إن الحديث عن الحركة الطلابية هو الحديث عن الحركة الوطنية، فنشأة الحركة الطلابية مقترنة بنشأة الحركة الوطنية ومنذ تأسيسها حملت هموم الشعب الجزائري ورافعت من أجل استقلال الجزائر، رغم كل أنواع القمع والملاحقات التي طالت روادها في جامعة الجزائر أو في الجامعات الفرنسية. ولقد كان للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين دور فعال في شحذ همم الطلبة الجزائريين والتفافهم حول القضية الوطنية وكذا تحريك الرأي العام الطلابي الجزائري والأجنبي لمساندة مطالب جبهة التحرير الوطني في نضاله المستميت لانتزاع السيادة الوطنية. بعد الاستقلال استمرت الحركة الطلابية في نضالها من أجل تثبيت السيادة الوطنية ومدت يد العون للسلطة السياسية المنبثقة بعد صيف ,1962 وحاولت المساهمة في البناء الوطني من خلال حملات التوعية والمشاركة في حملات الثورة الزراعية. ولكن سرعان ما تبددت أجواء التعاون والتنسيق بينها وبين النظام القائم، بسبب تباين وجهات النظر حول قضايا الحريات النقابية والإصلاح الجامعي، فبعد محاولات السيطرة على المنظمة تارة والتفاوض معها تارة أخرى، عمدت وزارة الداخلية إلى حل الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين صباح 15 جانفي ,1971 وبذلك دخلت الجامعة الجزائرية في مرحلة من قمع الحريات النقابية، ومحاولة سد الفراغ واحتواء الطلبة في لجان للعمل التطوعي وتوجيه طاقاتهم بما يخدم سياسات التنمية الوطنية. بعد أحداث أكتوبر ,1988 استطاعت الحركة الطلابية افتكاك مبدأ التعددية النقابية، ما أدى إلى تأسيس منظمات طلابية على غرارالاتحاد العام الطلابي الحر، الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين الذي يعتبر نفسه استمرارا للمنظمة العريقة، وكذا الرابطة الوطنية للطلبة الجزائريين. وما يميز هذه الفترة هو المنافسة والتدافع بين هذه المنظمات من أجل التمركز في المجال الجامعي. والملاحظ أن الصراعات الطلابية كانت في جوهرها مطابقة للحراك السياسي الذي عرفته الجزائر آنذاك والمتميز بتصاعد التيار الوطني والإسلامي وتراجع التيار اليساري في أوساط الطلبة من خلال التنافس على بعض الأقطاب الجامعية الكبرى مثل جامعة العلوم والتكنولوجيا بباب الزوار وجامعة بوزريعة للعلوم الإنسانية . إنه لمن الجحود إنكار مجمل المكاسب التي استطاعت الحركة الطلابية إنجازها سواء في الميدان البيداغوجي أو الاجتماعي أو السياسي، حيث أنها وفي أحلك فترات المأساة الوطنية، استجابت لنداء السلطة بتعزيز المؤسسات الدستورية وتمثيل الطلبة في المحافل الوطنية، ولقد دفعت الحركة الطلابية ثمنا باهضا بسبب مواقفها تجاه الوحدة الوطنية واستتباب الأمن، فقد استشهد الطالب عبد الحفيظ سعيد برصاص الجماعات الإرهابية، علما أن هذا الطالب تميز بشهادة كل من عرفه بحسه النقابي والوطني، ولا ننسى أيضا مقتل الطالب كمال أمزال في بداية الثمانينات على يد بعض الطلبة ''المتشددين'' حسب بعض الروايات. هذا الطالب الذي عرف بنشاطه النقابي والسياسي من أجل القضية الأمازيغية. ومنذ أن ظهرت التعددية في المنظمات الطلابية، تولد حراك نقابي وسياسي كبيرين، فنجد الاتحاد العام الطلابي الحر يتحدث عن الإصلاح الجامعي، وقد تقدم للوزارة المعنية بمسودة تتضمن مشروع إصلاح جامعي شامل ومفصل، ونجد أيضا الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين يرافع عن مشروع الميثاق الجامعي رغم أنه لم ير النور، ورغم ما يشاع عن الصراعات التي طالت المنظمات الطلابية فيما بينها، إلا أنها تمكنت وفي العديد من المناسبات من الالتقاء على طاولة واحدة لإمضاء بيانات موحدة ولصياغة مشاريع نقابية مشتركة، رغم أن هذه المساعي لم تفض إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع. نلاحظ أيضا، أن هذه المنظمات قد توحدت وتكتلت في أكثر من مناسبة من أجل الدفاع عن قضايا مشتركة خاصة ما يتعلق بالسياسية والقضايا الدولية، كالدفاع عن التعريب والقضية الفلسطينية والقضايا العادلة في العالم. بالمقابل، فإن ما آلت إليه الحركة الطلابية حاليا هو كثرة المنظمات الذي هو في حد ذاته مكسب ديمقراطي، وأكثرها تحاول التأكيد على بعدها الوطني وخصوصيتها الطلابية، غير أن الواقع يقول إن هناك منظمات ليس لديها اعتماد، وأخرى تمتهن التجارة في الوسط الجامعي دون أن تولي اهتماما للمطالب الطلابية سواء في المجال البيداغوجي أو الاجتماعي أو العلمي. إن ما يعاب على المنظمات الطلابية في الآونة الأخيرة وأدى إلى عزوف الطلبة عن الانضمام إليها، هو أنها لم تعد قادرة عن الدفاع عن حقوق الطلبة، وحتى داخل صفوف هذه التنظيمات نجد أن الشحنة الإيديولوجية، بالتعبير السوسيولوجي، قد ضعفت في ظل انعدام الثقة بين هياكل التنظيم الواحد، ما أدى إلى انعدام رؤية واضحة للعمل الطلابي وانحلال التجانس في فلسفة وأنماط العمل النقابيين لدى هذه التنظيمات، بحكم أنها انفصلت عن مجتمعها الطلابي وبالغت في ارتباطاتها بفضاءات أخرى تعيق عملها وتثبط تطلعاتها في إحداث نهضة طلابية والنهوض بالجامعة الجزائرية التي أصبحت كسائر المؤسسات الاجتماعية رهينة سوء التسيير والنظرة الأحادية وهواجس الرشوة والمحسوبية. وهو الوضع الذي يستدعي وقفة جادة لهذه المنظمات من أجل تقييم أدائها ومراجعة عملها وخطابها من أجل خير الجزائر والجامعة الجزائرية.