يخضع عدد كبير من المسؤولين على الفروع الأجنبية لمؤسسة سوناطراك ببعض البلدان الأوربية وأمريكا اللاتينية، إلى تحقيقات أمنية تشرف عليها مصالح مختصة على خلفية تورط البعض منهم في "بيع" معلومات غاية في الأهمية والحساسية لصالح مجموعات صناعية تنشط في مجال الطاقة، وهي الفضيحة المدوية التي انكشف أمرها بعد تصريحات مثيرة أدلى بها متهمون في قضايا الفساد التي هزت مجمع سوناطراك في الآونة الأخيرة، وتبين من خلالها أن عددا من الشركات الأجنبية تحصلت على معلومات جد حساسة وسرية للغاية تخص السياسات الاستراتيجية لسوناطراك، وهو ما سمح لها بالتفاوض مع مسؤوليها من موقع قوة خلال عملية انجاز هذه الصفقات، مع العلم أن تحقيقات أمنية سابقة أثبتت أيضا تورط مجموعة من مسؤولي الفروع الأجنبية لسوناطراك في عدة ممارسات مشبوهة، خاصة قضية "جون كران" التي انتهت بعزل العديد من الإطارات وإحالة بعضهم على التقاعد. عاد مسلسل الفضائح، ليطرق أبواب مجمع سوناطراك، لكن هذه المرة من الواجهة الخارجية لهذه المؤسسة، وتحديدا على مستوى فروعها المنتشرة في العديد من البلدان الأجنبية، وهي عبارة عن شبه مكاتب تشرف على متابعة كل المشاريع التابعة لسوناطراك بالخارج، كما تتكفل أيضا بالتنسيق مع كبريات الشركات النفطية الدولية التي تملك عقود شراكة مع هذا المجمع، حيث تفيد آخر المعلومات، عن إمكانية تورط بعض هذه المكاتب بشكل مباشر في جميع الفضائح التي شهدتها مؤسسة سوناطراك في الأعوام الأخيرة، بعدما تحولت إلى شبه قواعد خلفية للتجسس على مشاريعها من خلال معلومات وملفات ومعطيات غاية في الدقة والحساسية تم تسريبها إلى عدة مؤسسات أجنبية مقابل حصول بعض الإطارات على عمولات أو امتيازات أخرى. ويبدو أن التحقيق المذكور جاء على ضوء العديد من المعطيات والمفاجآت التي عرفتها التحقيقات الجارية بملفات الفساد الخاصة بسوناطراك، خاصة بإيطاليا التي أصدرت مصالح الدالة فيها مجموعة من الإجراءات وصلت إلى حد وضع أحد المتورطين في قضية "سايبام" رهن الحبس المؤقت، وما أعقبه أيضا من قرارات أخرى على مستوى مجمع "أيني" شريك سوناطراك الذي قام مسؤولوه بإنهاء مهام المسؤول الأول عن فرع "سايبام"، قبل أن تُصدر مؤخرا أمرا يقضي بتجميد أصول الأموال التابعة للمتورط الأساسي في قضية "سايبام" المدعو فريد بجاوي على مستوى العديد من البلدان اللآسيوية، وهي جميعها مؤشرات ومعطيات جعلت كبار المسؤولين في سوناطراك يحسون بحرج كبير، ما جعلهم ربما يدفعون بالتحقيقات المفتوحة إلى أقصى حد، لتصل هذه المرة لممثليهم في الخارج وعلاقتهم بتسريب المعلومات الحساسة الخاصة بنشاط سوناطرك لمتعاملين أجانب. وتكشف جهات على اطلاع بهذا التحقيق، عن إخضاع ما لا يقل عن 17 إطارا بهذه الفروع الأجنبية إلى التحقيقات التي ستبقى متواصلة لغاية تحديد الأطراف المسؤولة عن هذه الفضيحة الجديدة التي قد تعرف تداعيات جديدة في الأيام الأخيرة، خاصة في ظل الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الجهات القضائية بإصدارها مذكرات توقيف دولية في حق ما يزيد عن 20 موظفا ساميا متورطا في إطار التحقيق القضائي، الذي يبقى متواصلا بخصوص الصفقات المبرمة بين سوناطراك والمؤسسة. ويذكر أن المديرية العامة لمؤسسة سوناطرك، كانت قد برمجت استثمارات تفوق 60 مليار دولار ابتداء من سنة 2008، وزعتها على مشاريع عديدة ببعض البلدان العربية، الأوربية وحتى بأمريكا اللاتينية، ضمن برنامج ضخم أشرف عليه وزير الطاقة السابق شكيب خليل وبعض المسؤولين، حيث مكنت هذه الاستثمارات مجمع سوناطراك من تفعيل أنشطتها الاقتصادية في عدة بلدان، كما هو الحال بالنسبة لمشروع "كاسيا" بالبيرو، إضافة إلى الرخصة التي فازت بها بليبيا بخصوص استغلال حقوق "غدامس"، وهي جميعها أنشطة جعلت فروعها الأجنبية تعرف نفورا لافتا، قبل أن تصطدم في المقابل بصراعات ومشاكل مع مؤسسات أجنبية أخرى مثلما حصل مع إسبانيا بخصوص مشروع "قاسي الطويل" والمتاعب التي جنتها مؤسسة سوناطراك على مستوى التحكيم الدولي. وجدير بالذكر، أن المدير العام الأسبق لمؤسسة سوناطراك، محمد مزيان، كان قد أجرى في منتصف سنة 2005، تغييرات جذرية على مستوى جميع الفروع الخارجية التابعة لسوناطراك في أعقاب الفضيحة المدوية "جون كران" التي ثبت فيها تلقي عدد كبير من المسؤولين لعمولات ورشاوي من طرف مؤسسة أمريكية ظلت تبسط سيطرتها على نشاط تموين أغلب مركباتها الصناعية بمختلف المعدات والأجهزة التقنية، وهي القضية التي تمت معالجتها بشكل إداري من خلال عزل بعض الإطارات وإحالة البعض الآخر على التقاعد، من دون إحالتهم إلى العدالة، عكس هذه المرة التي تؤكد بعض المصادر عزم مسؤولي سوناطراك على الذهاب بعيدا في هذا التحقيق الذي يبقى مفتوحا. كريم.ح