بدأت ملامح الدستور القادم في الظهور، بعد أن استقبل وزير الدولة مدير الديوان برئاسة الجمهورية أحمد أويحيى، العديد من الأحزاب السياسية الفاعلة في الميدان، بالإضافة إلى عدد معتبر من الشخصيات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني. ويرى أغلب المراقبين للساحة السياسية، وخاصة مشاورات تعديل الدستور التي يديرها أحمد أويحيى، أن ملامح الدستور "التوافقي" القادم بدأت بالظهور، حيث وقع شبه إجماع بين الطبقة السياسية، على التوجه نحو النظام شبه الرئاسي، وترقية الأمازيغية كلغة رسمية، وتبني نظام الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني، فيما تبقى بعض القضايا غير واضحة لدى الطبقة السياسية وهي نائب الرئيس في الدستور القادم، والمحكمة الدستورية عوض المجلس الدستوري الحالي. ويبدو أن الطبقة السياسية التي استشارها مدير الديوان برئاسة الجزائر، أحمد أويحيى، أجمعت على عدد من النقاط الواجب تبنيها في الدستور "التوافقي" القادم، من بينها النظام شبه الرئاسي، وهو المقترح الذي طرحه كل من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر، وحزب جبهة التحرير الوطني، وهو الثلاثي الذي يمثل شبه تحالف رئاسي، كما أجمعت هذه الأحزاب بالإضافة إلى الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، على ضرورة وأهمية تبني تكليف وزير أول يتمخض عن التشكيلات السياسية التي تحظى بالأغلبية في غرفتي البرلمان لرئاسة الحكومة، حيث أكد الأمين العام للتجمع، عبد القادر بن صالح، أن التجمع يحبذ نظاما شبه رئاسي "يكلف من خلاله وزير أول ينتمي إلى التشكيلات السياسية التي تحظى بالأغلبية في غرفتي البرلمان برئاسة الهيئة التنفيذية"، وحسب -تاج- يمكن لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا أو عدة نواب لرئيس الحكومة وهذا قد يكون لازما عندما لا يتحصل أي حزب على الأغلبية البرلمانية، فيكون هناك ائتلاف حكومي يجب أن يتعايش فيه الجميع، بمعنى يمكن لعدة أحزاب من البرلمان تشكيل تحالف يسمح بالحصول على الأغلبية. وحسب "تاج"، فإن تعيين رئيس حكومة من الأغلبية البرلمانية يجعله مسؤولا أمام البرلمان والشعب والرئيس بتقديم حصيلته. وطالب أغلب من حل ضيفا على أويحيى في قصر المرادية، بضرورة المحافظة على الثوابت والهوية الوطنية، والعمل على ترقيتها، وفي السياق، يطالب حزبي العمال وتجمع أمل الجزائر، بترقية الأمازيغية إلى لغة رسمية ثانية إلى جانب اللغة العربية. كما أبدت الحركة الشعبية، وزعيمها عمارة بن يونس، رغبتها في تبني النظام شبه الرئاسي باعتباره -كما قال أمينها العام- "النظام الملائم للجزائر"، بالإضافة إلى الإبقاء على مجلس الأمة بغية "تفادي بعض الانزلاقات السياسية". وكما قدمت الحركة مقترحها الرامي إلى دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية، وأيضا تكريس الحريات الفردية والجماعية، وكذا "إثبات" المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة. وقد تمخضت مشاورات تعديل الدستور، على ضرورة فتح حوار مع مكونات المجتمع المدني وتوسيع دور البرلمان وتمكينه من حقه في الرقابة وفي المبادرة التشريعية، إضافة إلى تحديد دور البرلماني على المستوى المحلي، وجاء في مجمل المقترحات المقدمة من طرف بعض الأحزاب إدخال تعديل جوهري على الدستور، باستبدال المجلس الدستوري بمحكمة دستورية تكلف ب"احترام الدستور وتفسيره والفصل في الإخطارات المتعلقة برقابة المطابقة والرقابة الدستورية وبانتخاب رئيس الجمهورية والفصل في تنازع الاختصاص بين الحكومة وغرفتي البرلمان"، كما لم يختلف أحد على ضرورة تجسيد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث وتعزيز استقلالية القضاء على وجه الخصوص من خلال النص صراحة على استقلالية السلطة القضائية وذلك بتكريس أغلبية الثلثين لقضاة الحكم في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء. من جهة أخرى، اقترحت بعض أحزاب المعارضة، على غرار كل من جبهة التغيير، وجبهة القوى الاشتراكية، حول كيفية تنفيذ وصياغة الدستور الجديد، عقد ندوة وطنية جامعة علنية دون إقصاء أي حزب أو طرف وتقديم حصيلة المشاورات، ثم صياغة وثيقة جديدة تضمن مقترحات الأطراف المستشارة وتضم كل الشخصيات والأطراف التي شاركت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في المشاورات، من خلال تقديم مقترحات عبر العديد من القنوات والمنابر من المعارضة أو الموالاة، لتحقيق الإجماع حول الدستور الجديد، الذي يجب أن يكون استشرافيا ويستجيب لتطلعات الأجيال الصاعدة.