انطلقت إجراءات التحضير ترحيبا بالشهر التاسع من السنة الهجرية... حركة غير عادية عبر الأسواق ومختلف نقاط البيع وعبق عطور التوابل والحشائش تغزو البيوت، إنها نكهة شهر شعبان بعاصمة الغرب الجزائري، ولا تختلف كثيرا عبر الوطن، إلا أن ما يجعلها تتفرد بوهران تلك التحضيرات الموروثة أبا عن جد. فشراء التوابل ثم طحنها، فضلا عن شراء الأواني الفخارية والمصنوعة من الطين، لا يمكن أن تغيب عن الشهر الفضيل. ونفس العادات هي اليوم، لكن بنوع من العصرنة، مع الاحتفاظ والتمسك بالأعشاب الطبيعية والتوابل، فبدونها لا تحلو مائدة شهر رمضان، وكثيرا ما تدخّر العائلة قليلا من النقود حتى تتمكن من شراء قِدر جديد أو طاقم للحريرة، وشراء التوابل الضرورية لأكلات رمضان والأواني الفخارية المخصّصة لطهي حساء الحريرة، وقد تشك النسوة في مفعول توابلها إلا إذا طحنتها بيدها. ونجد الكثير من النسوة، خاصة الريفيات منهن، تشترين القمح أو الشعير لتطحنه بنفسها لإعداد الشوربة... كما لا تنسى ربات البيوت اختيار دقيق خاص لصناعة الديول المستعمل في تحضير "البوراك"، وتقول النساء إن أحسن أنواع الدقيق هو الذي "يتصمغ" (يتعلك). رمضان بالجزائر.. موروث ثقافي واجتماعي مقدس لم يعد شهر الصيام لدى الجزائريين والمجتمع الإسلامي عامة، الركن الرابع في أركان الإسلام فحسب، بل أصبح جزء من الثقافة والموروث الاجتماعي لديهم ولا تجد بيتا يخلو من جو رمضان وشعائره، ففيه يتنافس المسلمون في الجزائر على تأدية الشعائر الدينية بالإكثار من الصلوات وتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، وإعمار المساجد في أوقات الصلاة وخارجها، وقيام الليل للذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء تقربا إلى الله تعالى دون أن تسقط العائلات من قاموسها التوراثي ما شبت عليه من عادات وتقاليد. ورغم اختلاف التحضيرات خلال هذا الشهر، يبقى شوق الجميع يبرق دخول شهر رمضان بالمحبة والسلام والخير وفرصة للقاء العائلة والتصدق والعبادة. فرمضان حسب أغلبية العائلات الجزائرية المسلمة الشهر الوحيد الذي يلتف حول مائدة إفطاره كل أفراد العائلة الصائمين في وقت واحد وفي جو عائلي حميمي، لتناول مختلف أنواع المأكولات التي يشتهر بها المطبخ الجزائري. ومعروف عن الجزائريين شغفهم بتحضير مائده إفطار متميزة، ويخصصون لها ميزانية مالية معتبرة. ربات البيوت لاستقبال الضيف الكريم منذ إطلالة شهر شعبان، والعائلات الجزائرية تستعد على قدم وساق من خلال إعادة طلاء الجدران وتنظيف المنازل تنظيفا كاملا، علاوة على اقتناء كل ما يستلزمه المطبخ من أوان جديدة وأفرشة وأغطية وشراشف لاستقبال هذا الضيف الكريم. وتتسابق ربات البيوت في شراء كل أنواع التوابل والبهارات والخضر واللحوم، البيضاء منها والحمراء، لتجميدها في الثلاجات حتى يتسنى لهن تحضير ما تشتهيه عائلتها بعد يوم كامل من الامتناع عن الأكل، وعادة ما تتكون مائدة رمضان من طبق الحساء "الشربة"، وهو ما يعرف في الشرق الجزائري ب "الجاري" أو "الفريك"، ويسمى عند الوهرانيين ب "الحريرة"، ويتلذذ الوهرانيون بأكلها ب "البوراك"، وهي لفائف من العجين الرقيق الجاف تحشى بطحين البطاطا واللحم المفروم، وهناك من يتفنن في طهيها بإضافة الدجاج أو سمك "الجمبري" والزيتون. كما لا تخلو مائدة الإفطار الجزائرية من طبق "اللحم الحلو"، وهو طبق بكثافة العسل من "البرقوق" أو "المشمش" المجفف، يضاف إليه الزبيب واللوز، ويضيف إليه بعض التفاح ويطبخ مع اللحم وقليلا من السكر، وكل حسب مقدرة جيبه. وتتنوع الأطباق الأخرى، حسب أذواق ربات البيوت. كما لا يقتصر تحضير العائلة الجزائرية لمائدة الإفطار فحسب، إنما يتم كذلك إعداد أو شراء مختلف المقبلات والحلويات التي تجهز خصيصا لسهرات رمضان. وبهذه المناسبة، تتحوّل جل المطاعم والمحلات التجارية لبيع الحلويات الشرقية، على غرار "قلب اللوز"، أو ما يعرف بمناطق متفرقة من الوطن بالشامية أو الهريسة (دقيق ممزوج بطحين اللوز أو الفول السوداني والشربات المكونة من الماء والسكر) و"الزلابية" المشهورة في غرب الوطن وتعتبر من الأطباق الضرورية التي لا يمكن أن تخلو منها مائدة رمضان. ويبقى طبق المسفوف عروس مائدة السحور عند الأغلبية الساحقة من الأسر الجزائرية، وهو كسكس أبيض يطهى على البخار مع الزبيب ثم يخلط مع السمن البلدي أو الزبدة والسكر، وكثيرات هي النساء اللواتي يتفنن في شكله بالبيض والعنب والمكسرات. ... والأسواق تنبض بعسل الحلويات الشرقية وعلى سبيل المثال لا الحصر، تتحوّل ساحات وشوارع وسط المدينةوهران، وخاصة المكان المسمى ب "الطحطاحة"، في رمضان إلى مركز تجاري مفتوح لباعة حلويات "الشامية والزلابية وسبوع القاضي وقلب اللوز والبوراك الوهراني"، وأصناف الخبز التقليدي الذي تحضره نساء البوادي. أما "البوراك الوهراني"، فيتنافس عشرات التجار على طهيه وسط أزقة المدينة العتيقة، ويتفنون في صنع أشكال له وفي حشوه بمختلف أنواع التوابل والزيتون والفلفل الحار. أطباق جزائرية بعبق أكثر من 50 صنفا من التوابل.. والتخليل عادة لا تنسى وتتميز الجهة الغربية من البلاد عن باقي جهات الوطن، بترقيد (تخليل) العديد من المواد مثل الفلفل الحلو والطماطم والزيتون والفلفل الحار، كما يشترون الخضر واللحوم ويحفظونها بالمبرد. كما تشته رالمنطقة بتجار التوابل والحشائش بالجملة، والتي تفوق أصنافها ال 50 صنفا، وينتشر تجار هذه السلعة بشكل لافت بالأسواق الشعبية. ومن أكثر التوابل المستعملة في أكلات رمضان بمختلف المدن الجزائرية، ما يعرف "بالحمَّار" أو الفلفل الأحمر، وهو عبارة عن مستخلص من الفلفل الحلو الذي يوضع في التخزين حتى يصبح لونه أحمر ويكون جاهزا لاستعماله في مختلف أنواع المرق، ليضفي عليها مذاقا خاصا. ويتوفر بأسواق وهران أكثر من 35 نوعا من مختلف أنواع البهرات والتوابل المستوردة من الفيتنام،تركيا، البرازيل، الهند ومصر حسب ما أفادنا به أصحاب بعض المحلات التابعة لسوق المدينةالجديدة العريق ويتراوح سعرها عند الأغلبية الساحقة من التجار ما بين 140 دج إلى 600 دج ل 100غ. الحريرة والشربة فريك الطبق الذي لا يقاوم ورأس الحانوت سر نجاح الحريرة من المستحيلات أن يمر رمضان من دون اقتناء ما يعرف ب "رأس الحانوت" المعروف خاصة بالغرب الجزائري، وهو مزيج من 15 نوعا من التوابل بالتقريب كالفلفل الأحمر،الكسبرة، الكمون، الفلفل الأسود، القرفة، الكروية، زريعة البسباس، حبة حلاوة، الكبابة، النجمة، جوز الرقيقة، لنجبار، الكركب وعرف لحمر أو الخنجلان، ماعدا الحلبة والكمون لما تتسبب فيه من مرورة. ويستعمل "راس الحانوت" في تحضير الأطباق الجزائرية الشهية، ك "الشوربة" على تعدد أصنافها وطرق تحضيرها. وتتخذ "الشوربة" في غرب البلاد لونا وطعما مميزا وتسمى ب "الحريرة"، وهي تحضر بالكثير من أنواع الخضر و"دشيشة الشعير" وتكون رائحاتها أزكى إن كانت التشيشة محمرة، ولا يحلو مذاقها إلا مع البوراك وهو لفائف من العجين الرقيق جدا والجاف ويعرف بالديول أو الرقاق في مناطق أخرى، وكثيرا ما يحشى باللحمة المفرومة أو الدجاج أو بطحين البطاطس والسبانخ، ومنهن من يتفنن في إعدادها بالسمك والجمبري، وتحضّره النسوة إما ملفوفا كالسيجار أو مربعا على الطريقة التونسية. ومن هنا، يظهر شغف الجزائريين بتحضير مائدة رمضان متميزة، مخصصين لها ميزانية مالية معتبرة. طاجين حلو في استقبال رمضان لتحلو أيامه ولأن الجزائر غنية بعادات وتقاليد متباينة ومتعددة بتعدد ولايات وأقاليم الدولة، فمائدة رمضان تختلف من منطقة لأخرى بالجزائر، وأطباق الشرق تختلف عن أطباق الغرب وأطباق الشمال ليست مثل أطباق الجنوب، وحتى أطباق الشمال لا تشبه أطباق كل المناطق الشمالية. وحتى وإن تشابهت بالنوع، فأكيد الاسم يختلف، إلا أن أغلب المدن الجزائرية تستفتح رمضان بطبق "طاجين حلو" أو مرقة برقوق حتى يكون كل أيامه حلوة. ويمنع منعا باتا غياب التمر واللبن أو الحليب عن المائدة، وتبقى "الشوربة" هي الطبق الرئيسي. وكل منطقة من الجزائر تشتهر بنوع معين، فمثلا الشرق يعرف بشوربة فريك، والغرب بشوربة طحين، ومن بين الأكلات التي لا تستغني عنها المرأة الجزائرية أكلة البوراك أو ما يعرف بالملصوقة بمناطق أخرى، وقد سبق وأن عرفنا به وقد يحل محله طبق المعقودة أو ما تعرف بالسفيرية بالشرق الجزائري، وهي عبارة عن دوائر مشكلة من البطاطا المسلوقة المطحونة والقليل من الثوم والفلفل الأسود والبقدونس، إضافة إلى البيض، وكل حسب ذوقه ولا تكون المائدة مكتملة إلا والسلطات بأنواعها وخبز الدار أو البريوش أو كسرة الخميرة، كما تعرف عند الوهرانيين، حاضرة. "لَوْزِيعَة"... عادة تضامنية مقدسة عند القبائل أما فيما يخص منطقة القبائل، فيبدأ أهلها رمضانهم بإحياء عادة تضامنية تسمى "لَوْزِيعَة". ففي اليوم الذي يسبق أول رمضان، تقام في عدد من مناطق القبائل سوق خاصة برمضان أو "تَسْوِيقْت"، يستغلها سكان "تَادَارْثْ" أو القرية في شراء عجل أو عدد من الخرفان يشترك كل بيت لديه مدخول في جمع ثمنها وتذبح المواشي، ليقسم لحمها على جميع البيوت. ومن عادة أهل بجاية إعداد "سكسو" أو الكسكسي في اليوم الأول لرمضان، وتتنوع الشوربة في بلاد القبائل بين شوربة الفريك وشوربة فيرميسال أو حمراء بلحم الخروف. أما الطبق الثاني، فهو زيتون بالدجاج أو كباب أو خرشوف باللحم. ومن الأطباق الشهية الخاصة بهذ المنطقة بالخصوص في السحور، طبق المسفوف بالزبيب. شهر تحصين أواصل التكافل والترابط الإجتماعي ومن الظواهر الإيجابية التي تميز العائلة الجزائرية طيلة الشهر الفضيل وتعبر عن أواصر التكافل والترابط الاجتماعي، تلك اللمة التي تجمع حتى المتخاصمين في جو من المحبة والإخاء، إذ بمجرد الانتهاء من الإفطار تدب الحركة عبر طرقات وأزقة المدينة أين يتوجه البعض إلى بيوت الله لأداء صلاة التراويح، ويقبل آخرون على المقاهي وزيارة الأقارب والأصدقاء للسمر وتبادل أطراف الحديث في جو لا تخلو منه الفكاهة والمرح والتلذذ بارتشاف القهوة أو الشاي حتى انقضاء السهرة، والكثير من العائلات الجزائرية تفطر على التمر والحليب والحساء وتترك الأطباق الأخرى لبعد التراويح. هي عادات وتقاليد جزائرية الذائعة الصيت، لما تتميز به الجزائر من مكانة دولية في جميع الميادين، وخاصة الفنية والثقافية مقارنة بالتظاهرات الثقافية التي استطاعت أن تخرج بعاداتنا وتقاليدنا إلى أبعد شبر من العالم، إلا أنه على الكل أن يعلم أن ما خططه القلم خاصا جدا بعالم الأثرياء والمنتعشين ماديا، وهناك عالما آخر شاءت الأقدار أن يكون من الطبقة الهشة من المجتمع التي لا تقدر حتى على توفير وجبة بسيطة. تكافل وطني واهتمام بالمحتاجين وعابري السبيل وقفة رمضان وتختلف عادات ونشاطات الأئمة في هذه المناسبة الدينية من منطقة لأخرى، إلا أنه لا يمكن أن يمر شهر رمضان من دون فتح بوابة التبرعات والهبات لفائدة العائلات الفقيرة، التي تعجز عن توفير النفقات التي تتضاعف كلما جاء رمضان وتثمينها بإلقاء المحاضرات التي تعالج الكثير من القيم الإسلامية الحميدة، على غرار التسامح في الإسلام والتعاون والتآلف والتضامن بين المسلمين، مع التركيز على أهم الأحداث التاريخية التي وقعت خلال شهر رمضان، ومن بينها فتح مكة وغزوة بدر وليلة القدر. مؤشرات الأسعار بلغت الذروة ومنحنيات الفقر في تصاعد مستمر ولأن رمضان شهر صيام وعبادة وتراحم وصدقات وتآزر، قبل أن تكون أياما للصيام عن كل الشهوات وحفظ اللسان والبصر والتقيد بآداب وشروط الصيام، استعدت جمعيات الهلال الأحمر الجزائري عبر كامل التراب الوطني لمساعدة ذوي القلوب الرحيمة لإقامة موائد الرحمة لكل الفقراء والمساكين وعابري السبيل الذين يتعذر عليهم الإفطار في جو أسري. كما تتكفل الجمعيات الخيرية والبلديات بتوزيع قفة رمضان، وهي عبارة عن مجموعة من المواد الغذائية الأساسية التي توزع على الأسر المحتاجة، وتبقى المساعدات المقدمة بمناسبة الشهر الفضيل مجرد مسكنات آلام مؤقتة، وسرعان ما يستيقظ المحتاجون من البنج لمواجهة أكبر من طاقتهم بواقع لا يعترف إلا بمن هو في عيشة راضية. أما المسكين، فلا يتذكر إلا شهر رمضان من خلال قفة لا تصمد لأكثر من أسبوع. وفي الوقت الذي تسعى فيه العائلات المكتفية ماديا لتبذير الأموال في الكمليات وتحضيرات مبتكرة بعيدة كل البعد عما تنص عليه شعائر الصيام، لا يزال الآلاف من العائلات تبيت في العراء ولم تذق بعد طعم الحياة الإنسانية الكريمة، وفر النوم من عينيها تفكيرا في مستقبل فلذات أكبادها الغامض ومصاريف رمضان وألبسة العيد ولوازم الدخول المدرسي والأسعار تناطح السحاب، ولابد أن نشير إلى أنه منذ اشتداد الأزمة الاقتصادية في الجزائر نهاية الثمانينيات والتسعينيات وما أسفرت عنه من غلاء المعيشة وتدني القدرة الشرائية، ومؤشرات الفقر في تصاعد متواصل، رغم التنمية الاجتماعية والإصلاحات الإقتصادية الضخمة، فوهران لوحدها تحصي أكثر من 50 ألف عائلة محتاجة تصارع في جلد بين مفترق طرق الفقر وغلاء المعيشة، وكثيرة هي العائلات التي تبيت والجوع طوى بطونها جراء الارتفاع الفاحش للأسعار. وبعكس الإقبال على التوابل، نجد أن الإقبال على اقتناء الفواكه المجففة من زبيب وبرقوق ومشمش وغيرها، يقتصر على المنتعشين ماديا، على الرغم من أنه كان المنتوج رقم واحد في سلم المبيعات في السنوات البعيدة الماضية، في الوقت الذي أكد لنا فيه بعض تجار التجزئة أن الإقبال على مثل هاته المواد المرتفعة تزداد وتيرته من اليوم الأول من الشهر الفضيل، وحتى أصحاب الدخل الضعيف يقتنون الزبيب والبرقوق والتمور وكل ما تشتهيه الأنفس، فالصوم والتلذذ والتقليد يدفع إلى استلاف الأموال ويقود المرأة إلى بيع مجوهراتها ورهنها في سبيل تنويع المأكولات وتزيين الطاولة. وعند انقضاء الشهر الكريم، يصتدمون بالديون المتراكمة، في الوقت الذي لا يكلف فيه الكثير من الصائمين أنفسهم إلا وسعها ونفس الوتيرة التي كانوا عليها قبل رمضان يسيرون وفقها، ما يعني أن الحلويات الشرقية والتمور والفواكه المجففة لا تعنيهم، خاصة وأن أسعار المواد الغذائية الأكثر طلبا في رمضان في ارتفاع متواصل، فقد تعدى سعر الزبيب مثلا بأسواق وهران عتبة ال 500دج والبرقوق 340 دج للكيلوغرام الواحد، وحتى سعره بالأسواق الفوضوية تعدى الأرقام القياسية، إذ تراوح سعره بين الطاولات المصطفة ما بين 300 و400 دج للكيلوغرام الواحد والزبيب 300 دج. أما الزيتون بأنواعه، فلا تجده تحت عتبة ال 300 دج بمختلف أسواق وهران. واللحوم حدث ولا حرج، فحتى الدجاج الذي كان في يوم من الأيام لحم المحتاجين تعدى بأسواق وهران سعر ال 350 دج، ونفس المنحنى تأخذه أسعار أكثر المواد الغذائية، وقد وصل سعر التمر بأسواق الجملة سقف ال 340 دج وبأسواق التجزئة تراوح سعره ما بين ال 400 و500 دج. وليس الأسعار وحدها التي تفرض وجودها بالأسواق، بل زاد الطمع والجشع في مرض التجار، فمن غير المعقول أن يكونوا في كامل قواهم العقلية وينتمون إلى مجتمع مسلم محافظ، أن يتصفون بالغش ويبتكرون أنواعا جديدة من الحيل والخدع للزيادة في أرباحهم وتسمين خزينتهم على حساب جيوب المحتاجين والمساكين وبطون الأطفال، فمن الإجرام أن تخلط التوابل بالتراب ومواد أخرى للزيادة في حجمها، وأن تصبغ وتلون أخرى بمواد كيميائية. أما الزيتون، فيلمع بالزيوت والدجاج يبيت غاطسا في المياه الملوثة للزيادة في وزنه والأمراض التي قد تنجر عن مثل هاته التصرفات الإجرامية آخر هم التاجر. ... والجوع في الجزائر من الجشع والطمع وسياسة التجميد والحفظ انحدار غذائي خطير والجوع بالجزائر من صنع التجار والناشطين في المجال، قبل أن نرجعه إلى عوامل أخرى، فكيف للطماطم مثلا التي هبط سعرها إلى ال 5دج بأسواق الجملة حسب مصادر مؤكدة أن تباع بضعف هذا السعر مرتين أو ثلاث بسوق التجزئة؟ وما بال الجهات الوصية تتغنى بوفرة الإنتاج والأسعار تحطم الأرقام القياسة؟ ولماذا ترتفع الأسعار تزامنا مع المناسبات الدينية؟ أسئلة وأخرى، ريثما تجد الإجابة عنها، تبقى دائرة الفقر والحرمان في اتساع متواصل... أما عادة التمر والحليب الحميدة في رمضان، ففي طريق الزوال سائرة، ووداعا للحم الطازج والخضر النيئة. وما اللحوم المجمدة والخضر المحفوظة بالثلاجة، إلا علامة من علامات الانحدار المادي والغذائي الخطير للعائلة الجزائرية. قال محمد صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان" وقبل أن نستقبل شهر رمضان، لابد علينا أن نحمد الله تعالى ونشكره على نعمته التي فضّلنا بها، وهي بلوغنا شهر رمضان وكفى أن تعلموا أن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم تمنى لقاء شهر رمضان إذ قال في دعائه "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان"، ويفترض علينا كمسلمين أن نستغل شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار قبل أن يرحل عنا في الصوم والعبادة ومساعدة المسكين وإطعام الفقير في سبيل الله.