يتحدث الفنان العالمي محمد بوكرش في هذا الحوار؛ عن تجربته في مجال الفن التشكيلي والنحت التي قضى فيها نصف مسيرة حياته مخلدا الموروث الثقافي الجزائري في مجسمات وتماثيل لا تزال صامدة في شوارع العاصمة وأعمال أخرى نال بها جوائز عالمية. كيف كانت بدايتك الأولى مع الريشة والفن؟ طبعا، انبهاري بما هو موجود من منجزات تشكيلية إيضاحية بيانية في دروس الأشياء، في القصص المرسومة وكتب صحيح الإنشاء اللبنانية والتونسية، وما نقوم به نحن كتلاميذ بمدارسنا الابتدائية تلبية لرغبات الأساتذة كأن نرسم معاني مضامين القصائد الشعرية على أوراق رسم كراريس المحفوظات... إعجاب الأساتذة بذلك وتشجيعاتهم لنا، كان من الحوافز التي جعلت منا منافسين لبعضنا البعض بنماذج منا، فأصبحت المدرسة برمتها تضرب بنا الأمثال، وصرنا محل اهتمام الإدارة التي لا تبخل هي الأخرى عليهم وعلينا بجوائز طعم حلاوتها يرافقنا لحد الساعة.. هي بدايتي مع الريشة والفن عموما دون أن أعرف ذلك. إذن فالطفولة ساهمت بشكل أو بآخر في صقل موهبتك الفنية؟ بالفعل، فطفولة السنوات الأخيرة من ثورة التحرير الكبرى، طفولة الأيام الأولى وفرحة الانتصار وتحقيق الحلم الأكبر سنة 62 بين رسم رموز الثورة ورايتها الخضراء.. رغم الفقر وعدم الاستقرار والحرمان وجدتني مثل كل الأطفال أقضي معظم أوقاتي الفارغة في صناعة لعبتي المفضلة، خنجر، بندقية.. جرافات، من التصميم إلى تجسيدها. وكان للوالد المرحوم المجاهد بوكرش بوبكر الدور الرئيسي في كل هذا بتسجيلي رفقة أخي الأكبر المرحوم بوكرش الطاهر في الكشافة الجزائرية سنة 1960 بباردو في العاصمة التونسية لما كان مكلفا بمهام مرافقة كل من يدخل من الجزائر عبر خط موريس إبان الاستعمار الفرنسي إما للدراسة بجامع الزيتونة أو للتدريب بالثكنات المتواجدة بمدينة الكافالتونسية والقريبة من الحدود.. هكذا كانت طفولتي. هل تلقيت تكوينا خاصا أثناء سنوات الدراسة؟ ونحن نحتفل بالاستقلال؛ وطأت أقدامنا لأول مرة وطننا الحبيب تبسة أولا، ومن ثمة قصدنا برج بوعريريج حيث استقرت الأسرة هناك بعين تاغروت إلى غاية 1965 سنة وفاة المرحوم أبي. توجهت الأسرة بعدها إلى تيبازة وبقيت بالنظام الداخلي وحيدا بثانوية محمد قرواني بسطيف. وبين مدرسة رأس الطابية الابتدائية بتونس ومدرسة عين تاغروت ببرج بوعريريج وثانوية محمد قرواني بسطيف ولدت فنيا وتشكيليا حيث كان للمدارس الابتدائية ومعلميها الفضل الأول في تمهيد ملكاتي وذوقي وحسي التشكيلي، لأكون معززا مكرما بدراستي الثانوية بسطيف، مهد الهندسة المعمارية الكولونيالية التي تسلب العقول بما حملت من منحوتات طعمت جمال العمارة.. حدائق لن تخلو هي الأخرى من تماثيل رخامية وبرونزية زيادة على نافورة عين الفوارة الشهيرة. من هم أساتذة هذا الفن الذين تعلمت على يدهم؟ من حظي أن التقيت في الثانوية لأول مرة بأستاذ مادة الرسم الفرنسي شاربونال الذي لقنني أبجديات التشكيل الأكاديمية ومعه عرفت فنون المنظور والتزيين ''الماكياج'' والخداع البصري، وهو أول من طلب مني الالتحاق بمدرسة الفنون التشكيلية بالعاصمة. وأعتبر لقائي به أول انطلاقة لي في عالم الفن التشكيلي قبل التحاقي بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة سنة .1974 ماهي الأعمال التي تعتقد بأنها أدخلتك عالم الشهرة؟ الفضل كله يرجع لغير الجزائريين مع الأسف الشديد.. دخلت العالمية من مهرجان تونس الدولي الذي ترددت عليه كثيرا، انتقائي لإنجاز ''منحوتة الربيع العملاقة'' بملتقى النحاتين بشانغ شون بالصين الشعبية سنة ,2000 أما أعمالي الموجودة بمتحف الحامةبالجزائر العاصمة، فلو لم تأتي السيدة بيراز دوكويلار وزوجها ونزلا ضيوفا على الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد وزوجته المحترمة واكتشفت بانبهار منجزاتي على مادة الخشب بمعرض نظمته بقصر الثقافة، ما كان السادة الكرام الأوصياء على الثقافة الجزائرية أن يقدروا هذا ولا أن يضعوه محل اهتمام ويضم إلى الذاكرة الشعبية التشكيلية.. وهنا أشكر الإخوة مدين محمد ومدين بن عمر اللذان كانا السبب في دخول أعمالي متحف زبانة بوهران لما استضافاني لعرض أعمالي بقاعة العروض ''م'' التي تعني أسرة مدين. معروف عنك أنك فنان ذو جرأة كبيرة في الكتابة؛ فهل يعجز الفن الصامت عن إيصال المعنى أحيانا؟ كل الخيارات في علوم الاتصال والتواصل عاجزة اليوم أمام التعنت المخيف والتشبث بالسلطة فقط لقضاء حوائج الغير تحت التهديدات والمسميات المتنوعة والذوبان ثقافيا في بوتقة الآخر. كيف ترى واقع الفن التشكيلي في الجزائر؟ واقع مزر بأتم معنى الكلمة سواء على المستوى المحلي أو الدولي ولا أسمي المبادرات الشخصية بحراك ثقافي. كما نسجل الغياب الملحوظ للجزائري دوليا سواء كان ذلك في عالم الفن التشكيلي أو غيره من الفنون الأخرى. ثم عندما نتكلم على الثقافة، نتكلم على الأخلاقيات فلا وجود للأولى.. هكذا نؤمن، في غياب أو العمل على تغييب الثانية. ما هي مشاريعك الفنية المستقبلية؟ بكل صراحة ولا تزييف أو نفاق.. أنتظر الرحيل في الستر مثلي مثل الكثيرين. ماهي الرسائل التي تريد تمريرها من خلال أعمالك؟ دق ناقوس الخطر.. وصيحات استغاثة لإعادة الاعتبار. لك أن تختتم الحديث بما تشاء أقول في النهاية وليست النهاية، الثقافة والتربية والتكوين أصبحت أخبث وأخطر أنفلونزا يخافها المتشبث بالسلطة والتسيير في الجزائر، لذا علينا محاربتها باستمرار. أما الرسالة، فرغم وصولها لن تصل مهما كان اختيار الأسلوب والتقنية.