بعضها يملك ثروات بترولية هائلة وأخرى تتوفر على موارد معدنية ضخمة، أما البعض منها فيغرق في ثروات بحرية، لكن رغم كل ذلك، لم يصل شعوبها سوى الفتات من كل تلك الموارد، بل إن الفقر والبطالة لا يزالان يعششان في المجتمعات المغاربية. بسبب ضعف التدبير وتفشي الفساد والنهب وسوء توزيع الثروة، لم تغنِ عن بلدان المغرب العربي ثرواتها الضخمة في أن تصير دولا مكتفئة بذاتها، بَلْه أن تصبح غنية. في هذا التقرير، سنظهر لكم جليا كيف يمكن لدولة غنية أن تصبح فقيرة! 1- المغرب يتوفر المغرب على ثروات طبيعية هامة، تشمل الموارد الفلاحية والثروات المعدنية والسمكية. نسبة الأراضي الصالحة للزراعة من مساحة المغرب هي %17,79، وهي مساحة تضاعف تراب دولة مثل بلجيكا بأكثر من ثلاثة أضعاف، ما يمكنه من إنتاج فلاحي مهم خصوصا في الحوامض والحبوب والخضراوات، معظم هذا الإنتاج يتم تسويقه خارج البلاد. ورغم هذه الوفرة في الموارد الفلاحية إلا أن حجم الاستغلال والإنتاج لا يتناسب مع حجم هذه الموارد الضخمة، الشيء الذي لا ينعكس إيجابا في القيمة المالية المحصلة إجمالا كما أيضا يتوفر المغرب على ثروة معدنية مهمة، ممثلة أساسا في الفوسفات، حيث يحتضن أكبر احتياطي في العالم لهذا المعدن، ويحتل المرتبة الثالثة عالميا في الإنتاج بحوالي 29.5 مليون طن سنويا، وهو ما يدر على الدولة المغربية ما يقارب 14,49 مليار دولار. ولم تَجُدْ أرض المغرب على أهله من خيراتها السطحية والباطنية فقط، بل أيضا أهدتهم ثروات بحرية هائلة. يعد المغرب من أهم الدول في العالم المنتجة للثروة السمكية، يملك 17 ميناءً مخصصا لذلك يمكنه من إنتاج أكثر من 594 ألف طن من الأسماك، يعود عليه ب 247 مليون دولار من الأرباح سنويا، بالإضافة إلى أنه يقوم بكراء بعض مساحته البحرية لبعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا. 2- الجزائر يرتكز الاقتصاد الجزائري على الثروات النفطية والطاقية بالأساس، حيث تمثل %60 من الميزانية العامة، و%97 من حجم الصادرات. تحتل الجزائر المرتبة 15 عالميا في احتياطي النفط بما يقارب 45 مليون طن، والمرتبة 18 من حيث الإنتاج، و12 من حيث التصدير، كما تقوم بتكرير نصف موادها البترولية الخام. بلغت العائدات المالية النفطية السنة الماضية حوالي 60 مليار دولار، وفقا لتصريح وزير الطاقة الجزائري يوسف اليوسفي، ما يجعلها من الدول الأساسية في منظمة أوبك. بالإضافة إلى ذلك فالجزائر تملك أيضا ثروات مهمة من الغاز، حيث تحتل المرتبة 5 من حيث الإنتاج والمرتبة 3 في التصدير في العالم، بعائدات مالية تقدر بمليارات الدولارات. علاوة على ذلك فقد عزمت الجزائر مؤخرا على استغلال الغاز الصخري، الذي تحتل فيه المرتبة الثالثة عالميا في مخزون الاحتياط. ونفس الشأن للجزائر؛ جادت أرضها أيضا بالثروات المعدنية، حيث تتوفر على كميات مهمة من الحديد والزنك والرصاص والرخام وأيضا معادن ثمينة مثل الذهب والماس واليورانيوم. تقوم شركة سونطراك الوطنية بإدارة الموارد النفطية والغازية، حيث يتواجد معظمها بجنوب البلاد. وفوق كل ذلك فالجزائر لديها واجهة بحرية تقدر باثني عشر ميلا، كما أن ما نسبته %3 من أراضيها الشاسعة (2,381,741 كلم) هي صالحة للزراعة. كل تلك الثروات الطاقية الهائلة التي تملكها الجزائر، جعلتها عملاقا بتروليا بمعنى الكلمة، إذا ما نظرنا إلى حجم الاحتياط والإنتاج والتصدير لهذه الموارد، لكن لسوء الحظ فإن هذا الأمر لا يعكس بالضرورة مستوىً مقبولًا من التنمية والرفاه لبلد لديه ثروات بهذا الحجم، حيث لا تزال نسب الفقر والبطالة موغلة في المجتمع الجزائري. 3- ليبيا بسبب سيطرة الديكتاتور القذافي على مقدرات ليبيا، يظن الكثير أن ليبيا فقيرة من حيث الموارد الطبيعية، إلا أن هذه الصورة ليست صحيحة كما سيأتي: يشكل النفط في ليبيا العماد الأساسي للاقتصاد الليبي قبل القذافي وبعده، حيث يمثل ما يفوق نسبة %60 من العائدات المالية. تتوفر ليبيا على احتياط نفطي قدره 41,5 مليار برميل، وتنتج في المتوسط حوالي 2 مليون برميل يوميا. كما تملك ليبيا احتياطات مهمة من الغاز الطبيعي، تقدر ب 52,7 تريليون قدم مكعب، وتنتج حوالي 11 مليار متر مكعب يوميا من الغاز. بالإضافة إلى كل تلك الثروات فليبيا تتوفر أيضا على موارد بيتروكيماوية مهمة، والحديد والصلب والأسمدة والإسمنت ومواد البناء. بإمكان دولة تملك مثل حجم تلك الثروات مع ساكنة لا تتجاوز 7 ملايين أن تحقق الرفاه لمجتمعها، لكن الصورة ليست كذلك في الواقع الليبي، حيث تسجل ليبيا معدلات بطالة تصل إلى %20، كما تعرف انهيارا اقتصاديا ومجتمعيا وسياسيا بعد سقوط القذافي، بسبب الاضطرابات السياسية والحروب الأهلية، لفهم الشأن الليبي اقرأ: وقد تفاءل الليبيون بغد حافل باستغلال الثروات بعدما انهار نظام القذافي، إلا أن الفساد الاقتصادي والإداري والسياسي أجهض كل تلك الأحلام، فليبيا تحتل المرتبة 146 من مجموع 176 في معدل الفساد حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية (ترانسبيرانسي) لسنة 2014. ولا توجد بعد في الواقع دولة المؤسسات في ليبيا، حيث الحكومة المعترف بها دوليا لا تملك لا سيادة ولا سلطة على الأراضي الليبية، وإنما هناك فقط فصائل متعددة التوجهات تتصارع فيما بينها للسيطرة على الآبار النفطية، التي ستمول بعائداتها المالية حروبها القتالية، وليذهب المواطنون إلى الجحيم! 4- تونس ليست لدى تونس ثروات بحجم البلدان المغاربية السابقة، إلا أنها تملك ما يكفي ويزيد لساكنة لا تتجاوز 11 مليونًا، حيث تتوفر على موارد فلاحية وبترولية ومعدنية. توجد بتونس كميات لا بأس بها من الموارد البترولية، إذ تنتج ما معدله 97600 برميل يوميا من النفط، كما تحصّل ما يقارب النصف من مصادرها الطاقية فقط من الغاز الطبيعي، الذي تتوفر عليه. وتبلغ احتياطات تونس في الغاز الطبيعي حوالي 65 بليون سنتيمتر مكعب، بينما يبلغ المخزون الاحتياطي للنفط 450 مليون برميل، حسب بيانات وكالة الاستخبارات الأمريكية. وتعتمد تونس أساسا على مواردها النفطية في تلبية حاجياتها الطاقية، ما يخفف عن اقتصادها عبء الاستيراد. كما تتوفر تونس أيضا على ثروة مائية مهمة تعادل %5 من مساحتها الإجمالية، الشيء الذي يساهم في ازدهار النشاط الفلاحي، وتلبية حاجات المواطنين التونسيين من المياه، علاوة على أن لديها %17,35 من مساحتها الإجمالية، صالحة للزراعة. وتطل تونس على واجهتين بحريتين أمام البحر الأبيض المتوسط، ما قد يوفر لها اكتفاءً ذاتيا في الثروة السمكية. هذا وتزخر تونس أيضا بثروات معدنية، بدءًا من الذهب والحديد والفوسفات والزنك والملح، تنتج منها كميات مهمة. وعلى الرغم من الثروات التي تتوفر عليها تونس إلا أن مردودها، حتى بعد سقوط الديكتاتور بن علي، لا يزال بعيدا شيئا ما عن ساكنة المناطق المهمشة في تونس، حيث البطالة متفشية. ويرى مراقبون أن تونس بإمكانها مستقبلا تحقيق تنمية حقيقية ورفاه لمجتمعها، إذ تسير في درب دولة الديمقراطية والقانون، خلافا لكل الدول العربية، هذا طبعا إن استطاعت التغلب على الاضطرابات السياسية وأحداث العنف داخل البلاد، وحافظت على نضج وتوافق مكوناتها السياسية. 5- موريتانيا تعتبر موريتانيا أفقر دول المغرب العربي، إلا أن لها هي الأخرى حظها من الثروات البترولية والمعدنية والبحرية أيضا. تبلغ الاحتياطات المؤكدة من النفط في موريتانيا 600 مليون برميل، لا تتمكن من الاستخراج من هذا المخزون سوى 8000 برميل لليوم، ويمثل النفط في السنتين الأخيرتين في موريتانيا %3 من الناتج الداخلي الخام، أي ما يعادل 160 مليون دولار لسنة 2013، حسب إحصاءات البنك الدولي. كما تتوفر موريتانيا على فرص مهمة لاستثمار مصادر طاقية، حيث تم الكشف عن احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي، مثلما يسودها مناخ شمسي شبه دائم. تملك أيضا موريتانيا موارد معدنية هامة، نذكر منها الحديد الذي يناهز إنتاجه 1,1 مليون طن في السنة، وهي نسبة قليلة مقارنة مع المخزون الضخم لهذا المعدن الذي تكتنزه، كما تعد موريتانيا ثانيَ مصدِّر له على مستوى القارة الأفريقية ككل بعد جنوب أفريقيا. وتصدر موريتانيا كذلك الذهب والنحاس، إذ تنتج بالمتوسط 2000 أونصة ذهبية و45000 طن من النحاس سنويا. ناهيك عن توفرها على واجهة بحرية، تزخر بثروات سمكية هائلة من حيث الكمية والجودة. وتعاني موريتانيا من ضعف شديد في استغلال ثرواتها، نظرا لهشاشة الدولة وضعف التدبير وشح الاستثمار. وأخيرا يجدر بنا الإشارة إلى أن الموارد الطبيعية لا تمثل شيئا إن افتقدت الدولة للموارد البشرية وحسن التدبير. لعلكم تعرفون الكثير من البلدان التي بخلت أرضها على أهلها من خيراتها، إلا أنها استطاعت تحقيق ازدهار ورفاه لشعوبها، اليابان واحدة منها، التي تزخر أرضها بالبراكين والزلازل!