أصبح من المعتاد أن تشاهد الكلاشينكوف داخل غرف العمليات في المشافي الليبية، بعد تدهور الوضع الأمني بشدة عقب محاولة انقلاب الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الوضع السابق أدى إلى هروب الأطباء وأطقم التمريض بعد تزايد الاعتداءات عليهم، وتردي الوضع الصحي. ولم يأت انهيار المنظومة الصحية من فراغ، فالأمن الشخصي للطواقم الطبية العاملة في المشافي من "أطباء وممرضين وعاملين" غير متوفر في أغلب مشافي ليبيا التي حضر فيها السلاح، ليصبح من المعتاد أن تجد المريض داخل غرفة العمليات مصطحباً "كلاشينكوف". وفي مشفى مدينة البيضاء المركزي، المعروف، حالياً، بين الأهالي ب"مستشفى الثورة"، تعاقدت إدراته نهاية العام الماضي مع عدد من الأطباء المصريين، بعد أن ترك عدد من أطبائها السابقين، من جنسيات متعددة، العمل، وعادوا إلى بلادهم، بسبب تعرضهم لاعتداءات متكررة من قبل مرافقين لمرضى، ومخمورين يحملون السلاح، لكن عدم معالجة أصل المشكلة، والاكتفاء باستقدام أطباء جدد أدى إلى تكرار المشكلة نفسها مع طاقم الأطباء المصريين الجدد، فأحدهم طبيب، رفض ذكر اسمه، نظراً لانعدام الأمن في المشفى، روى قصته بالقول "أثناء مبيتي في شقة مخصصة في ملحق المشفى، داهمني اثنان من البلطجية، وهددوني بسلاح آلي، ليسرقوا كل ما لدي، من أموال، وأجهزة كمبيوتر، وهواتف محمولة". أما زميله، رفض ذكر اسمه أيضاً، فقال ل"العربي الجديد": "أثناء الدوام دخل مريض طالباً العلاج، وعندما قمت بتوجيهه إلي القسم المختص بحالته غضب، وظن أنني أرفض معاينته، فضربني بالعلبة المعدنية التي تحتوي جهاز قياس ضغط الدم". أما مشفى الجلاء للجراحة والحوادث في بنغازي، والذي يعد من أهم مشافي المنطقة الشرقية في ليبيا، وتستفيد من خدماته الطبية مدن كثيرة في شرق ليبيا، معطل ومغلق منذ ما قبل شهر رمضان، بسبب محاولة اللواء المتقاعد خليفة حفتر الانقلاب على ثورة 17 فبراير، فيما أسماه عملية الكرامة. ويمكن اعتبار المشفى نموذجاً عملياً لعسكرة المرافق الطبية وإقحامها في الصراعات المسلحة، ما تسبب في إلحاق الضرر بالأطباء والعاملين، فبعد أن كانت قوات مجلس شورى ثوار بنغازي تتولى تأمين وتنظيم الأمور في المشفى، حاولت قوات تابعة لحفتر السيطرة على المشفى بحجة أن الطرف الآخر يمنع علاج جنوده المصابين في المشفى، ويخشى أن يدخلهم فيتعرضوا للقتل، الأمر الذي أدى إلى تعطيل المشفى وإغلاقه. من ناحية أخرى، قال المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن دوامة العنف في ليبيا خرجت عن السيطرة. وأوضح بيان أصدره المجلس أمس، بطرابلس أبلغ عن 469 حالة وفاة في اشتباكات بنغازي وطرابلس خلال جويلية فقط، فيما أصبحت البلاد دون مطار دولي، كما غادرت غالبية البعثات الدبلوماسية الأجنبية الأراضي الليبية. وأضاف أن حالة الانقسام في ليبيا بدت واضحة للعيان بعد الخلاف العميق المسجل بين المؤتمر الوطني العام السابق والبرلمان الجديد منذ عقد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد في طبرق. وأكد وجوب التركيز بكل الوسائل على دعم البرلمان الذي يبدو بحاجة للمساعدة والمؤازرة ليصبح الإطار العملي لبناء التوافق في ليبيا، وتجنب مزيد من التصدع والإقصاء الذي يعتبر العامل الأول في مواجهة العنف.