتنمية المناطقه وتوزيع الثروة بشكل عادل ينهي الاختلالات التي تشكل سببا كبيرا في الأزمة. فالتلويح باستعمال القوة لفك النزاع في شمال مالي مبني على رؤية إستراتيجية قاصرة جدا تعوزها حقائق الميدان وحقيقة التركيبية البشرية والتاريخية وعمق الخلاف في هذه المنطقة، وهذا ما أكده المسؤولون الأمريكان الذين تعاقبوا على زيارة الجزائر، فالقرار ينقصه فهم هذه المنطقة ومطالب كل الفصائل، لذا فالقراءة الغربية قاصرة جدا وعليه تتأكد أهمية الرؤية الجزائرية الدافعة نحو الحوار والتنمية والعدل في توزيع الثروة ومراعاة التنوع العرقي والثقافي. والحرب في المنطقة لن تتوقف والمتضرر لن تكون الجماعات التي ستتحول إلى أشباح، وإذا كان التدخل الأجنبي في مالي سيؤدي إلى حرب إقليمية فإن الأمر في مالي سيكون أخطر. وكان ينبغي على دول الاكواس ان تأخذ بعين الاعتبار التطورات التي وقعت عند الجماعات خاصة أنصار الدين والأزواد ونسف جهود الحل السلمي سيؤدي إلى الكارثة والاستعجال سيكون قاتلا. ^ هناك من يعتبر أن الأزمة في مالي سببها ضعف الدولة المركزية وأن التأثيرات الأجنبية لم تكن سببا مباشرا فيها؟ حيث ما كانت الثروة أو الموقع الإستراتيجي تكون الأطماع، ففرنسا بحكم الماضي الاستعماري وهيمنة النظرة الفرنكوفونية على المنطقة تريد أن توجد مبررات ومسوغات للحرب وأفضل مسوغ في تقديرها الشرعية الدولية وإحلال السلم ولكن الأزمة في مالي قديمة جدا. وبطبيعة الحال الدولة المركزية في مالي لم تكن جادة في محاربة الإرهاب والتعاون مع دول الجوار، وهناك من يقول بوجود تواطؤ وكل هذا لإزعاج الجزائر، فانقلب السحر على الساحر، حيث أطاحوا بالرئيس المالي أمادو توري والجيش، واليوم أدرك الشعب المالي خطورة غياب جيش قوي ومؤسسات دولة وامتلاك اقتصاد متنامي. لذا اليوم مالي أحوج إلى توافق وطني وهناك مساع أخرى. ^ هناك حديث عن تأثيرات أجنبية وأخرى من دول قريبة، ما مدى صحة ذلك؟ هناك دوائر استخبارتية تؤكد أن تنظيم التوحيد والجهاد اخترق وتركيبته مختلطة، حيث يوجد فيها الزنوج، التوارڤ والموريتانيين وفيها أناس آخرون والقذافي كان يسعى لإيجاد قوة موازية تحت سيطرته وكان يؤسس لرابطة الطرق الصوفية لمنطقة الساحل وجمع القبائل والأعيان وكان من أحلامه إيجاد إمارة في الساحل تتحكم في الطرق وحركية السلاح والتهريب وهو كان يملك الأموال والذين كانوا معه في هذا المسعى كانوا معه في كتائبه فلما سقط عادوا إلى أوطانهم فقلبوا الموازين لما ملكوا الأسلحة. ^ هل هذا يؤكد أن لحركة التوحيد “أجندات” أجنبية حركة التوحيد ليس لها رهان في مالي خلافا لأنصار الدين وهم أزواديون ويملكون تصورا سياسيا اجتماعيا مغايرا لأصل التنظيم وهو حركة الأزواد فهو خلاف داخل الأسرة ولكن حركة التوحيد ليس في المنظور الأزوادي لذا يمكن القول إن رهانهم ليس مالي وهو ما يفسر استهداف الجزائر واستدراجها الى مستنقع استعمال القوة فمخططات حركة التوحيد ليست ذاتية بل إملائية. ^ لكن هناك حديث عن محاولات دول عربية للدخول على خط الأزمة في مالي؟ أنا لا أنفي ولا يمكن لي التأكيد ولكن أقول إن بؤر التوتر تسيل اللعاب دول حتى ولو كانت بعيدة وإن كانت لا تملك رؤية واضحة لكن هناك دولا قريبة ومعروفة من الجوار تريد أن تناور في هذه المنطقة، فالرئيسان المصري والتونسي دعيا للحوار لأن الأمر يتعلق بإفرقيا والشأن إفريقي لهذا نجدهم يدعوان للحوار لأنهما لا يملكان أطماعا توسعية ولا يريدان الإصرار بالجزائر خلافا لدول جوار أخرى للأسف، تريد التمكين لأطماعها التوسعية على حساب ما يحدث في مالي ودون أدنى اعتبار لما قد ينجر عن ذلك. ^ في نظركم ما هي خطورة قرع طبول الحرب؟ إذا ناقشنا التدخل العسكري رغم أننا لسنا خبراء عسكريين فالعملية لن تكون ظرفية ودول الاكواس التي انخرطت في مسعى الحرب، فهل تستطيع مجتمعة استيعاب الحرب وإفرازاتها فهذه الجماعات استطاعت الإطاحة بالجيش وتمكنت من عتاد حربي متطور بسبب ما حدث في ليبيا لذا الجزائر لما حذرت من انتشار السلاح لا أحد سمعها. لا يغيب عن ذهني تصريح وارن كريستوفر، عندما قال سنصل إلى 250 دولة داخل الأممالمتحدة فهذه التصريحات لم تكن عارية من أي خلفية لها علاقة بالعالم الإسلامي، لذا شاهدنا العديد من المشاريع، من فوضى خلاقة إلى شرق أوسط كبير وجديد ثم انفصال في السودان وهناك خرائط أعدت وسيناريوهات حضرت فكل هذه المعطيات ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار والجزائر واعية بكل هذه المخاطر. يجب على الغرب أن يعلم أن حرصه على السلم والأمن لا يكون بإقرار الحروب بل بفهم الواقع والمطالب والخصوصيات لا ينبغي أن تحل المشاكل الداخلية بالحرب لأن مثل هذه الخطوة تمثل استعمارا جديدا كليمونسو قال كلمة استعمارية “قطرة نفط عندنا أغلى من قطرة دم”