انعدام التنمية وراء نزوح الجواجلة إلى العاصمة تقع ولاية جيجل شرق الجزائر وهي إقليم ساحلي، يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب ولاية ميلة وولاية سطيف، ومن الشرق ولاية سكيكدة ومن الغرب ولاية بجاية، شريطها الساحلي يمتد على طول 120 كم من شاطئ وادي زهور ولاية سكيكدة شرقا إلى الشاطئ الأحمر ببلدية زيامة منصورية غربا. سطح الولاية جبلي بنسبة 82 % يتخلله سهل بمحاذاة البحر لاسيما ببلديات الأمير عبد القادر، القنار وسيدي عبد العزيز. والباقي جبال وعرة ذات غطاء نباتي كثيف يتكون أساسا من أشجار البلوط والأرز. ولاية جيجل بموقعها وإمكانياتها المختلفة مؤهلة لأن تكون قطبا عالميا في كثير من المجالات الاقتصادية السياحية والفلاحية والتجارية... لكن الحقيقة أنها مجالا هامشيا بامتياز لطبيعتها الطوبوغرافية المحفزة للعزلة والتهميش المجالي والاجتماعي من منظور المصاعب الطبيعية المطروحة وتراجع إمكانياتها وهشاشتها، وهوكلام ينطبق على معظم بلديات ولاية جيجل؛ فمن بلدية غبالة شرقا حتى زيامة منصورية غربا ستجد العزلة واللاتنمية والفقر والتهميش... هي الصفات الغالبة على أكثر من 80 % من مساحة جيجل. أكثر من 80 % من مساحة جيجل مجال فقير ومهمش يكون المجال فقيرا نتيجة نقص في الإمكانيات والوسائل، ويكون هذا النقص ناتجا أيضا عن فقر طبيعي (إمكانيات طبيعية قاسية ومحدودة)، أي الخصائص الطبيعية للمجال (الموقع الطبوغرافيا الانحدار...الخ) التي قد تكون صعبة ومعقدة، وهذا ما يؤدي إلى تهميش المجال، كما أنه في أحيان كثيرة تعتبر هذه العوامل الطبيعية سببا مباشرا في طرد متواصل للسكان، وقد تؤدي إلى تفريغ كامل لبعضها. وهذا الكلام ينطبق على جل بلديات الولاية. فما عدا البلديات التي تتخللها سهول وهي تعد على الأصابع فالبقية بلديات مجالات فقيرة ومهمشة سوف نحاول إعطاء عينة من هذه البلديات ذات المجال الفقير والمهمش والتي تشكل نماذج فقط: بلديات غبالة وسطارة وأولاد رابح سيدي معروف نماذج من البلديات ذات المجال الفقير المهمش من أقصى شرق جيجل، أما بلديات بوراوي أولاد عسكر وسط ولاية جيجل، وبلديات زيامة منصورية وسلمى بن زيادة من غربها: تمتاز جل هذه البلديات بالتهميش والفقر المدقع في أغلبية جغرافيتها؛ فالزائر لهذه البلديات سيجد تنمية شبه منعدمة، ليس التنمية بمفهومها الواسع بل في أبسط مفاهيمها، ما عدا بعض الاستثناءات البسيطة، والتي لا تعدوأن تكون "مقاومة للمجال الفقير المهمش طبيعيا" ؛ مثل بلدية غبالة وهي أبعد نقطة عن عاصمة الولاية أين تجدها معزولة ومهمشة بحكم جغرافيتها، وطاردة للسكان ؛ فمعظم سكانها يقطنون ويستثمرون في قسنطينة وولايات أخرى بحكم القرب الجغرافي، إلا أنهم ما زالوا متعلقين بالأرض. وقد أدت سياسات التي شجعها المير السابق والتي دامت عهدتين للعودة إلى الأرض من خلال فك العزلة وتهيئة الطريق المؤدي إلى قسنطينة على مسلك "بونعجة"، بالإضافة إلى تشجيعه للسكن الريفي، وربط البلدية بغاز المدينة... . الخ، إلى رجوع المئات من السكان المهاجرين إلى أراضيهم، وقد وصلت في كثير من الحالات أن شابا 18 سنة يملك بيتا... كل هذه السياسات "المقاومة للمجال الفقير المهمش طبيعيا" سوف تنقص من عزلة وفقر وتهميش هذه المجالات. وغير بعيدة عنها نجد بلدية سطارة عاصمة الدائرة ذات الجغرافيا الأحسن مقارنة بغبالة، لم يتمكن مسؤولوها من تجاوز العقدة الجغرافية وإحداث ميكانيزمات "مُقاومة للمجال الفقير المهمش طبيعيا" ؛ ففي سطارة مركز تجد تهيئة بسيطة لا تغطي كل الأحياء، فستلاحظ طرقا دون تهيئة إطلاقا كما هو شأن الطريق المؤدي إلى العمارات المجاورة للأمن الوطني، وكذا حي التجزئة المجاور لإكمالية مبارك الميلي، الذي تنعدم فيه التهيئة إطلاقا. وأما الأحياء الأخرى على غرار بوشارف وبرج علي وأقوف والزرقة... . فحدث ولا حرج، لا تهيئة لا غاز... . وكل مظاهر المجال الفقير والمهمش ستجدها في هذه الأحياء. وإذا كان سكان هذه الأحياء يعانون من العزلة الطبيعية، فإنها تكون مضاعفة بسبب أن مسؤولي سطارة ليست لديهم إرادة "مُقاومة المجال الفقير المهمش طبيعيا" بل الأدهى والأمر ستجدهم يكرسون بعض الممارسات للفقر والتهميش، ففي أقوف مثلا وهي موطن للعلماء وإطارات عليا من أساتذة وصحفيين وأطباء ستجد أن مسؤولي بلدية سطارة يتعاملون مع الإقليم بالعقدة السالفة الذكر، وبحكم اعتبارات ضيقة أبقوا عليه مجالا مهمشا طبيعيا وما زالت تلك الذهنيات تغطي المشهد اليومي لهذا الحي والأحياء الأخرى... فكيف ببلدية لم تتمكن من حل مشاكل بسيطة في التنمية أن تصنع التنمية. فالعزلة عزلتان عزلة الجغرافيا وعزلة بسبب هذه الذهنيات، وهنا ستجد معظم شباب وإطارات أقوف يهجرون هذه المناطق بحثا عن ملاذات تغطي احتياجاتهم وتجنبهم العزلتين. أما بلدية سيدي معروف فحالها غير بعيد عن سطارة حيث لا تتعدى التنمية بمفهومها الضيق مركز البلدية والدائرة وحي غزالة، أما الأحياء الأخرى فهي خارج مجال التغطية على غرار بني حي والعقبية وشكريدة و.... التي لم تتمكن السلطات المحلية بسيدي معروف من فك عزلتها، فحتى الطرق التي شيدت في فترات سابقة اهترأت أما الأمور الأخرى فهي ضرب من الأحلام. أما بلديتي أولاد عسكر وبوراوي بلهادف فحالهما لا يختلف عن سابقاتها؛ فالتنمية تكاد تنعدم بسبب العزلة الجغرافية، قطبيعة هذه المناطق الوعرة والغابية التي تجعل من هذه البلديات مجالات فقيرة مهمشة وطاردة لسكانها بامتياز. والذي يزيد من هذه البلديات الطاردة لسكانها وإطاراتها عزلة هو سوء التسيير بسبب وصول منتخبين محليين بمستويات محدودة ولأن الدشرة والمشتة... هي التنظيم الاجتماعي المتحكم في الموضوع فقد زاد الطين بلة. ولا يختلف هذا الكلام عن بلدبة سلمى بن زيادة فهي مجال فقير ومهمش طبيعيا، أدت العزلة والظروف الأمنية السابقة إلى نزوح معظم سكانها هروبا من نار العزلة ونار الإرهاب، وقد بدأت الحياة تعود تدريجيا إليها بسبب استتباب الأمن من جهة وسياسة المنتخبين المحليين التي أعطت دعما كبيرا للمواطنين للرجوع إلى أراضيهم عن طريق البناء الريفي وشق بعض الطرقات وتعبيدها. وهي عمليات أتت بثمارها بشكل ملحوظ. أما زيامة منصورية فهي بلدية زاوجت بين الزرقة والاخضرار، زرقة البحر واخضرار الغابات في ديكور كونيشي روعة في إبداع الخالق، لكن هذا لم يعفها من أن تصنف ضمن المجال الفقير المهمش طبيعيا، وحتى عاصمة البلدية سوف تجد تنمية بسيطة رغم توافد السياح للتصييف بها، فهي بلدية محاذية لبجاية، تأتيها التدفقات السياحية من غرب جيجل من سطيف والعاصمة وولايات أخرى إلا أنها مجال مهمش وفقير. فالزائر مثلا لمنطقة الشريعة غير البعيدة عن الكهوف العجيبة سيجد أهلها يقاومون العزلة والفقر والتهميش... ومتشبثين بالأرض. كل هذه البلديات وغيرها تعيش مجالات فقيرة مهمشة طبيعية طاردة لسكانها، تنتظر من يعطيعا دفعات تنقص من حجم المعاناة الطبيعية. انعدام التنمية يؤدي إلى نزوح الجواجلة نحو العاصمة الأسباب التي ذكرناها آنفا كانت وراء طرد جيجل لسكانها إلى العاصمة والولايات الأخرى، لدرجة أن معظم مطاعم مقاهي ومخبزات العاصمة، وكثير من الولايات الأخرى تجدهم شبابا من جيجل؛ لم يجدوا عملا ولا لقمة العيش بولايتهم فكانت العاصمة والولايات الأخرى ملاذهم الوحيد لأن المجال الجيجلي مجال طارد لسكانه بحكم الاعتبارات التي ذكرناها. وفي المقابل ستجد بلديات بإمكانيات ومشاريع حيوية تستطيع أن تكون أقطابا تنموية وطنية بأبعاد دولية وعالمية ميناء جن جن... أبعاد وطنية إفريقية متوسطية وشرق أوسطية تحتوي جيجل على واجهة بحرية تمتد على مسافة 120 كلم في الشمال الشرقي للبلاد وتتوسط ثلاثة أقطاب اقتصادية هامة قسنطينة، سكيكدةوسطيف على بعد 30 دقيقة جوا من العاصمة على مدى 60 دقيقة جوا من دول جنوب حوض البحر المتوسط (نابل، مرسيليا، برشلونة) مخرج مينائي مفضل لإقليم الهضاب العليا الشرقية للبلاد ولبعض الدول الإفريقية، والمتوسطية والشرق أوسطية، وقد دعم هذا الهيكل الاستراتيجي إعطاء وزير النقل الشهر الماضي إشارة انطلاق لمشروع نهائي الحاويات الذي سيعطي ميناء جن جن بعدا عالميا بامتياز، خاصة أن ميناء جن جن مربوط بشبكة هامة من المنشآت القاعدية الكبيرة والمتكاملة كشبكة الطرق التي تسمح بتيسير الفعل الاقتصادي والتجاري بالولاية، وتساهم في هيكلة وتنظيم مجال الولاية وتدعيم تنميتها الاقتصادية (طرق وطنية: 227,8 كلم، طرق ولائية: 378 كلم، طرق بلدية: 932,3 كلم). محور الطريق الوطني 43 /27 الذي يقطع الولاية من الغرب إلى الشرق ويربطها بالأقطاب الاقتصادية لقسنطينة، سكيكدةوبجاية. محور الطريق الوطني 77 (في طريق التهيئة) الرابط بين جيجلوسطيف والذي يعتبر منفذا هاما شمال جنوب إذ يسمح بربط المنشآت الاقتصادية الهامة الموجودة لا سيما ميناء جن جن بالمراكز الحضرية لإقليم الهضاب العليا الشرقية والجنوبية. بالاضافة إلى خط السكة الحديدية الذي يربط جيجل بشبكة السكك الحديدية الوطنية والموصول مباشرة بميناء جن جن ومحطة الفرز، تسع محطات موجودة على طول هذا الخط، محطة جيجل، محطة الفرز ببازول بإمكانها معالجة 12.000.000 طن من البضائع في السنة.. محطة العنصر، محطة الميلية، محطة نقل المسافرين بسيدي عبد العزيز. محطة التقاطع بسطارة. أهم الخطوط. نقل المسافرين: جيجلقسنطينةوجيجلسكيكدة. البضائع: سكيكدة بازول وبازول قسنطينةبرج بوعريريج توقرت ميناء جن جن (4.500.000 طن/ سنة) يستجيب لكل التقنيات الجديدة في مجال النقل البحري، يحتوي على أرضية يصل عمقها إلى 18,20 م، موصول مع أهم محاور الاتصالات لا سيما المنفذ شمال جنوبجيجلسطيف وخط السكة الحديدية مما يجعله المحور المفضل للنقل الأوروإفريقي ويؤهل الولاية لتلعب دورا هاما في التبادلات القارية مطار فرحات عباس الواقع بالقرب من المنطقة الصناعية وميناء جن جن في أوج توسعه ليمنح جميع التسهيلات لضمان نقل جوي سريع وناجع، يسمح بتدعيم التنمية والإدماج الاقتصادي والمجالي للولاية. منطقة بلارة بالميلية... البديل الاقتصادي تتربع منطقة بلارة بالميلية شرق جيجل على مساحة 523 هكتارا ضاعت هذه المساحة الشاسعة بين فكرة مشروع وآخر، فمنذ الاستقلال توالت أفكار إقامة مشاريع ضخمة، استقرت في تسعينيات القرن الماضي بإقامة أول وأكبر منطقة حرة بالجزائر بها. وقد باشرت الدولة المشروع بوضع سور يحيط بمساحتها وبناء كل المرافق الضرورية للمناطق الصناعية من مركز الشرطة والجمارك والحماية المدنية، بالإضافة إلى ربط المنطقة بالسكة الحديدية... لكن بقيت اليوم كآثار فقط شاهدة على نية إقامة مشروع منطقة حرة، لتتوالى بعدها فكرة إقامة مشروع للحديد والصلب يجسده متعامل اقتصادي، ولكن ما لبث أن ذهب أدراج الرياح، لتأتي بعدها فكرة تجسيد مشروع مصنع رونو للسيارات، وكالعادة ينتهي المشروع من حيث انطلق. حاليا بدأت رسميا أشغال تجسيد محطة توليد الطاقة الكهربائية تصل طاقتها الإنتاجية إلى 1200 ميغاواط، "أي ضعف محطة توليد الكهرباء بالأشواط"، يتم إنشاؤها على مساحة إجمالية تقدر ب40 هكتارا داخل المنطقة الصناعية، ويفترض أن تكون بادرة خير لانطلاق استغلال المساحة المتبقية في مشاريع كبرى تسهم في دفع عجلة التنمية بالولاية في جميع مجالاتها.