لطالما اضطر بنك الجزائر منذ سنوات إلى تخفيض سعر صرف العملة الوطنية تدريجيا وعلى المدى الطويل في إطار سياسة نقدية وقائية لتفادي الصدمات وتقلبات أسعار الصرف، غير أن الهبوط الأخير لقيمة الدينار مؤخرا مقابل العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار، دفع بمتابعين للشأن المالي ربطه، بالإجراءات الحكومية المعلنة لتخفيض فاتورة الواردات ومعلوم أن الدينار الجزائري، هو عملة تقاس وفق سلة عملات أجنبية يمثل فيها الدولار والأورو 80 بالمائة فمن الطبيعي إذا أن تتأثر بتقلبات إحدى العملتين صعودا هبوطا، غير أن الانخفاض الرهيب لسعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار مؤخرا فسح المجال أمام تساؤلات عديدة تربط بين انخفاض الدولار ورغبة الحكومة في وضع قيود على المستوردين لتقليص فاتورة الاستيراد التي ناهزت ال 60 مليار دولار، حيث إن خفض قيمة الدينار يجعل عمليات الاستيراد أكثر كلفة وبالتالي سيضطر المتعاملون إلى تقليص نشطاهم. ويرى في هذا الصدد الخبير المالي والأمين العام الأسبق لمفوضية البنوك عبد الرحمن خالفة أن تخفيض العملة سيكبح لا محالة الاستيراد العشوائي لبعض المنتجات محليا وسيضاعف من التكاليف المرتفعة أصلا لمستوردي مواد الكماليات على غرار "الكيوي" وÇجوز الهند" والأنواع الفاخرة للشكولاطة والأجبان التي تعتبر أعباء إضافية على الخزينة وتستنزف عملتها الصعبة، وأضاف الخبير أن هذا التخفيض وإن لم يستطع الجزم به على اعتبار أنه مس خصوصا الكتلة المتداولة في السوق السوداء، إلا أنه قد يكون بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد لقدرته على تصحيح قيمة العملة وتشجيع الإنتاج الوطني عبر الضغط على المستوردين. ومن المتفق عليه في عرف المال والأعمال أن تخضع بعض الدول عملتها لعمليات تصحيح فبعض الدول المصدرة تعمد أحيانا إلى خفض قيمة عملاتها حفاظا على تنافسية منتاجاتها، غير أن هذا الحال لا ينطبق على الجزائر التي تستورد تقريبا كل شيء ولا تتعدى قيمة صادراتها خارج المحروقات 2.5 مليار دولار، حيث يكمن الخلل في منظومتنا المالية إذن؟ يجيب عبد الرحمن خالفة على هذا السؤال بالقول إن "مشكلة الدينار تكمن في قيمته المزدوجة وبفارق شاسع بين قيمة السوق السوداء والقيمة الرسمية في البنوك وكأن هنالك دينارين أحدهما شبه رمزي لتقييد الصادرات والآخر للتعاملات السوقية وهو أمر جعل العملة الوطنية هشة ولا تحظى بثقة المستثمرين الأجانب وفي المحصلة ومهما كانت دوافع البنك المركزي لتخفيض العملة فإن المواطن البسيط هو من يدفع الثمن باعتباره الحلقة الأضعف في دورة الأسعار في غياب آليات الرقابة والضبط.