قبل 11 سنة بالتمام والكمال، مر من بومرداس ضيف كان ثقيل جدا وإن لم تتجاوز مدة إقامته 10 ثوان، حيث ترك وراءه 1391 وفاة و3444 جريح، ناهيك عن تضرر 96304 بناية منها 7637 تهدمت بشكل شبه كامل ... هذا الزائر كان "زلزال 21 ماي 2003". اليوم وبعد مرور 11 سنة تحاول البلاد الغوص في موضوع جد شائك يعتبر آخر ما بقى من مخلفات الزلزال وهو "الشاليهات"، هذا الكابوس الذي يهدد حياة قاطنيه ويؤرق المسؤولين بعد أن تحول من حل مؤقت لمنكوبي الزلزال إلى مشكل عويص وحالة اجتماعية مزرية جعلت الحكومة تدرجه ضمن أولوياتها في بومرداس، حتى تصبح هذه الولاية كما هو مدون في مدخلها "فضاء المستقبل ومدينة الفكر والإبداع" فهل سيتحقق هذا وصخرة "الشاليهات" تقف وسط الطريق؟ 97.5 بالمائة من المنكوبين تحول شاليهاتهم لسكنات اجتماعية مباشرة بعد زلزال 2003، قامت المصالح المختصة بنصب آلاف الخيم للتكفل بالعائلات المتضررة، كما تم فتح ورشات للترميم والهدم وإعادة البناء لتجاوز الحصيلة التي خلفها الزلزال، بعدها تم تنصيب 14 ألف و786 شاليه في 97 موقعا عبر تراب ولاية بومرداس من أجل التكفل ب 7637 عائلة تهدمت سكانتها بشكل كامل، ناهيك عن عدد من العائلات التي تحتاج سكناتهم لترميم وهي المصنفة في خانة برتقالي 3 وبرتقالي 4 على وجه الخصوص. بعدها تم تخصيص حصة سكنية ب8000 وحدة لإعادة إسكان المنكوبين، وهو ما تم فعلا بنسبة 97.5 بالمائة كما صرح به مدير ديوان الترقية والتسيير العقاري، فيما بقي قرابة 180 عائلة في بن شود وبغلية تنتظر بناء سكناتها في نفس البلديتين بعد رفض قاطنيها تغيير الإقامة. ونظرا إلى كون ولاية بومرداس تعاني أزمة اجتماعية حادة في السكن، فقد تم تحويل الشاليهات إلى مراكز عبور لمن لا يملك سكنا في انتظار استفادته من سكن اجتماعي، وبالتالي تحولت السكنات المؤقتة للمنكوبين إلى حل مؤقت لفئة أخرى لعل مقامها سيطول بل قد طال وتجاوز مدة صلاحية هذه الشاليهات. الخبراء يدقون ناقوس الخطر: "الشاليهات انتهت صلاحيتها" يرى الخبراء والمهتمون بمجال البناء، أن مدة صلاحية الشاليهات لا ينبغي أن تتجاوز في أقصى تقدير 10 سنوات، لكن الملاحظ أنها تجاوزت هذه المدة في بومرداس ولا أمل في إزالتها في القريب. وفي هذا السياق، أكد السيد حجراس عمر مهندس مدني ورئيس النقابة الوطنية للمهندسين المدنيين المعتمدين أن الشاليهات تنتهي مدة صلاحيتها في حال اعتنينا بها في غضون 10 سنوات، في حين قد لا تتجاوز الصلاحية 5 سنوات إذا لم يتم الاهتمام بها وهي الحالة التي تتواجد فيها أغلب السكنات الجاهزة المنصبة ببومرداس. ودق المتحدث ناقوس الخطر نتيجة الأخطار التي تهدد نزلاء الشاليهات سواء خطر التكهرب كونها مصنوعة بالحديد، كما أنها غير محمية من الحرارة والرطوبة. ويضاف لها غياب ثقافة التعامل مع مثل هذه الأخطار من طرف المواطنين، حيث يستعملون المدفئات والأفران الكهربائية، ناهيك عن الربط العشوائي للخيوط الكهربائية. ويختم السيد حجراس بالقول "هذه سكنات مؤقتة وليست دائمة"، لذا يجب إزالتها في أقرب وقت ممكن كونها تهدد حياة قاطنيها. السكان بين فكي المرض والآفات الاجتماعية والمواقع غير المحمية تشير الإحصائيات إلى أن سكان الشاليهات يمثلون ما بين 6 إلى 8 بالمائة من ساكنة ولاية بومرداس، لكن الكارثة أن هؤلاء يمثلون 40 بالمائة من مرضى الولاية، وهو ما يعني أن مواقع الشاليهات باتت بؤرا لانتشار الأمراض. وفي هذا السياق، أكد لنا يعقوب بوقريط رئيس جمعية الترقية والإدماج الاجتماعي لأحياء السكنات الجاهزة ببومرداس أنهم طالبوا بلجنة طبية لمعاينة الحالة الصحية لقاطني هذه السكنات بعد مرور 10 سنوات على تنصيبها، حيث أشار إلى أن قرابة النصف من قاطنيها يعانون من مختلف الأمراض، وتزداد هذه النسبة لدى فئة الأطفال والنساء لأنهم الأكثر مكوثا داخل الشاليهات. وعن أسباب هذه الأمراض، يشير المتحدث إلى أن مدة الصلاحية قد انتهت في عدد من الشاليهات، كما أن عدة مواقع توجد في أماكن غير محمية فهي عرضة للرطوبة العالية كما هو الشأن في موقع تاقدمت بدلس، وصابليار ببومرداس وكذا الصغيرات ببلدية الثنية فهذه كلها مواقع لا تبعد سوى بأمتار عن شاطئ البحر. كما يتربص بالسكان مشكل آخر وهو انتشار مختلف الآفات الاجتماعية في هذه المواقع مما جعلها أقرب ل"مواقع للسكن القصديري المنظم والمرخص له من طرف السلطات المعنية"، حيث باتت تنتشر فيها عدة محلات تجارية فوضوية في ظاهرها تستخدم لبيع ضروريات الحياة لكن قد يختفي فيها تجار المخدرات والخمور وحتى مروجو الدعارة والشذوذ الجنسي. من جهة أخرى، تتواجد عدد من المواقع في حالة كارثية نتيجة غياب الدراسات أثناء تنصيبها واختيار الأرضيات، حيث بات خطر الانزلاق يهدد عددا من السكان كما هو الشأن في تاقدمت بدلس، حيث لا يبعد الموقع إلا بحوالي 15 إلى 20 مترا عن شاطئ البحر، ويعيش سكانه معاناة لا تتصور نتيجة تقدم أمواج البحر وانهيار التربة الرملية، وهو وضع جعل بعض العائلات تفضل الهروب وترك شاليهاتها. كما أن موقع "بي سي آر" ببرج منايل يعاني كذلك من انزلاقات التربة مما يخوف سكانه من أن ينهار بمجرد نزول قطرات من المطر. نفس المعاناة تقريبا يشهدها موقع 116 شاليها على طريق الخروبة بودواو، الذي يتحول كل شتاء إلى بركة كبيرة من الماء نتيجة فيضان الوادي. هل سينتهي المسلسل بعد 10 سنوات؟ اليوم تمر 11 سنة على زلزال بومرداس وحوالي 10 سنوات على تنصيب الشاليهات، حيث تحول الحل المؤقت إلى مشكل عويص نتيجته قرابة 14 ألف عائلة تنتظر الترحيل، وحوالي 650 هكتار من الأراضي التي يمكن استغلالها في الفلاحة والتوسع السياحي. وهو التحدي الذي عجز عن حله ثلاثة ولاة مروا على بومرداس منذ 2003، لأن المشكل بلغ حدا يجب معه تدخل أعلى المستويات، وفي هذا السياق استفادت بومرداس من 4000 وحدة سكنية، أضاف لها الوزير الأول يوم 26 فيفري عند زيارته لبومرداس 8000 وحدة أخرى ليصل العدد إلى 12 ألف وحدة سكنية ستوجه لإعادة إسكان قاطني الشاليهات. كما تم تنصيب لجنتين الأولى تقنية للوقوف على حالة الشاليهات، والثانية إحصائية هدفها الإطلاع على الحالات الاجتماعية للسكان. كما أن هناك برنامج خاص لإزالة جميع الشاليهات بعد بناء الوحدات السكنية السالفة الذكر، حيث كل شاليه يفرغ يهدم أمام أعين قاطنه السابق ويرحل هذا الأخير للسكن الذي استفاد منه.