تستقبل الجامعات الجزائرية ما يزيد على سكان ولاية من ولايات الشمال، واستقبلت هذا العام وحده أزيد من ربع مليون طالب، وبعد سنة أخرى سيصل عدد الطلبة بالجامعات الجزائرية إلى المليون ونصف المليون طالب جامعي· المثير في التعليم العالي أن عدد الطلبة يفوق الهياكل والإمكانيات، تماما مثل حافلة النقل المدرسي التي تنقل ضعف طاقتها فتتحول إلى جحيم لا يطاق· قائمة الناجحين في شهادة البكالوريا، ولاعتبارات لا علاقة لها بالتعليم، أصبحت تضخ آلاف الطلبة كل سنة نحو مدرجات الجامعة، بما يفوق المعدلات السليمة التي تضمن تدرجا عقلانيا في المستويات والعدد· ملايير الدينارات التي صرفت في إنجاز الأقطاب الجامعية الجديدة والإقامات الفخمة لم تعد تكفي لاستيعاب العدد المتزايد للطلبة الجامعيين· والأخطر أن نهاية آلاف المتخرجين الجدد، إما ''الحرفة'' نحو إيطاليا وإسبانيا، أو الهجرة النظامية التي تغطيها احتياجات الدول الغربية والعربية لمئات الإطارات في شتى التخصصات من الغاز والنفط إلى الإعلام الآلي مرورا بكل تفرعات الطب وتخصصاته الدقيقة إلى الفيزياء والكيمياء والهندسة المعمارية ونظم الري والزراعة وغيرها· ورغم ما يبدو مدحا للذات ونحن نتصور لهفة الآخرين على خريجي الجامعة الجزائرية، فإن عدم القدرة على توفير متطلباتهم قبل التخرج والعجز عن التكفل بهم داخليا بعد التخرج، يجعل كافة الجهود المبذولة مجرد حرث في الماء·صورة حزينة ترتسم عن واقع الجامعة الجزائرية· اليوم وبعد سنوات من جهد الإصلاحات المعلنة في التعليم العالي والبحث العلمي، نجد أنفسنا أمام إشكاليات معقدة تتطلب إعادة البحث عن الحلول العاجلة للقضاء جزئيا أو نهائيا على المشاكل المطروحة أمام جيش الجامعيين وفيالق المتخرجين، من أجل تفعيل دورهم في المجتمع حتى لا تتحول الجامعة إلى حاضنة لليأس ومصدر لنزيف الأدمغة·