أحرص على قراءة جديد سمير قسيمي وروايات وطار وبوجدرة تستهويني يتحدث الكاتب المصري تامر أبو عرب عن الواقع السياسي المصري، في ظل اختلاط الأمور، والتظليل الذي تمارسه حكومات دول "الربيع العربي"، والسلطة على الإعلام. كما يطرح أحد أبواب كتابه الأول الموسوم ب"فراعنة بلا أهرامات"، حقيقة الفخ الذي نصبه حكم مبارك، للإيقاع بالشعبين المصري والجزائري، في معركة وصفها المتحدث في الحوار الذي جمعه ب"البلاد"، ب"المختلقة، والمسيسة" لصالح العائلة المصرية الحاكمة آنذاك، للبقاء على سدة الحكم لأطول وقت ممكن. وعن مشاركته في معرض الجزائر الدولي للكتاب، قال أبو عرب إنه ينتظر الموعد بشغف، ويحرص دائما على قراءة أعمال الروائيين الجزائريين. صدر لك حديثا كتاب بعنوان "أيام الكذب والدم"، وقد حقق ضجة في مصر، كما أنه سيشارك في مختلف المعارض الدولية للكتاب، حبذا لو تطلعنا على ما بين أسطره ومضمونه.. يتناول الكتاب بالتوثيق والتحليل الفترة التي تمتد من خلع الرئيس الأسبق حسنى مبارك في 11 فيفري 2011 حتى قبل أيام من عزل الرئيس السابق محمد مرسي، حيث اختصر الكتاب أحداث هذه الفترة فى كلمتين "الكذب والدم". ويوثق لأحداث العنف التي وقعت في هذه الفترة بدءا من فض اعتصام الثوار في ميدان التحرير يوم 26 فيفري 2011. وينقسم الكتاب إلى 4 فصول: الأول يؤرخ لأحداث العنف التي شهدتها مصر بعد ثورة 25 يناير ويحدد تطوراتها والمسؤولين عنها، وردود الأفعال التى ظهرت بشأنها حتى لا تضيع الحقائق أو تتبدل مع مرور الزمان وتلاحق الأحداث. الفصل الثاني يتناول بالتحليل فترة حكم المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي وأسباب فشل الفترة الانتقالية والأخطاء التي تسببت في ذلك. أما الفصل الثالث فيتناول الفترة التي قضاها الإخوان في السلطة سواء أثناء حصولهم على الأغلبية البرلمانية، أو السنة التي تولى فيها الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية، فيما يتحدث الفصل الأخير "سيناريوهات للمستقبل" عن السيناريوهات المتوقع حدوثها في المستقبل، ومستقبل التحالفات السياسية، والموجات المتوقعة للثورة. سؤالنا يتعلق بالفترة التي اخترتها لتحصر فيها الكتاب، حيث أنك أسميت زمن مرسي ب"زمن الكذب والدم"، في حين يتبادر إلى ذهن القارئ أن المقصود خاصة من كلمة "الدم"، هو فض اعتصام "رابعة العدوية".. هل نستطيع أن نعتبر هذه النقطة خروجا عن الموضوعية منك؟ أولا الفترة التي يغطيها الكتاب ليست فترة حكم محمد مرسي، لكنها الفترة من التنحي إلى العزل أي منذ تنحي مبارك وحتى عزل مرسي، وبالتالي هي تتضمن أيضا فترة حكم المجلس العسكري والمشير طنطاوي، كما أن الكتاب انتهيت منه قبل 30 جوان بأيام، أي أنه لم يشهد عملية فض اعتصام رابعة العدوية. وحينما فكرت في كلمات تختصر هذه المرحلة من 11 فيفري 2011 إلى 30 جوان 2013 لم أجد سوى "الدم والكذب"، حيث كانت هاتان الكلمتان العنوان العريض لمرحلة ما بعد تنحي مبارك من كل الأطراف، وسواء كنت في الحكم أو في المعارضة في هذه الفترة، فلا شك أنك تورطت بشكل أو بآخر في الدماء أو في الكذب. بحكم أنك أرخت للسنوات الأخيرة لحكم مبارك، ولمرحلة تولي "الإخوان" سدة الحكم في مصر، هل ننتظر منك إذن كتابا عن المرحلة الانتقالية الحالية؟ وإن كان نعم، هل لديك الجرأة ككاتب لأن تضع اليد على الحقائق التي لم تصل إليها وسائل الإعلام عن الهيئة العسكرية المصرية وعن الحكومة الانتقالية؟ الحق، إنني أفكر جديا في خوض تجربة مختلفة عن الكتب السياسية، على الأقل في كتابي القادم الذي أتمنى أن يكون رواية، مع الاكتفاء بالمقالات السياسية التي أنشرها في بعض الصحف المصرية والعربية، عن الأوضاع في مصر. وسواء كان الأمر متعلقا بالحكومة الانتقالية أو بالجيش فأنا لم أتردد يوما في التصريح بأي رأي لي يتعلق بأحدهما، مهما كان معارضا لهما، ودائما ما ألقى اللّوم من بعض القراء الذين يرون فيما أكتبه تحاملا على الجيش، وأؤكد لهم طوال الوقت أن الجيش المصري خارج المعادلة تماما، فهو حامي الديار وعمود الخيمة، وأن ما نختلف معه هو السياسات التي تتبعها قياداته أحيانا باعتبارهم دخلوا لعبة السياسة بإرادتهم أو مرغمين. ومن ثم من الطبيعي أن يوجه لهم النقد حرصا على مصلحة الوطن أولا وعلى مصلحة القوات المسلحة نفسها ثانيا. فرضا أنك أنجزت كتابا عن هذه المرحلة، فماذا كنت ستختار له عنوانا ولماذا؟ أعتقد أن أنسب عنوان له هو "الدائرة المقفولة" لأننا كلما سرنا إلى الأمام نعود إلى النقطة نفسها التي انطلقنا منها، والجميع في مصر بكل الشرائح والأطياف والهيئات والمسؤوليات تتحمل ذلك بلا شك. هل يمر المثقف المصري بشكل خاص والمواطن البسيط بشكل عام بلحظات ندم على قيام "ثورة 25 جانفي"، خاصة حينما تحدث أيام فوضى أو دم.. وإلى متى هذه المرحلة التي سميتها "الدائرة المقفولة"؟ بالطبع هناك قطاع نادم على قيام الثورة، وهذا القطاع كان موجودا طوال الوقت في مؤيدي مبارك وأنصار النظام القديم، لكن إذا كنت تتحدثين عن شأن من شاركوا في الثورة فعلا وندموا على ذلك، أعتقد أن هذا الشعور ينحصر فيمن التحقوا بالثورة في أيامها التالية على 28 جانفي 2011، لأن من شاركوا في الثورة منذ بدايتها يعلمون أنها ليست حفل زفاف سينتهي ويعود كل المدعوين إلى بيوتهم، بل هي موجات متتالية ومعركة نفس طويل مع النظام القديم المتجذر في أعماق أرض مصر، والذي يحتاج إلى نضالات كثيرة من أجل اجتثاثه، ومن الطبيعي أن تمر البلدان بعد الثورات بإخفاقات ونجاحات ومكاسب وخسائر، لكن للأسف هناك قطاع عريض يستعجل قطف الثمار وغير مستعد لتقديم المزيد من التضحيات. تحدثت في "كتاب فراعنة بلا أهرامات" عن خلط العائلة الحاكمة (آل مبارك) بين السياسة والرياضة، هل عرجت في ذلك على الأزمة المصرية الجزائرية، وحبذا لو تقدم لنا تفاصيل أكثر عن هذا الباب من كتابك؟ كان نظام مبارك يستغل الرياضة للتغطية على فشله، إما في حالات النصر كما كان يحدث بعد الفوز ببطولات الأمم الإفريقية وإرجاع ذلك إلى سياسة مبارك الحكيمة ورعايته للرياضة والرياضيين، أو حتى في حالات الهزيمة كما حدث بعد مباراة مصر والجزائر الشهيرة، حيث حاول نظام الرئيس المخلوع التورية على الهزيمة من ناحية وشغل المصريين بمعركة وهمية مع الجزائر الشقيقة من ناحية أخرى. كان نظام مبارك يراهن على الوقت أكثر من أي شيء، يستغل كل حدث لشغل المصريين به عدة شهور لإطالة بقائه على كرسي الحكم لأطول فترة ممكنة. وفي كتابي "فراعنة بلا أهرامات" تناولت تبعات هذه المباراة بالتفصيل، وقلت إنها لم تكن مباراة في كرة القدم، بل كانت مباراة في السياسة قبل كل شيء، لأن صعود أي الفريقين، مصر أو الجزائر، إلى كأس العالم، سيعني أن ينشغل الشعب المنتصر بكأس العالم واستعدادات فريقه ومبارياته وينسى ولو مؤقتا الفقر والمرض والفساد والأزمات الموجودة في بلده. انقسم الشارع المصري في مباراة فريقه الوطني ضد غانا، بين "إخوان" وأنصار السيسي، حيث اتهم "الإخوان" الحكومة الانتقالية والجيش بإعادة سيناريو ما سميته في كتابك "خلط السياسة بالرياضة"، فكان من المتوقع أن يخرج الفريق الأول كبطل بفوز المنتخب المصري، فما تعليقك على ذلك؟ هي مأساة ومهزلة تكشف إلى أي مدى انقسم الشعب المصري حتى على شيء كان يجتمع عليه طوال الوقت وهو تشجيع المنتخب القومي، ويكفي أن الكاميرات نقلت مصريين من أنصار الإخوان يحملون علامة رابعة العدوية الشهيرة في المدرجات الغانية، وهو وإن كان تصرفا مفهوما من الإخوان، إلا أن مساندة خصم على ممثل بلدك حتى ولو كان الأمر في مباراة كرة القدم لا يمكن توصيفه بكلمة أقل من الخيانة. على الجانب الآخر كان عدد من المشجعين يجهزون صور السيسي لرفعها في مدرجات غانا في حالة تحقيق نتيجة إيجابية، وهذا يؤكد ما قلته في كتابي قبل نحو 3 أعوام، أن الرياضة في الوطن العربي ليست إلا امتدادا للسياسة، ولأن السياسة كما ترين في أسفل سافلين من الطبيعي أن تلحق بها الرياضة فلا يتحقق نصر لا في السياسة ولا في الرياضة. بعيدا عن ذلك، سيكون كتابك حاضرا في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر خلال أيام، ما هو الانطباع المشكل لديك عن هذه التظاهرة بالجزائر، وما هي رمزية مشاركتك به.. ومن من الكتاب الجزائريين تحرص على متابعة أعمالهم الروائية؟ سعادتي كبيرة بمشاركة كتابي في هذا المحفل المهم الذي تعرض فيه آلاف الكتب وشرف لي أن يكون كتابي من بينها، كما أتمني أن ينال الكتاب إعجاب من يقرأه، ويجد فيه تأريخا لمرحلة مهمة أظن أن كثيرا من أحداثها مهدد بالضياع بسبب تتابع الأحداث وكثرة الروايات. أما عن الكتاب الجزائريين الذين أحرص على متابعتهم، فبالطبع أحرص على قراءة كل أعمال الروائي العظيم الراحل الطاهر وطار، وكذلك الروائي رشيد بوجدرة والروائي الشاب سمير قسيمي.