محمد عماري “الرئيس لا يحتاج إلى وسيط إذا ما رغب بتنحي عبد العزيز بلخادم من الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني”، هذا ما يردده المقربون من عبد العزيز بلخادم، بل ويقوله بلخادم نفسه علنا، فما تفسيرات تطور الأمور بهذا التسارع “النوعي” الذي جعل جميع وزراء الحزب في الحكومة يتخذون موقفا مشتركا “قويا” ضد عبد العزيز بلخادم؟ عارفون بخفايا الأوضاع في الحزب، يطرحون ثلاث فرضيات في سياق تحليل الشأن الجاري، أولاها أن النظام باشر عملية تغيير في الوجوه الحزبية، مستفيدا من تنحي سعيد سعدي مبكرا، ثم اعتزال آيت أحمد، فتم الضغط على أحمد أويحيى حتى رمى المنشفة، والدور يجري الآن على عبد العزيز بلخادم، من خلال تحريك وزراء الحزب في الحكومة، الذين يعني موقفهم دلالة رسمية، تحسن قواعد الأفلان قراءتها جيدا. الفرضية الثانية، تتمثل في أن الوزراء الثلاثة، الذين تحركوا أولا، وهم عمار تو والطيب لوح ورشيد حراوبية، قرأوا في استقالة أحمد أويحيى، بتلك السرعة، اتجاها “فوقيا” لاستنساخ الصورة في حزب جبهة التحرير الوطني، فبادروا بذلك الموقف الذي يعزز مواقعهم في مرحلة مابعد بلخادم، خاصة وأن الثلاثة كانوا مستهدفين أيضا من قبل “التقويميين” و”المركزيين” و”جماعة بوحارة”، وغيرهم من أجنحة الصراع في الحزب العتيد. أما الفرضية الثالثة، وتبدو الأضعف، فهي تقوم على استبعاد أي علاقة للسلطة، أو بعض أذرعها، فيما يحدث للحزب، حيث يكون تحرك الوزراء الثلاثة، ثم الخمسة، انطلاقا، من حسابات حزبية تنظيمية، رأت أن الأوضاع بدأت تميل في غير صالح عبد العزيز بلخادم، ومن المرجح سقوطه في اللجنة المركزية القادمة، ولذلك جاء تحرك الوزراء من أجل توجيه موازين القوة لصالحهم، على حساب “التقويميين” الذين لم يحققوا شيئا ملموسا طيلة عامين، أو المركزيين الذين انتفضوا لعدم ترشيحهم في التشريعيات الأخيرة، أو حتى جماعة بوحارة، التي توصف “بالمعارضة عبر البيانات من مجلس الأمة”، والتي لم تحقق شيئا ولم تقنع أحدا، رغم أن معارضتها لبلخادم بدأت في ديسمبر 2007. والواضح أن تمتع الوزراء بالصفة الحكومية سيمنحهم أفضلية واضحة، في حال انسحب بلخادم من الأمانة العامة، وقد تُقرأ بعض ملامح هذا الاتجاه في رسالتي الوزراء ضد بلخادم، اللتين تضمنتا دفاعا واضحا عن “المحيط الإداري”، في إشارة واضحة إلى الوزير الأول ووزير داخليته، الذين يُشاع أنهما لايحملان ودا كبيرا لشخص عبد العزيز بلخادم، وهو ما يعني، ضمنا، أن أحد الوزراء سيكون أقوى المرشحين لخلافة بلخادم في الأمانة العامة للحزب، على حساب منسق الحركة التقويمية عبد الكريم عبادة، الذي عُرف بإساءته لشخص رئيس الجمهورية في 2004، أو عبد الرزاق بوحارة، الذي قد يمنعه سنه من الترشح لهذا المنصب، أو حتى عمار سعداني، الذي يدعمه بعض أعضاء المكتب السياسي الحالي. بشكل عام، تتوزع تحاليل القيادات والمناضلين في الحزب العتيد، على إحدى الفرضيات السابقة، أو بعضها معا، في قراءة مصير الأمين العام، الذي تضرر، أو تأثر، باستقالة أويحيى من قيادة الأرندي، على الرغم من أن الوضع الطبيعي أن يكون الأفلان المستفيد الأكبر من أزمة الأرندي، لكن خصوصية “الديمقراطية” في الجزائر تجعل الحزبين في وضع مشترك.. بل والرجلين في “شاشية واحدة”.. لكن اللافت فيما يحدث في جبهة التحرير هو “صمود” عبد العزيز بلخادم ورفضه التنحي.. مهما اتسعت جبهة المعارضة ضده، في صورة مغايرة لما كان عليه “الراحل” عن حزبه أحمد أويحيى، على الرغم من أن صورة هذا الأخير في الصحافة، ظلت وبشكل نمطي، تعبيرا عن القوة والصلابة والبسالة، بينما كان بلخادم يُقدم في ثوب الرجل الطيب، الميّال للمسالمة والهدوء والتنازل، لكن بداية العام الجديد، قلبت هذه الصورة النمطية تماما، بانهيار أويحيى عند أول ضربة، وصمود بلخادم رغم اشتداد الضربات!