تذكرة دخول المتحف قفزت من 20 إلى 200 دينار في عهد خليدة تومي تعتبرُ المتاحفُ بالعالم بيئة جدُ خصبة تخطُ تاريخ الدُول ومعالمها بحضاراتها القديمة والجديدة، وبالتالي فهي تعدُ أيضا مرجعا مُهما للبحث العلمي والتاريخي تعتمدُ عليها تلك الأخيرة من خلالها بتحديد السلوك المُجتمعي الإنساني خصوصاَ في التعامل مع معروضاتها والتفاعل معها. والمُتتبع للمتاحف عبر العالم وحتى الدارس بهذا المجال يُلاحظُ لا محالة أن الدول العربية هي أكثر منطقة تحتوي على هذا الإرث الكبير لهذا التنوع من مختلف العصور المُتعاقبة عليها باعتبارها مهداً لحضارات كثيرة تعاقبت عليها منذ القدم. ومع ذلك مازلنا نفتقدُ لتفسير لنقص المتاحف على مستوى هذه الدول وسبب قلتها، وحتى إن وُجدت فإننا نلاحظُ عقُوقا في زيارتها والاهتمام بها كما يجبُ، ما يفسرُ غياب ثقافة الإطلاع وانعدامها لدى جميع المستويات بالمجتمع إلى جانب افتقاره لمناهج تبينُ وتبرزُ أهميتها التاريخية العظيمة . وتعتبر الجزائر من بين هاته البيئة التي تشتملُ على زوايا مختلفة من الفترات التاريخية بموجات الحضارة الإنسانية.. فهي بالنسبة للزائر الأجنبي متحفا مفتوحا على مصراعيه يحوي حكايات ترويها الأمكنة والشواهد التاريخية التي مازالت قائمة حتى يومنا هذا، ومع ذلك فهي تفتقد لاهتمام الجهات المعنية بها وطريقة تحصينها أكثر من الزوال والاندثار. وتحتوي العاصمة على سبعة متاحف وطنية، يقتصرُ زوارها فقط على السُياح الأجانب وبعض الطلبة فمنهم من يفعلُ ذلك فقط بحكم تخصص دراسته، ومنه من تدفعهُ غمرة الاكتشاف وقراءة كل ما مضى من أحداث وحكايات، فيجدُ نفسه يقلبُ صفحات الماضي بأحدها، إذ نجد متحف "حي القصبة" والذي يعرف بالوسط الشعبي بقصر "خداوج العمياء" وحدهُ عالمٌ كفيل بأن ينقلك إلى زمن اندثر عهدهُ ولم يتبق منه سوى عطر الذكريات الذي يملأ المكان العريق. لكن ومع وجود هاته المتاحف إلا أنها تسجلُ تراجعا بالزيارات بسبب عدم تمويل الرحلات إليها فيما يخص المؤسسات العمومية والتربوية كما كان معمولا به بالسابق بالرغم من أن سعر الدخول إليها يعدُ أكثر من رمزي . ومع ذلك فهذه المُعضلة بزيارة المتاحف تستثني "قصر رياس البحر" الذي مازال محافظاً على نسبة إقبال كبيرة به، حيث يسجل سنويا ما يفوق 27 ألف زائر تتوزعُ بين السُيّاح الأجانب وبين المُقبلين عليه من مختلف مناطق الوطن ورُبوعها لاكتشاف حكايات صموده وتفاصيل الحياة بداخله التي تُصورها مجموعة من المشاهد والتي تتوزع بدورها على نطاق تصميم معماري عريق زاد من تركيبته الجمالية تميزت بها البيوت الجزائرية خلال القرن 16 . عزوف.. والأسباب كثيرة "البلاد" قامت بالتقصي عن أسباب عُزوف الجزائريين عن زيارة المتاحف والتي هي بالأساس تعدُ على الأصابع مُقارنة بدول العالم الأخرى، فلماذا الزائر الذي يعرف هاته المتاحف ولا يذهبُ إليها عادة. وتقول أستاذة التاريخ نادية شريفي "هذا الغياب تفسرهُ عدة أسباب أهمها غياب الاهتمام أصلا بهاته المرافق سواء من جانب المعنيين بإدارتها أو حتى من قبل الجزائري نفسهُ والتي يرافقها غياب شبه كُلي على مستوى الإعلام الذي عادة لا يوليها درجة من الاهتمام والتطرق إليها كنوع من التعريف بها وجلب اهتمامات المتتبع لها مقارنةً بدول العالم الأخرى العربية والأجنبية التي تجد أنّ الجميع هناك يدرُك أهمية المتاحف، وينصحك بزيارتها وتراهم يفاخرون بمتاحفهم، بينما تجد أنّ لدينا أفضل منها وننظر لها باستحياء وبإهمال كبير، ولا نراعي أنّها من أهم عوامل الجذب السياحي". وبهذا الخُصوص؛ أشار المُؤرخ والباحث في شؤون الحضارات التاريخية عبد الحميد بن يحيى إلى أهمية استثمار مشاركات الجهات المعنية وخصوصا وزارة المجاهدين في تأسيس متاحف مُتخصصة بالجانب الثوري الذي عرفتهُ الجزائر بتاريخها العريق، فحسبه أنها ستشهدُ كثافة من الزوار. كما أنها ستُعرفُ أجيالنا بما كان عليه جيل المُناضلين الأحرار والشهداء رحمةُ الله عليهم وكيف كانوا يُمارسون حياتهم النضالية من أجل هذا الوطن، مضيفاً "على الوزارة أن تبدأ بالاعتناء بتوثيق تاريخ الجزائر أكثر مما هُو عليه الآن. ويضيفُ محدثنا "إن نشر مثل هذا الإرث وهذا التُراث الوطني التاريخي والتعريف به وضمن التوجه المتعلق به تحت رعاية مُختصين وباحثين من شأنه أن يدفع بالمتاحف إلى خطوة جديدة مُنتعشة بالزُوار والمُهتمين". غياب "ثقافة زيارة المتحف" واعتبر الإعلامي عبد الحكيم أسابع أن أغلبية الجزائريين يفتقدون إلى ''ثقافة زيارة المتاحف'' رغم توفر بلادنا على عدد معتبر من المؤسسات المتحفية الوطنية، التي تعد من أهم الفضاءات والهياكل التي تحفظ الموروث الحضاري للأمة إلى جانب كونها تعد من أهم أقطاب السياحة التاريخية – والثقافية، والتي بإمكانها أن تدر دخلا سنويا معتبرا على الخزينة العمومية لو يتم حسن استغلالها على غرار ما هو معمول به في الكثير من الدول العربية والأجنبية. كما يؤكد المتحدث أنه من بين أهم أسباب غياب الثقافة المتحفية لدى الأسر الجزائرية يعود إلى إدارات المتاحف نفسها وإلى وزارة الثقافة أيضا لغياب الأيام الإعلامية – حسبهُ - وحتى ''الحملات التي تبرز أهمية هذه الدور في حفظ الذاكرة الثقافية والتاريخية للأمة الجزائرية، وباعتقاده أنه على قطاع الثقافة الذي يصرف الملايير على المتاحف أن يسعى إلى توظيف الوسائط الإلكترونية وغيرها، لجذب الجمهور إليها، كما يجدر بالقائمين على المتاحف أن تقوم بتنظيم أبواب مفتوحة على المتاحف في المدارس ودور الثقافة وفي المؤسسات الشبانية، ولما لا – يقول - القيام بحملات دعائية ترويجية لها، من أجل غرس ثقافة زيارة المتاحف بشكل تدريجي. وهنا يجددُ عبد الحكيم أسابع تأكيدهُ على ضرورة إخراج المتاحف من بين جدرانها عن طريق تقديم عروض مرئية تبرز الكنوز والمآثر التي تحكي تاريخ الجزائر القديمة والمُجسدة في لوحات ومنحوتات ونحاسيات وفخاريات وأعمال يدوية فنية تختصر الماضي البعيد، سواء في الساحات والأماكن العامة وغيرها. سطوة "ثقافة الانترنت" وبيّن الأستاذ عبد الله محمودي أستاذ جامعي بقسم الآثار أهمية تعويد الناشئة والجيل الجديد على زيارة المتاحف، إذ يجب أن يترسخ ذلك عندهم كأهم الأولويات، سواءً لدى المؤسسات التعليمية أو لدى المُؤسسات الراعية للمتاحف، وأن تعي جيداً بأنّ زيارة المتاحف ليست ترفاً ولا تقضية وقت فقط للتسلية وإنما للتعرف على البُعد الحضاري لوطنهم والارتباط بجذورهم أكثر، إضافة إلى استشعار قيمة تاريخ أمتهم المجيد من خلال تجربة مُشوقة داخل أروقة المتحف، تنقلهم إلى أزمنة وفضاءات رحبة مُختزلة ضمن أروقة وقاعات هذا الأخير. وأكد الكثير من المسؤولين عن المتاحف ممن اتصلت بهم "البلاد" على نُقص إقبال الجزائريين على المتاحف حتى لا نقُول انعدامها تماماً من برنامج اهتماماتهم، ما يفسرُ عدم تطابق ربط القيم المُتوارثة بمجتمعنا من جهة والإرث الوطني من جهة أخرى مع كل ما تقدمهُ الحداثة بشكل مستمر، وهم يرون أن ثقافة الانترنت قد غطت على سلوك الجزائريين ما جعلهم يقبعُون بزوايا بعيدة عن هاته الثقافة التي يُقدسها الغرب بشكل كبير، لأنها تساهم في التعريف بالانتماء والهوية، كما أنها تنقلُنا بلحظات تأمل إلى ماض يحكي عن نفسه من خلال صور ومعروضات من ذلك الزمن . .. والحل؟ لقد تشكلت عوامل عديدة أدت إلى هجران الجزائريين وعزوفهم عن التعرف على ماضيهم من خلال زيارتهم للمتاحف، كما ساهمت فترة الإرهاب بطريقة مباشرة في القضاء كليا على هذا النوع من الخرجات سواء للمؤسسات التربوية أو حتى للعائلات نفسها. كما أنها ترتبط أيضا بالإعلام والمؤسسات السياحية التي مازالت تفتقد لعامل التنسيق مع المؤسسات الأخرى من أجل إحياء هذا التقليد، ما جعل زيارتها موسمية فقط كتلك التي تندرج في إطارات تنظيمية لأيام تراثية فحسب. وعلى الجانب الآخر، يعتقد كثيرون أن إقدام وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي على رفع سعر تذكرة دخول المتاحف من 20 دينار إلى 200 دينار مرة واحدة، لم يكن قرارا سليما، أو أنه "متسرع"، فالمتاحف تشهد عزوفا في الأصل، فكيف الحال إن تمت مضاعفة سعر الدخول بهذا الشكل؟.