للأجواء الرمضانية في بلادنا طعم خاص، فهي تجمع بين العبادة والترفيه، فتختلف عادات وتقاليد الأسر الجزائرية في هذا الشهر الفضيل من منطقة إلى أخرى، فنلمس هذا الاختلاف الواسع بين سكان الشرق والغرب على غرار سكان العاصمة والجنوب، ويحظى هذا الشهر لدى مختلف فئات المجتمع بقداسة خاصة ويعتبر فرصة نادرة لاجتماع الأسرة الجزائرية حول مائدة واحدة عند الإفطار، والتي تتميز بتنوع وكثرة الأطباق التي تعرضها ربات البيوت بمختلف ولايات الوطن على مائدتها الرمضانية، حيث تنفرد كل ولاية بعادات وتقاليد خاصة بها، ويحاول الجميع من خلالها الحفاظ على خصوصية هذه المناسبة الدينية المميزة. هكذا تقضي عائلات الشرق الجزائري رمضان تغمر ولايات الشرق الجزائري أجواء رمضانية متميزة، حيث يمثل هذا الشهر الكريم بأيامه ولياليه للعائلات الشرقية، فرصة سانحة للتضامن والتراحم فيما بينهم، حيث تجتمع كل الأسر حول مائدة إفطار واحدة مليئة بالأكلات والأطباق التقليدية المتنوعة في محاولة لمد أواصر التسامح وجسور الأخوة. وجرت العادة على أن تكون مائدة العائلات الشرقية في شهر رمضان متنوعة بالأكلات التي تميزها ربما عن المناطق الأخرى، بحضور "الشوربة" و"الحريرة"، والشيء المميز في هذه الشربة أن ربات البيوت يقمن مسبقا بتحضير "الفريك" وطحنه وتحضير "المسلي" هذه الأكلة التقليدية التي هي عبارة عن لحم طري مرقد يطهى مع البصل، وذلك لإعداد طبق الحلة أو ما يعرف بالحريرة، و"البوراك" المعروف بالمسلوقة هو الآخر لا يغيب عن مائدة رمضان، بالإضافة إلى الجاري، و"الكفتة" وطبق الملوخية وخبز البيت بكل أنواعه "المطلوع والخساس والفطير" فكل عائلة تطبخ حسب ذوقها. وتشتهر أيضا بالتوابل بكل أنواعها، لذلك تهرع النساء إلى تحضير أجود أنواع التوابل وأفضلها من كروية وكمون وفلفل أكحل ولفاح، الذي يعرف برأس الحانوت في مناطق الوسط الجزائري، وذلك لاستقبال الضيف العزيز علينا بنكهة خاصة، كما يعد تحضير مرقة حلوة أو ما يعرف "بطاجين الحلو" شرطا أساسيا في أول يوم من شهر رمضان، وذلك راجع للاعتقاد السائد بأن رمضان سيمر حلوا مثل حلاوة هذا الطبق، ومن العادات القديمة التي تعودت عليها عائلات شرق البلاد في السحور، تحضير "المسفوف" الذي يمثل الطبق المفضل لديهم. ومباشرة بعد الانتهاء من الفطور تتوجه العائلات التي لا تزال محافظة على دينها، مباشرة إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، ومنهم من لا يفوت فرصة المشاركة في مسابقات حفظ القرآن، وبعد الانتهاء تتبادل العائلات الزيارات وتتجاذب أطراف الحديث، في أجواء حميمية يطبعها وجود موائد مميزة بالحلويات التقليدية مثل المقروط والقراقش وكذا الفلان والشاي، وهناك حلويات لا يجب أن تغيب عن مائدة السهرة مثل الزلابية، في حين يفضل البعض منهم خاصة الشباب قضاء سهراتهم في المقاهي. الغرب الجزائري...وجبة إفطار العائلات الوهرانية على شواطئ البحر تتميز وهران وولايات الغرب بعادات خاصة تميزها عن الولايات الأخرى، حيث تحرص العائلات على الاستمتاع بعطلتها الصيفية في سهرات رمضان، حيث تتلألأ الأضواء بالشوارع، ومن ضمن العادات الغريبة بتلك المنطقة هو أن بعض العائلات الوهرانية تحرص على وضع موائدها الرمضانية على شواطئ البحر مع إشعال الشموع. كشفت لنا إحدى ربات البيوت الوهرانيات عن أهم الأطباق الرمضانية التي تتميز بها منطقتها ومن بينها "الحريرة" التي تصنع من أنواع كثيرة من التوابل كالكروية والتوابل الحارة، إضافة إلى الدقيق والخميرة كما يستبدل الفريك بالدشيشة وهي عبارة عن شعير أو قمح مطحون. وتحرص العائلات على تجفيف التوابل المتنوعة عند بداية شهر شعبان لتطحن بعد ذلك وتكون جاهزة باقتراب رمضان، كما تحضر النساء أحد الأطباق السهلة التي تتناسب مع وضعية المرأة العاملة وتتمثل في طاجين الزيتون المكّون من اللحم أو الدجاج والزيتون بالمرق الأحمر. أما في السهرة فتحرص العائلات الغربية على تحضير طبق "المعقودة" و"الڤريوش" المحضر بالمنازل، إضافة إلى البقلاوة المصنوعة من أنواع مختلفة من المكسرات. الدوبارة البسكرية والمرشومة على رأس أطباق الجنوب أما الجنوب الجزائري الذي يتميز بطابع خاص في إحياء شهر رمضان، حيث يقوم الرجال بنحر الجمال لتحضير النسوة جميع أطباقها بلحوم الناقة، ومن بين الأطباق المشهورة بولايات الجنوب "الدوبارة البسكرية" بتوابل رأس الحانوت المشهورة بتلك المنطقة، إضافة إلى الشوربة الحمراء التي يضاف إليها دبس التمر ليضفي عليها نكهة تكسر حموضة الطماطم. ومن عادات سكان الجنوب تناول وجبة العشاء بعد صلاة التراويح مباشرة، فالكسكسي المعد بالقديد هو الطبق الرئيس لعائلات الجنوب، أما الشاي المحضر على الجمر فيكون سيد السهرة التي لا تحل إلا بالأهازيج النابعة من أصالة وثقافة هذا المجتمع التي يرددها الرجال والسيدات الترقيات، كما يحضر أيضا في هذه السهرات العائلية الرمضانية تلاوة القرآن الكريم أو الاستماع إلى نوع من المديح يدعى "الخوميسة" وهو عبارة عن طبع من الغناء التقليدي الذي يردد بدون استعمال آلات الطرب، وهي فرصة أيضا لتبادل الزيارات بين العائلات والأقارب والأصحاب. كما يحرص سكان مناطق الجنوب على كسر الإفطار بتمور متنوعة وكأس لبن الناقة، وفي سهرة رمضان يتفنن الرجال بإعداد الشاي الأخضر بالمكسرات في خيم الصحراء وحفظ القرآن كما يوزع جزء من اللحوم على العائلات المعوزة ويساعد الأطفال في جمع التبرعات بطرق أبواب الأثرياء لمساعدة الفقراء في شراء مستلزمات رمضان، حيث جرت العادة أن يتجول هؤلاء مرتدين العباءات البيضاء مرددين عبارات ومدائح دينية في أغانيهم وهم يطرقون الطبول. وزيارة الزوايا وترتيل القرآن احتفالا بقدوم رمضان كما تحرص العائلات على تنظيم ولائم لجمع ولمّ شمل الأقارب والجيران في يوم خاص من كل أسبوع برمضان، ليبقى شهر رمضان الكريم يحمل مميزات خاصة بعيدة عن شهوات البطون تتمثل في تعليم كيفية الصبر من خلال الصوم، إضافة إلى ربط المودّة والرحمة بين الأقارب والجيران والتكافل والتضامن من خلال مساعدة الغير، لتكون الحكمة الربانية من قدوم هذا الشهر الفضيل هو منح الفرص للتكفير عن الذنوب والتخلص من كل عادة اجتماعية سيئة وليس التوقف عن تناول الطعام فقط. شوربة فريك والسفيرية زينة أطباق العاصميين..."البوقالة" حاضرة في القعدات النسوية أما العائلات العاصمية فتختص بعادات خاصة في هذا الشهر الفضيل، التي تضفي نكهة خاصة عليه، إلا أن الحياة العصرية أدت إلى زوال البعض منها، ومقابل ذلك لا تزال بعض العائلات تحافظ على تراث وعادات الأجداد في شهر الصيام. حيث تحرص عائلات القصبة العتيقة على تزيين منزلها بورود الفل والياسمين وإصيص النباتات المختلفة الأشكال والأنواع، والتي تقوم بشرائها خصيصا لشهر رمضان المعظم لتضفي جمالا على بيوت القصبة، كما لا يستطيعون الاستغناء عن نبات مسك الليل بمنازلهم، كما تقوم بتطييب منازلها بالعنبر والبخور في هذا الشهر وتتنافس النسوة في تحضير أشهى الأطباق الرمضانية كطبق السفيرية والشوربة البيضاء بالدجاج أو الحمراء بالفريك والبوراك. تقول إحدى ربات البيوت بأن الأسر القصبية لا تستطيع الاستغناء عن طبق سكران طايح في الدروج، وعن الديول مؤكدة أن نساء القصبة يقمن بتحضير عجينتها بمنازلهن، كما يقمن بتحضير خبز المطلوع أو الشعير بأفرانهم التقليدية، إضافة إلى صناعة الحلويات على غرار "الصامصة باللوز، المحنشة، القطايف، قلب اللوز"، حيث ينقل الرجال أو الأبناء صينيات الحلويات للمخابز لتكون جاهزة لتناولها في سهرات رمضان مع الشاي الأخضر والنعناع. كما تعمد العائلات العاصمية على توزيع بعض الوجبات التي تحضرها النسوة على الأسر وتذويقهم إياها بالتناوب بالاتفاق بين ربات البيوت، كما تجتمع النسوة في سهرة رمضان لتبادل البوقالات الشعبية والأمثال التي تشعر النسوة من خلالها بالتسلية والمدح بالكلام المعسول الذي يخرج من أفواههن تلقيها على جاراتها، حيث يشعرن بالحظ السعيد والفأل الجيد. وفي نهاية حديثها، تعمد النسوة إلى الأواني النحاسية التي لازلن يحرصن على إعادة تلميعها وصيانتها عند المحل المختص قبل قدوم رمضان، حيث لا يستطعن الاستغناء عنها عند تقديم بعض الأطباق الرمضانية. وتسمى السهرات في العاصمة في شهر رمضان بالقعدة ولها نكهة مميزة والتي تعود كل عام وسط النسوة في سهراتهن فوق أسطح القصبة العتيقة أو في وسط دويرتها ومنازلهها وأفنيتها، فتجتمع النسوة في البيوت حول أطباق البقلاوة وقلب اللوز وأكواب الشاي الأخضر والقهوة، وتقوم النسوة التي تحفظ البوقالات على ظهر قلب في تلاوة أشعارها، وتعود كل واحدة إلى دويرتها وهي تأمل أن يتحقق الفأل الجميل الذي كان من نصيبها.