^ تحالفات جديدة للسلطة بوجوه جديدة عبد السلام بارودي تعتبر استقالة أحمد أويحيى مجرد إقالة ظلّت مؤجّلة منذ إقالته من رئاسة الحكومة وتعليقه الشهير: "أتمنى للرئيس الصحة"، فقد كانت تلك العبارة انعكاسا لخلافات عميقة ظهرت على إثرها بعض المحاولات للانقلاب على أويحيى من داخل التجمع الوطني الديمقراطي، لكن "كرم" الفاعلين وأصحاب القرار جنّبه السقوط. وتؤكد استقالة أويحيى أن الحراك السياسي وراء الكواليس بلغ قمّته في السرايا وما يحيط بها بشأن عدة استحقاقات، فالرجل الذي قاد الأرندي لأزيد من عشرية في ظروف اتسمت بمحاولة إعادة الاستقرار وبناء المؤسسات، سيكون غائبا من الواجهة في مواعيد حاسمة، أبرزها تعديل الدستور، ثم رئاسيات 2014 التي لا يمكن لسياسي من داخل دائرة النظام السياسي في الجزائر أن يعلن خوض غمارها بمعزل عن مراكز صناعة القرار، خصوصا وأن الرقم المحوري في هذه المعادلة لم يعلن بعد عن قراره في هذا الشأن، إذ يرى الكثير من المراقبين أن ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة وفق تعديل دستوري يقنن العهدة الرئاسية أو يمدد من عمرها، وبعدم إعلان بوتفليقة عن قراره باكرا، من العبث خروج أطراف أخرى للخوض في المسألة المهمة بالنسبة لمستقبل النظام في الجزائر. وإذا كانت الأحداث السياسية في بلادنا، خصوصا تلك التي يصنعها رجال السلطة لا تخضع لأي قاعدة من قواعد التحليل السياسي والإعلامي كونها تعتمد على التمويه والتغطية، فقد برزت عدة آراء مباشرة عقب الإعلان عن استقالة أويحيى، حيث رأى البعض أنها تمهيدا لإعلان ترشحه لرئاسيات 2014، إلا أن هذه القراءة تتجاهل قناعات أويحيى الذي يرفض الظهور بمظهر الضعيف، إذ كيف لمن يريد قيادة دولة أن لا يحظى بالتوافق داخل حزبه الذي قاده لأزيد من عشر سنوات. كما أن خروجه من قيادة الأرندي بالشكل الذي أعلنه ثم عودته مترشحا للرئاسيات ليس بالشكل السياسي اللائق. رسالة لأويحيى: بن صالح مع رحيلك من الصعب القول إن استقالة أويحيى كانت إرادية، فهو يدرك أن خصومه ليسوا بالقوة التي تجعلهم ينتصرون عليه، إلا أن خروج أسماء ثقيلة ظلت في الحكومة لأزيد من عشر سنوات كوزير الشؤون الدينية المتحفّظ جدا والقريب من الرئيس، رغم أنه محسوب سياسيا على أويحيى يجعل من انسحاب أويحيى أمرا محسوما. و الأهم في قرار "إقالة " أويحيى أنه تلقى تأكيدا بأن رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، الرجل الثاني في الدولة المحسوب على الأرندي، قد يضطر للتوقيع على بيان سحب الثقة من أويحيى، ولأن منصب بن صالح يجعل من قراره ضربة قاضية لأويحيى، فإن هذا الأخير قرر الانسحاب مرغما وهو يدرك أن قناعة محيطه السياسي والأشخاص المحسوبين عليه ليست إلا بإيعاز وبدفع وتغطية سياسية من مستويات لا يمكن مقاومتها والبقاء على رأس الأرندي في وضع يتميز بالتفكك. هذا في حد ذاته دلالة على أن السلطة تبحث عن شريك غير أويحيى لقيادة الأرندي الذي ستدفع به قوة الأحداث إلى التحالف مع أطياف سياسية كثيرا ما أعلن معارضته لها من بينهم الإسلاميين، لكن في إطار نظرة السلطة دائما، إذ يمكن أن نقرأ في هذا توجها سياسيا مستقبليا لتحالفات السلطة التي ستعتمد على وجوه جديدة من داخل الأرندي والأفلان والتيار الإسلامي. ولضمان الاستقرار السياسي للمرحلة القادمة، يمكن للسلطة أن تلجأ لتحالفات سياسية جديدة، لأن "الأجندة" تعتمد على تحديات أمنية وسياسية قادمة من الخارج أكثر من الداخل، ومن شأن "تجفيف" منابع التوتر السياسي الداخلي وإقامة تحالفات جديدة وفق رؤية مستقبلية لما يمكن أن يواجهها أن يمنح هذه السلطة وقتا أكبر للتفرغ لمشاكل الجوار ومحاولة التحرر من الضغوطات الكثيرة القادمة من الخارج، طبعا دون إغفال ترتيبات سياسية واقتصادية وتحالفات قوية لجأت السلطة إلى إقامتها مع دول محورية عدة، من شأنها التأثير على صناعة القرار في المنطقة ووسط المحافل الدولية والإقليمية. لذلك يمكن القول إن استقالة أويحيى تشبه الإقالة، وأن الربيع العربي في الجزائر يأتي بمفاهيم مقلوبة.