تبادل التهم بين الفلاح وتجار التجزئة للخضر والفواكه تجولت "البلاد" بمزارع وأسواق منطقة المتيجة للوصول إلى حقائق ومعطيات ميدانية حول ظاهرة ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية، ولأخذ نظرة عما يدور في كواليس أسواق الخضر والفواكه قبل وصولها إلى المستهك الجزائري. حمّل تجار التجزئة بأسواق الوسط مسؤولية غلاء الأسعار للفلاح، مؤكدين أن هذا الأخير هو المصدر الرئيسي للمنتجات الفلاحية التي يقتنونها بأسعار مرتفعة من أسواق الجملة، مشيرين إلى بعض الفلاحين الذين يعتمدون على الغش والاحتيال في عملية تعبئة منتجاتهم الفلاحية قبل عرضها على الوكلاء المعتمدين بأسواق الجملة عبر المستوى الوطني، وذلك من خلال ترك الشوائب أو تزيين الصناديق بالنوعية الجيدة من الأعلى وإخفاء السلع ذات النوعية الرديئة تحتها. وبخصوص الأسعار المرتفعة التي تشهدها الأسواق المحلية، أكد محدثونا أن الفترة الممتدة ما بين شهر نوفمبر إلى غاية جانفي معروفة بارتفاع الأسعار بسبب نهاية الموسم الفلاحي حيث تشهد معدلات الإنتاج انخفاظا ملحوظا مقارنة بباقي أشهر السنة، مؤكدين أن نشاطهم التجاري يعتمد على ميكانيزمات السوق التي يتحكم فيها قانون العرض والطلب، مؤكدين أن السماسرة هم المتسببون في الإخلال بنظام السوق حيث إن في سوق الجملة للخضر والفواكه بخميس الخشنة مثلا تباع شحنات معتبرة من السلع للسماسرة بمجرد دخولها السوق دون إنزالها من الشاحنات ليقوم السمسار بدوره بإعادة بيعها مرة أخرى سواء لتاجر التجزئة أو لسمسار آخر. الفلاح يتبرأ من تجاوزات وأطماع تجار التجزئة نفى فلاحو منطقة المتيجة الاتهامات التي تصدر في حقهم من طرف تجار التجزئة، داعين المستهلك في هذا السياق إلى الوقوف ميدانيا على هذه الظاهرة وإجراء مقارنة بين الأسعار المعروضة في أسواق الجملة وتلك المعروضة بأسواق التجزئة، مؤكدين أنه في بعض الأحيان تبقى سلعهم دون مشتر في أسواق الجملة بسبب أسعارها المنخفضة بينما تباع بأسعار خيالية في أسواق التجزئة، مستدلين بمادة الكوسة (القرعة) التي تباع في أسواق الجملة في حدود 150 دج للكيلوغرام بينما تباع بالتجزئة بسعر 250 دج ومع هذا يبقى المستهلك يحمل الفلاح مسؤولية ارتفاع أسعار هذه المادة في حين يبقى تاجر التجزئة المتهم الرئيسي والمتسبب في ارتفاع الأسعار سواء تعلق الأمر بمادة الكوسة أو غيرها من المنتجات الفلاحية واسعة الاستهلاك. وبخصوص الارتفاع النسبي لمادة الكوسة برر محدثونا ذلك بأن هذه المادة تعتبر "حالة خاصة" أو "استثنائية" مقارنة بباقي الخضر، على اعتبار أن الكوسة تغرس في سهول المتيجة داخل البيوت البلاستيكية عكس الولايات الداخلية والصحراوية حيث يجني فلاحو تلك المناطق مرة واحدة فقط وبنوعية رديئة مقارنة بالمناطق الشمالية، مما جعل منطقة المتيجة تتميز بإنتاجها الوفير ذي النوعية الجيدة لمادة الكوسة، وبأسعار غير قابلة للمنافسة. وأضاف محدثونا بخصوص أسباب الارتفاع الفاحش للأسعار أن تاجر التجزئة أضحى لا يهتم باحتياجات المستهلك بقدر ما يهتم باختيار المنتجات التي يحقق فيها أقصى قدر من الربح، مشيرين إلى مادتي "القرمبيط الأبيض" و"الملفوف" التي ينفر منها أغلب التجار حيث تباع بأسواق الجملة بمعدل 10 دج للرأس في حين تباع ب30 دج للكيلوغرم أي ما يزيد عن 60 دج للرأس الواحد. وتأسف فلاحو منطقة الوسط، من جشع بعض تجار التجزئة الذين يضاعفون السعر ويسعون بذلك إلى تحقيق الربح السريع على حساب المستهلك إذ إنهم يجنون أرباحا تعادل الفوائد التي حققها الفلاح دون تحمل المصاريف الفلاحية كالأدوية والحرث والزرع والسقي واليد العاملة التي يتحملها الفلاح طيلة موسم كامل، مطالبين بتدخل أجهزة الرقابة للحد من هذه التصرفات اللاأخلاقية على حد وصفهم، وأن الكثير من الفلاحين يجدون أنفسهم في نهاية كل موسم حققوا مداخيل محدودة. مبيدات غير صالحة وحفارة الطماطم ترهق الفلاح اشتكى معظم الفلاحين الذين تحدثنا إليهم من غلاء المستلزمات الزراعية حيث إن سعر شريط البلاستيك الخاص بالبيوت البلاستيكية يباع حدود 17 ألف دينار حيث إن البيت البلاستيكي الواحد يستهلك ما قيمته 35 ألف دج من البلاستيك وهو ما يعتبره الفلاح "مكلفا جدا"، ناهيك عن الأسمدة والأدوية التي تدرج في التكلفة الإجمالية للمنتوج الفلاحي. وأكد الفلاحون في هذا الخصوص أن هناك بعض أنواع المبيدات الفلاحية غير صالحة تباع في الأسواق، وهو ما زاد من حجم التكاليف في كل موسم فلاحي، مشيرين إلى حشرة حفارة الطماطم التي يصعب التخلص منها إلا بعد محاولات عديدة في ظل تطور الأمراض والأوبئة المنتشرة في الوسط الفلاحي، وهي عوامل كلها من شأنها المساهمة في غلاء أسعار الخضر والفواكه التي عادة ما تباع برأسمالها أو أقل من ذلك على حد قول من تحدثوا معنا. من جهتهم أشار منتجو البطاطا إلى القرار الوزاري المؤرخ في 17 أوت المنصرم المعدل والمتمم للقرار المؤرخ في 25 ماي 1996، الذي يحدد "كيفيات تسجيل الفلاحين ومسك السجلات المتعلقة بهم ونموذج بطاقة الفلاح المهنية" الذي يشترط على أن يرفق كل طلب تسجيل في سجل الفلاحة بملف يحتوي وثائق منها "سند الملكية، عقد الإيجار لمدة لا تقل عن 3 سنوات، شهادة الحيازة والعقد الإداري للامتياز أو قرار المنح أو رخصة استغلال بالنسبة للمستثمرات الفلاحية الجماعية أو الفردية"، مؤكدين أن هذا الإجراء الجديد يمنعهم من اقتناء الأسمدة الفلاحية على اعتبار أن الكثير منهم لا يحوزون عقد ملكية ولا عقد إيجار وبالتالي سوف تضيع آلاف الهكتارات المغروسة بالبطاطا بسبب عدم تمكنهم من الحصول على الأسمدة، نظرا للتعقيدات الإدارية التي تواجههم في الحصول على بطاقة البيانات الخاصة بالمستثمرة الفلاحية، وهي كلها عوامل تساهم في انخفاض إنتاج البطاطا وبالتالي ينعكس سلبا على أسعار التي تعتمد على قانون العرض والطلب. وبخصوص منتجات أشجار الفواكه استشهدت مصادرنا بمادة البرتقال التي قالت عنها إنها عادة ما تعرف استقرار أسعارها خصوصا في الفترة الحالية لعدم وجود فاكهة موسمية منافسة لها، فلهذه الأسباب تبقى أسعار البرتقال دائما مستقرة ما بين 70 و120 دج حسب الحجم والنوعية بأسواق التجزئة، غير أن هذه الأسعار تكون منخفضة بكثير بأسواق الجملة التي لا يتجاوز سعرها 50 دج التي تمتاز بالنوعية الجيدة على امتداد مليانة بعبن الدفلى، بوفاريك بالبليدة، إلى غاية القادرية بالبويرة، مؤكدين أن تجار التجزئة أحيانا يسوقون سلعهم بمعدلات مضاعفة مقارنة بأسعار الجملة، في حين تعرف أسعار الفراولة مثلا استقرارا في بداية موسمها لكن سرعان ما تتجه نحو السقوط بعد دخول الفواكه المنافسة للسوق على غرار "المشمش" و"الزعرور" (المشيمشة) التي تتسبب في تراجع أسعار الفراولة باعتبار تلك الفواكه الموسمية منافسة لها. تجار سطيف والبرج في دورية نحو الشرق قال رواد أسواق الجملة للخضر والفواكه بكل من خميس الخشنة بولاية بومرداس، وبوفاريك بولاية البليدة والحطاطبة بولاية تيبازة، إنه لولا تجار الجملة القادمون من ولايات سطيف وبرج بوعريريج وبعض الولايات الشرقية لعرفت هذه الأسواق كسادا وخسائر بالغة على اعتبار أن كل الكميات التي تدخل لهذه الأسواق يحولها هؤلاء التجار نحو الولايات الشرقية لإعادة بيعها بالجملة هناك، مؤكدين أن أسواق الجملة لمنطقة الوسط معروفة بسلعها ذات النوعية الجيدة خصوصا مادة الطماطم، الفلفل الحلو والكوسة، حيث تحول شحنات جد معتبرة يوميا نحو الولايات الشرقية على شكل دوريات منتظمة وأخرى نحو بعض الولايات بغرب البلاد. وفي هذا السياق قال بعض الفلاحين، إن الفلاح يجهل السعر الحقيقي المتداول في السوق على اعتبار أنه يتعامل مع الوكلاء المعتمدين بأسواق الجملة أو ما يطلق عليهم محليا أصحاب المربعات، حيث يتمثل دور الوكيل في استقبال وإيداع السلع من خضر وفواكه على مستوى محلاته الواقعة داخل سوق الجملة مقابل وصل استلام يقدمه للفلاح، ليواصل الوكيل مهمة بيع السلعة المودعة لديه مقابل عمولة قدرها 10 بالمائة من سعر البيع الإجمالي، إذ بعد تسويق السلع المودعة يقدم وكيل البيع الفواتير للفلاح قصد المحاسبة واقتطاع العمولة المتعارف عليها، وهي العملية التي أضحت تقليدا معمولا به على مستوى كل أسواق الجملة للخضر والفواكه عبر التراب الوطني. كبار التجار يحدثون خللا في الدورة الاقتصادية بفعل المضاربة وفي سياق ذي صلة أرجعت مصادر "البلاد" أن الارتفاع والتذبذب التي تعرفه أسعار الخضر والفواكه خلال الفترة الأخيرة إلى "البزنسة" والمضاربة التي تتم على مستوى أسواق الجملة، مؤكدة أن الخضر ذات الاستهلاك الواسع أضحت تباع 3 أو 4 مرات قبل أن تصل إلى المستهلك، وهو ما يتسبب غالبا في رفع أسعار أغلب المنتجات الفلاحية بسبب على المضاربة المفروضة على مستوى أسواق الجملة عبر التراب الوطني، كما يعتمد البعض على تكديس السلع بغرف التبريد وتخزينها للتحكم في الأسعار وهو ما يحدث خللا في قانوني العرض والطلب وبالتالي إحداث حالة لا توازن في الدورة الاقتصادية، وأن بارونات من كبار الفلاحين يملكون عددا من غرف التبريد، يتم التخزين فيها كميات معتبرة من السلع ذات الاستهلاك الواسع، وهو ما تسبب في بروز ثلاثة تأثيرات أساسية على عملية إنتاج البطاطا على وجه التحديد، الأول كان بعدم تلقي الفلاحين حصصهم المالية للمنتوج في الوقت المناسب والذي أثر في ثاني مقام على عملية البذر في الأوقات المحددة، أما ثالث تأثير فتمثل في احتكار أصحاب غرف التبريد للمنتوج ووضع مصداقية الوصاية بين أيدي هؤلاء. واعتبرت المصادر نفسها في السياق ذاته، أن نظام ضبط المنتجات الفلاحية بتخزين فائض المنتوج، لا يمكن بأي حال من الأحوال تحكم الدولة عن طريقه في الأسعار، بل إنه يعمل على تدعيم الوسطاء وأصحاب المستثمرات الفلاحية الذي يملكون المخازن بدلا من تشجيع الفلاحين البسطاء لبيع منتجاتهم بأسعار منخفضة تماشيا مع القدرة الشرائية للمستهلك. حيث أثبتت تجربة تخزين منتوج البطاطا بغرف التبريد فشلها على أرض الواقع، في إطار نظام ضبط المنتجات الفلاحية لمواجهة ارتفاع أسعار المنتوج من طرف المضاربين، بدليل أن نظام "سيربالاك" الذي شرع في تطبيقه منذ سنة ونصف أظهر عدم جدواه ما دام سعر الكيلوغرام من البطاطا يتراوح ما بين 60 إلى 100 دينار خارج أوقات جنيها.