لمساس بالسياسة الاجتماعية مقابل رفع الدعم عن المستثمرين كشف وزير المالية محمد جلاب عن التدابير التقشفية التي ستعتمدها الحكومة خلال السنوات المقبلة، في حال استمرار هبوط أسعار النفط أو استقرارها عند مستويات منخفضة وهو الخيار الأقرب إلى الواقع، حيث تشير آخر التقارير إلى أن سعر النفط سيستمر في منحاه الحالي لحوالي 3 سنوات على الأقل، حيث ستمس هذه التدابير خلال المرحلة المقبلة في حال ساءت الأوضاع بالقطاعات الحيوية والاستراتيجية، وأكدت الحكومة أن هذه التدابير لن تشملها في أي حال من الأحوال. وتحضر بذلك حكومة الوزير الأول، الرأي العام، خلال المرحلة المقبلة لقرارات ستكون أشد قسوة من تلك التي تم الإعلان عنها، حيث ستشمل قطاع الخدمات العمومية التي ستحول خلال الفترة المقبلة إلى طابع تجاري بدل اجتماعي، ما يعني أن الحكومة قررت مراجعة سياساتها الاجتماعية، حيث أكد جلاب في هذا الإطار أن المواطن الجزائري سيدفع قيمة الخدمات التي يستفيد منها مثل الخدمات الصحية وكراء السكنات الاجتماعية، مع أن جلاب قال إن هذا الموضوع تحديدا سيتم العمل عليه بشكل تدريجي تفاديا لأي ردة فعل غير مرغوب بها أو احتجاجات للجبهة الاجتماعية، خاصة في هذا التوقيت تحديدا، حيث تعمل الحكومة على مسك العصا من الوسط لإنقاذ الاقتصاد الوطني من انهيار محتمل في حال استمرار الوضعية الحالية التي قال وزير المالية إن الإشكال الحقيقي فيها لا يكمن في انخفاض أسعار النفط وإنما في استمرار الانخفاض مدة زمنية أطول. وفي هذا الإطار، كان وزير المالية قد أكد خلال لقائه باللجنة الاقتصادية لمجلس الأمة، أن الحكومة ستدرس خلال المرحلة المقبلة سبل وكيفيات عقلنة الدعم، حيث تستفيد منه فقط الفئات الأقل دخلا استجابة لاقتراحات الخبراء الاقتصاديين حول هذا الموضوع، حيث قررت الحكومة اتباع نموذج جديد للتنمية الاقتصادية يعتمد على نقل البرامج القطاعية تدريجيا من التمويل المهيمن للخزينة العمومية إلى الوسط التجاري، إضافة إلى اللجوء لتجميد عمليات التوظيف في الوظيف العمومي وهو القرار الذي لن يشمل حسب جلاب القطاعات الرئيسية مثل الصحة والتربية والتعليم العالي. كما أن القطاعات الأخرى يمكنها الاستفادة من العدد الكبير للمناصب الشاغرة المسجلة في البرامج السابقة. تغيير اللهجة الحكومية التي كانت في وقت قريب لهجة مطمئة حول الوضعية المالية للجزائر خلال المرحلة المقبلة، يعني أن الحكومة تعلن فعلا عن بداية الأزمة المالية التي تسببت فيها أسعار النفط المنخفضة، خاصة بعد انحسار احتياطي الصرف إلى مستويات قياسية، حيث بلغ خلال الشهر الجاري 178 مليار دولار بدل 194 مليار نهاية السنة الماضية، مع استمراره في الانخفاض، ما دفع الحكومة إلى الإعلان عن إجراءات تقشف من الدرجة الثانية واللجوء إلى طرق جديدة في تمويل المشاريع الكبرى ضمن المخطط الخماسي 2015/2019 حيث سيتم في هذا الإطار اللجوء إلى التمويل البنكي والسوق المالية بعد أن قررت الحكومة مؤخرا تمويل كل المشاريع الكبرى للشركات الاقتصادية العمومية عن طريق سندات البورصة، حيث سيتم قريبا طرح أسهم ثمان شركات عمومية كبرى في بورصة الجزائر، وشراكات بين القطاع الخاص والعام، وهي الإجراءات التي تعي الحكومة أنها قد تضعها في موقف صعب أمام الرأي العام، خاصة وأنها في وقت سابق قد أكدت على لسان مسؤولها الأول أنها لن تمس بالقطاعات الحيوية وأن الوضعية الاقتصادية في البلاد تسمح بمواصلة مشاريع التنمية على الرغم من انخفاض أسعار النفط. وبالمقابل، لا تزال الحكومة مصرة على الاستمرار في دعم رجال الأعمال والمستثمرين والصناعيين في الجزائر، حيث كشف جلاب عن مشروع قانون جديد للتقليص من فاتورة الاستيراد وتشجيع التصدير بتقديم تسهيلات للمصدرين، حيث تنوي الحكومة خلال المرحلة المقبلة تخفيض الضريبة على الأرباح التي رفعتها خلال قانون المالية 2015 إلى 23 بالمائة وإعادتها إلى نسبة 19 بالمائة، كما كانت عليه سابقا حسب تصريحات مسؤولي منظمات الباترونا اللذين تلقو وعودا بهذا الخصوص من قبل الحكومة، وهو ما يوحي أنها ستكون مجبرة خلال الفترة المقبلة على الاختيار بين الحفاظ على سياسة السلم الاجتماعي المنتهجة في الجزائر وتفادي الغضب الشعبي