محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية، فنان تشكيلي مرموق، أقام العديد من المعارض الفنية من بينها معرضه الخاص بفندق الميريديان ومعرض "هموم مصرية" بمجمع الفنون··· تأثر في أعماله بالإنسان وبالحياة الشعبية والبسيطة، له مجموعة من المقتنيات في العديد من المتاحف القومية والدولية، من أبرزها مقتنيات في متحف المكتبة القومية ل "الكونغرس واشنطن"، ضمن المجموعة الفنية الخاصة بالرئيس جيمي كارتر·· تحصل شعلان على العديد من الجوائز والأوسمة مثل جائزة ملصقات العام الدولي للمرأة، والجائزة الأولى لقوسمير، جناح مصر، بينالي الشارقة·الفنان محسن شعلان ومن خلال مشاركته مؤخرا في الملتقى الذي نظمته المكتبة الوطنية تحت عنوان "الفن العربي المعاصر، خصائصه وشمولياته"، التقت به "المساء" وأجرت معه هذا الحوار··· - لماذا لا يجد المواطن العادي نفسه في الفن التشكيلي، أي لماذا لا يعتبر المواطن الفن التشكيلي مرآة تعبر عن مشاكله كالسينما والمسرح؟ * صحيح، إن جمهور الفن التشكيلي في جميع الدول العربية، أقل بكثير من جمهور الموسيقى، السينما أو المسرح، حتى رياضة كره القدم هي الأكثر شعبية في العالم بأسره، لأنها بدأت في الشارع، بينما الفن التشكيلي كان أحد أسباب قلة شعبيته، مخاطبته للمتخصصين طوال الوقت، فالناقد يخاطب الفنان والفنان يخاطب نظيره الفنان دون أن يعطي أيا منهما اعتبارا كافيا للجمهور، وأحدث ذلك شرخا كبيرا بين الفن التشكيلي والجمهور، فشعر المتلقي بأنه على هامش هذا المجال من الفن، وأن للفنان ظل يوحي الى الجمهور أنه في برج كبير يطلق منه العنان لخياله وسط جملة من الفلسفات والجماليات، دون الخوض فيما يحتاج الجمهور لحب الفن التشكيلي والإقبال عليه··· فالفن التشكيلي عملية إبداعية متكاملة، حيث الفنان هو البطل لوحده، بينما العمل السينمائي مثلا متكامل وجماعي، أيضا الكتابة وان كانت بدورها عملا انفراديا فإنها مرتبطة باللغة وتفرض على مرتاديها إجادة القراءة، في حين أن الفن التشكيلي غير مرتبط بمكانه تعليمية بقدر ما هو مرتبط بمسألة تذوقية· - كيف انتقل الفن التشكيلي من الحديث إلى المعاصر؟ وكيف نستطيع في هذا الزمن المنفلت أن نميز بين الإبداع والزيف؟ * الفن الحديث كان في وقته معاصرا والفن المعاصر سيأتي زمن يقال عنه بأنه حديث وهكذا، أما كيف يمكننا الفصل بين الفن الجيد اللافت والذي يحاول أن يشبه الفن، فأعتقد أن الفن الذي يمس المتلقي ويظل في الذاكرة لزمن ما ويظل في مشاعره مؤثرا هو الفن الأصيل الذي يسكن وجدان الجمهور، أما الفن الزائف الذي يعتمد على مساحات لونية بشكل مطلق أو خطوط أو تشابكات تبدو في ظاهرها تشكيلية، ولكن من دون هدف تحقيق حصيلة جمالية، أو معالجة قضية إنسانية، لا أعتبره فنا لأنه لا يعيش في وجدان الإنسان، بحكم أنه تجاهل الإنسان واستخف بحواسه التذوقية، فيمر بذلك مرور الكرام دون أن يخلف أي تأثير أو علامة إعجاب· - لماذا نتحدث دائما عن الهوية في ممارستنا للفنون، وهل هويتنا هشة حتى نخاف اضمحلالها؟ * هذه عقدة متوارثة لدى العرب، وأعتقد أن ما مرت به المنطقة العربية من أخطار ومطامع، جعلها تتمسك بهويتها الى حد الإفراط، رغم انه حين خلق الله الفن على هذه الارض ملكه لكل البشر حتى وأن تصنيف هذا الفن جغرافيا كان تصنيفا مرتبطا بمواضيع معينة، تعبر عن مناخ طبيعي مختلف وعادات مختلفة، وظل يمثل الميراث الإبداعي لكامل البشرية· العرب مثلا يتذوقون أعمال بيكاسو وفان غوخ وآخرين، ولم تلحظ في لوحة بيكاسو مثلا أية اشارة تقول أنه ليس فرنسيا او اسبانيا، وظل هذا الفنان يبدع ابداعا بشريا للانسان وتحصل على شهرة عالمية وكان محل اهتمام الكثيرين بصرف النظر عن انتماءاتهم الجغرافية· - ولكن ما العيب في أن نعبر عن هويتنا في الفنون؟ * أرى أن التحدث عن الهوية في الفن يعتبر إدانة للعملية الإبداعية، الهوية تمس ثقافتنا الذاتية بصفة خاصة، دون ان نحتاج الى أن نعدد دائما هذا المعنى، حتى عندما نناقش مشاكلنا الاجتماعية، لا بد أن نطلق هذه الرسالة على مشاكل الإنسان بصفة عامة، ونفس الشيء بالنسبة لتذوقنا للجمال، ما عدا، في اعتقادي، التعبير عن منظر طبيعي ما أو ملامح وجه أو أشياء من هذا القبيل والتي تختلف من منطقة الى أخرى··· الفن أصبح أداة عالمية للتفاهم، ففي بعض الأحيان يكون الفن خير سفير لإصلاح ما تفسده السياسة· - كيف هو واقع الفن التشكيلي في مصر؟ * الفن التشكيلي في مصر يمر بمرحلة انتقالية، ويحاول الإجابة عن العديد من التساؤلات التي تدور حوله، لقد اكتشف الفنانون المصريون غربة وبعد الفن التشكيلي عن الجمهور، لذلك بدأوا ينزلون الى الجمهور من خلال عمل جداريات في الشوارع وتماثيل في الميادين وتنظيم ملتقيات ثقافية بالحدائق العامة وبشكل منتظم، حيث ينزل شباب فنانون يرسمون بين الناس ويتحاورون معهم وغالبا ما يكون هذا الجمهور مكونا من العائلات·· أشير في هذا السياق الى تجربة في البهو الرئيسي لمحطة القطارات الرئيسية في القاهرة، حيث وضعنا شاشة عرض تبث فيها أعمال الفنانين وسيرهم الذاتية وأعمال فيديو آرت، بالإضافة الى تجميع الأنشطة الكبيرة كالمعرض السنوي العام للفنون التشكيلية وصالون الشباب السنوي في تظاهرة فنية تقام سنويا تحت عنوان "مهرجان الإبداع التشكيلي"، والذي يعتبر سوقا كبيرا للفن التشكيلي تحت رعاية الدولة ووزارة الثقافة، حتى يقبل الجمهور على شراء أعمال الفنانين·· ومن خلال هذا المهرجان، تم تحقيق مناخ جيد لتذويب الفجوة بين الجمهور والفن التشكيلي، كما تم أيضا توفير مساحات إعلامية مناسبة بمحطات التلفزيون المصرية، التي أصبحت تغطي معظم النشاطات الثقافية والفنية من مواقع حدوثها وأحيانا على الهواء مباشرة· - كيف يمكن للفنان العربي أن يبدع وهو يعيش العديد من التحديات؟ * الفنان لا بد له ان يحتمي دائما بإبداعه، ويحاول المحافظة بداخله على رسالة يتنباها ويسعى من أجلها الى الوصول الى نهج وأسلوب يحقق له الخلودالفني، فإذا استطاع أن يجد هذا الهدف فلن يشعر باليأس، وحتى إذا مر به هذا الإحساس فإنه يفلت منه الى حب جديد أو رسالة جديدة تجاه المجتمع أو قضية تشكيلية·· الحقيقة أرى أن المخرج الأزلي الوحيد للفنان يبقى ويظل "المرأة"، فلا بد أن تسكن المرأة كيان الفنان حتى يبدع، فالمرأة هي الارض والحب والأم والعشيقة والإلهام·