حقق فريق طبي مختص في جراحة الأنف والحنجرة والأذن بمستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، نجاحا كبيرا في عملية جراحية تعدّ من بين أعقد العمليات الجراحية والمسجلة لأول مرة في المستشفيات الوطنية، تتمثل في استئصال ورم خبيث يفوق وزنه 1.5 كلغ أصاب الغدة “النكفية” المسؤولة عن إنتاج اللعاب لأحد المرضى الذي أُصيب بالمرض منذ سنتين. وتأتي هذه العملية الأولى من نوعها على المستوى الوطني رغم قلة المعدّات الطبية في مستشفياتنا. العملية الجراحية أشرف عليها البروفيسور جمال جناوي رئيس مصلحة جراحة الأذن والأنف والحنجرة بمستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، وأجرى العملية الدكتور كمال مزوار المختص في هذا النوع من الأمراض، وروى شقيق المريض المدعو “بوعلام” البالغ من العمر 60 سنة، أن معاناة أخيه مع المرض بدأت منذ سنتين، فمنذ أن برز ورم صغير أسفل الرقبة وبجانب الأذن، دخلت عائلة المريض في حالة قلق لا مثيل لها لاشتباههم في أن تكون هذه الحالة عبارة عن ورم خبيث باعتبار أن حجمها كان يزداد بشكل سريع، فتم عرض المريض على الأخصائيين وبدأت عمليات تشخيص حالته عن طريق الفحوصات التصويرية، ليتبيّن أن شقيقهم مصاب بسرطان الغدة النكفية المسؤولة عن اللعاب، ومما زاد من خطورة وفي الوقت نفسه معاناة المريض أن هذا الورم أنثوي ويتطور بشكل جد سريع، ذاك ما زاد من تدهور حالة المريض النفسية خاصة عندما تم إبلاغه بضرورة مباشرة العلاج الكيميائي، غير أن تخوفه من هذه الطريقة جعله يرفض العلاج مما زاد من تعقيد المرض وتسهيل عملية تطوره إلى أن أصبح المريض يعاني من آلام شديدة، وهو ما استدعى نقله إلى المستشفى لمتابعة مختلف أنواع العلاج خاصة تهدئة الآلام المصاحبة للمرض، حيث مكث شهرين داخل المستشفى أُجريت له مختلف الفحوصات الدقيقة لدراسة حالته وكيفية استئصال الورم، وبدأ مجبرا بالعلاج الكيميائي غير أن ذلك لم يف بالغرض ولم يتم تسجيل استجابة الورم للعلاج الكيميائي، بل زاد من حجمه، وبعد صدور النتائج وقف الأطباء شبه عاجزين أمام هذه الحالة النادرة التي يُواجهونها والتي تكون نسبة نجاحها تقريبا صفر بالمائة، غير أن الفريق الطبي بتشجيع من عائلة المريض عزمت على رفع التحدي والعمل جاهدين لإنجاح العملية. نتائج الفحوصات تكشف خطورة العملية والورم يتطور بشكل سريع كشفت آخر نتائج الأشعة الرنينية المغناطيسية “إي.أر.أم” التي أجراها المريض قبل شهرين، عن تأكيد وجود تورم بالمنطقة تحت الفك العلوي وإصابة الغدة “النفكية اليمنى” بمعنى سرطان “خبيث” وليس حميدا بالغدة النكفية من نوع أنثى، وموقعها في هذه المنطقة يزيد من تعقيدها نظرا لوجود الأوردة المرتبطة بالجهاز العصبي، وهي عبارة عن ورم من الحجم الكبير وأصاب الأنسجة، ومن النوع الذي يخترق العضلات الأخرى في هذه الجهة، حيث يمتد إلى اللوزة الحنكية اليمنى وعضلات الدعامة الأساسية للبلعوم والجناحية مع مسح جزئي للشحوم الموجودة بشبه البلعوم، ويشكل ارتباطا وثيقا مع العضلات الجانبية للسان وصعوبة فصلها بين مكان عن آخر خاصة عن العضلات المبوقة التي تقع بين الفك السفلي والعلوي، كما يمتد إلى منطقة الغدة الماضغة. الفريق الطبي يُحقق المعجزة… في هذا الصدد صرّح الدكتور كمال مزوار الذي أشرف على العملية بأنها تعدّ أول عملية من هذا النوع على المستوى الوطني خاصة من حيث التعقيد نظرا لوجود تعقيدات في كيفية إجراء العملية، حيث يُواجه الأطباء احتمال انفجار الورم أو انقطاع وريد المخ، ليتم أخيرا الأسبوع الماضي الموافقة على قرار إجراء العملية ورفع التحديات بعد دراسة دقيقة للحالة، وتم إدخال المريض إلى غرفة العمليات منذ الساعة العاشرة صباحا إلى غاية حدود الساعة الثانية زوالا، ومنذ ذلك سادت حالة من الخوف الشديد والقلق لدى أفراد عائلة المريض من حدوث الأسوأ، فما كان أمام الجميع إلا الاستعانة بقدرة الله وهو ما كان قد صرّح به الفريق الطبي قائلين “سنقوم بكل ما بوسعنا والبقية على الله” مما زاد من تقلص نسبة الأمل لدى عائلة المريض التي بقيت تنتظر الساعات وهي تمرّ كالأعوام. وجرت العملية حسب الفريق الطبي على رأسهم الدكتور مزوار وتحت إشراف البروفيسور جناوي، ورغم قلة الإمكانيات بهذه المصلحة، بمباشرة فتح الجهة اليمنى للعنق تحت الأذن، ثم واجه الأطباء خيارا وحيدا وهو قطع الوريد الخارجي للوجه ونزع القسم المتضرر منه مع إعادة خياطته من جديد مع الحفاظ على الوريد الداخلي المتصل بالمخ، تفاديا لتمزق هذا الوريد الذي قد يؤدي إلى شلل المريض عصبيا، ثم بدأت أهم خطوة وهي استئصال الغدة النكفية المتضررة مع الجلد السطحي لرقبة المريض، حيث تحولت الغدة إلى ورم بلغ وزنه أكثر من 1.5 كلغ وأكثر من 12 سنتيمتر على 10 سنتيمتر طولا وعرضا، مع تنظيف جميع المنطقة التي تموقع فيها الورم، ثم بدأ الفريق الطبي في عملية أخرى وهي تمديد جلد الرقبة الخلفية لتوصيله بالمنطقة حيث تم استئصال الجلد بالورم للتمكن من خياطته وبالتالي إعادته إلى وضعه الأصلي.