بدأت السنة الجديدة بصورة لاهبة، وغير متوقعة تماما، لمن يهمهم أمر السياسة في الجزائر. الجميع كان ينتظر نهاية السداسي الأول من العام الجديد، لرؤية بصمات الرئيس بوتفليقة على دستور سلفه الرئيس ليامين زروال، لمعرفة إلى أين ستؤول شؤون الحكم في البلد، أو إلى أين قد آلت فعلا، طالما أن سطور الدستور الجديد ستشرح أهم التوافقات التي جرت بين جماعة الحكم حول مرحلة ما بعد نهاية العهدة الثالثة للرئيس بوتفليقة.. لكن جاءت استقالة أحمد أويحيى من الأمانة العامة للتجمع الوطني الديمقراطي لتعجل ببداية الأجواء الساخنة في هذا الشتاء البارد، فالرجل الذي كان متحكما في جميع خيوط اللعبة في حزبه، ظهر وكأنه لا يمسك بأي خيط فعلي، حيث فضل التنحي، في رسالة مؤثرة إلى قواعد حزبه، يشكو فيها ما تعرض له من "هجمات جارحة"، وهي لغة غير معهودة في خطاب أويحيى، الذي لطالما بدا قويا ومتماسكا ولا يتأثر بطعنات الخصوم.. لقد استقال أويحيى فعلا، وترك قيادة حزبه، لكن هل سيتقاعد من العمل السياسي ويعود إلى بيته؟ خطاب الاستقالة لا يتضمن جوابا شافيا لهذا السؤال، بقدر ما يضفي غموضا إضافيا، من خلال حرص الأمين العام المستقيل على إرسال بعض الرسائل المبهمة "لمن يهمهم الأمر". من هذه الرسائل، قول أويحيى إن "استقالته هذه ليست من أجل خدمة أي حساب شخصي كما قد يدعيه البعض"، وللجميع أن يتساءل عن هذا "الحساب الشخصي"، وفي هذه المرحلة بالذات، التي يغادر فيها الرجل مكتبه مضطرا تحت ضربات خصومه "الجارحة أحيانا"، لكنه يشير إلى "إمكانية" استفادته من حساب شخصي جراء هذه الاستقالة، أو كمقابل لها؟! لو صدرت هذه الجملة من شخص آخر لأمكن تفسيرها على أنها بحث عن "مجد أدبي" يخلد صاحبه في التاريخ السياسي لبلده، بما أنه استقال وهو في عز قوته، لكن أويحيى ليس من هذا الصنف من السياسيين الذين يحرصون على صورتهم في المخيال الاجتماعي العام، فهو رجل يمارس السياسة وفق قناعاته "الخاصة"، مهما كانت مؤلمة وقاسية لغيره، وبالتالي فليس من الوارد بالنسبة لأويحيى أن يتنازل عن عرشه لمجرد أن يرسم الناس صورة جميلة عنه.. أولى التحاليل التي رافقت استقالة أويحيى من قيادة الأرندي، رأت أن القرار يعني دفعا للرجل إلى عدم التفكير مجددا في قدره التي ينتظره عند قصر المرادية، مثلما قال هو عن نفسه ذات يوم لدى حديثه عن طموحه في خلافة بوتفليقة. فالواضح أن أويحيى قد فقد جزءا كبيرا من قوته بخروجه من رئاسة الحكومة، وها هو اليوم يفقد "الجزء الباقي" باستقالته (أو إقالته) من قيادة الأرندي، أشهرا قلائل قبل بدء الإعداد للسباق الرئاسي المرتقب في 2014 . لكن هل تلخص هذه القراءة حقيقة ما حدث فعلا، أم أنها مجرد قراءة أولية لحدث سياسي يخفي مزيدا من الأسرار.. والأسرار؟!