ظلت الكتابات المتعلقة بالثورة الجزائرية مثار جدل ونقاش خصوصا في السنوات الأخيرة بعد بروز ''موضة المذكرات'' وتسجيل العديد من قادة الثورة ورموز الحركة الوطنية الجزائرية شهاداتهم الشخصية حول حيثيات الثورة ومسار الاستقلال وتبلور الفكر الثوري والكفاح المسلح بعد ''فشل'' النضال السياسي أمام تعنت آلة الحرب الفرنسية. ومن هذا المنطلق تجمع آراء العديد من المتابعين على أن الشهادات التاريخية التي سجلت إلى غاية الآن؛ على قلتها وعدم إلمامها التام بحجم الثورة وصداها الذي تجاوز حدود الجزائر، إلا أنها أثارت جدلا سببه تباين تلك الشهادات، ووصل الأمر هنا إلى أن مسار الثورة التحريرية شكل مادة دسمة لشخصيات سياسية وتاريخية ركبت ''موجة التأريخ'' وسردت روايات تم تكذيبها فيما بعد من طرف الشخصيات التاريخية التي عايشت الأحداث عن قرب أو صنعتها. وكانت بداية الدعوة إلى كتابة تاريخ الثورة الجزائرية في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد في نهاية سبعينات القرن الماضي وبداية الثمانينات، فانطلقت حركة التأريخ للثورة الجزائرية لتتوقف بشكل نهائي بعد أحداث أكتوبر .1988 وحسب المتتبعين، فإن تلك الكتابات لم تنصف الثورة بالنظر إلى سطحيتها وخضوعها إلى معايير واعتبارات تعكس خصوصية تلك الفترة، لتتوقف عملية التأريخ بصفة نهائية مع بروز الأزمة الأمنية التي غرقت فيها البلاد سنوات التسعينات. وبعدما تعافت الجزائر من تلك الأزمة برزت ''موضة'' كتابة المذكرات التاريخية التي بادرت إليها شخصيات شاركت في الثورة. وبينما وصفت بعض تلك المذكرات ب''الذاتية''، عكست أخرى حقيقة التاريخ الجزائري. كما شهدت الأربعون سنة الماضية تدفقا هائلا للمذكرات التاريخية أهمها مذكرات الشيخ خير الدين وأحمد توفيق المدني وأحمد طالب الإبراهيمي التي صدرت في جزأين تحت عنوان ''مذكرات جزائري''، إضافة إلى مذكرات محمد الصالح الصديق ومصالي الحاج وفرحات عباس وعضو الحكومة المؤقتة محمد حربي وحسين آيت أحمد ''مذكرات رجل سياسي''، حيث سجلت جميعها مختلف التصورات للعمل السياسي والحزبي في مسيرة الحركة الوطنية والثورة التحريرية. وفي الوقت الذي اعتبرت مذكرات الرائد لخضر بورقعة ''شاهد على اغتيال الثورة'' وعلي هارون وعيسى كشيدة وأحمد محساس؛ ''إعادة اكتشاف وقراءة للثورة الجزائرية''، برزت حقائق جديدة عن سير مفاوضات ''إيفيان'' بين قادة الثورة والسلطات الاستعمارية في مذكرات كل من محمد حربي، ورئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام وسعد دحلب وبن يوسف بن خدة ورضا مالك. وبين هذا وذاك، برزت مذكرات الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة علي كافي التي تعد محاولة لكشف بعض الحقائق التاريخية خلال مسيرته كقائد ميداني أثناء الثورة، غير أن هذه المذكرات اصطدمت بردود فعل واسعة بين بعض المنتسبين إلى ''الأسرة الثورية''. واعتبر المراقبون أن مذكرات علي كافي كان يمكن لها فتح نقاش واسع يكشف الكثير من الحقائق خصوصا أن الرجل ''اعترف'' ببعض الأشياء فيما يخص تعامل عبان رمضان مع الإدارة الاستعمارية ورأيه في الشهيد العقيد عميروش. وفي السياق ذاته، يعد الطاهر زبيري، وهو آخر قادة منطقة الأوراس التاريخية، من بين اللذين سجلوا شهاداتهم عن الثورة الجزائرية عبر مذكراته التي وصفت ب''اللاحدث'' كونها لم تتضمن شيئا جديدا عدا الإشادة بمناقب وشجاعة صاحبها في مجابهته لجنود الاحتلال الفرنسي. من جانبه ، سجل الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي شهاداته عبر مذكراته ''يوميات جزائري'' تناول فيها مساره ودخوله معترك السياسة كمثقف نقدي ومتمرد على السلطة الاستعمارية منذ طفولته في مرحلة أولى ككاتب في جريدة ''المسلم الشاب'' بين 1952 و1954 التي كانت تعبر عن أفكار شباب ''جمعية العلماء المسلمين'' التي أسسها والده الشيخ البشير الإبراهيمي رفقة الشيخ عبد الحميد ابن باديس. وما يثير الانتباه في تلك المذكرات هو أنها تطرقت إلى الخلافات التي نشبت بين قادة الثورة التي انتهت ببروز أزمة عميقة في صيف .1962 مشاطي يواجه محمد بوضياف تشكل المذكرات التي أصدرها عضو مجموعة ال 22 ومسؤول فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا محمد مشاطي سنة 2009 عن ''منشورات الشهاب'' تحت عنوان ''مسار مناضل''، نقطة المواجهة الحقيقية مع ''التاريخيين'' أو الأسرة الثورية التي انتفضت ضدها بعدما أحدثت زوبعة وسط المجاهدين، خصوصا أن الرجل وصف بعض مراحل الثورة الجزائرية ب''الصعبة'' لأنها تميزت بحب الزعامة مما أحدث انشقاقات بين القادة في البداية. وعاد مشاطي في تلك المذكرات إلى مراحل تأسيس حزب الشعب الجزائري والمنظمة السرية، مسلطا الضوء على الصراع الذي كان قائما بين أتباع مصالي الحاج والمركزيين الذي أدى إلى انقسام الحركة الوطنية وتشتيت عناصرها في بداية الخمسينيات بعدما ندد مصالي في مؤتمر 53 ب''سياسة الإقصاء''. وفي فصول أخرى، كشف المجاهد الخلاف الذي كان بين حسين لحول ومحمد بوضياف وقيام هذا الأخير بتشكيل اللجنة الثورية للوحدة والعمل لإعادة توحيد الصفوف والانطلاق في العمل المسلح، مؤكدا أن عناصر قسنطينة لم يكونوا على اتفاق مع بوضياف ومنهم بوعلي سعيد وملاح رشيد، لأن قرارات بوضياف كانت ''ديكتاتورية''. ومضى أكثر من ذلك حين قال إن بوضياف كلفه بإصدار القائمة الاسمية التي تحضر اجتماع العاصمة؛ فقام بتشكيل مجموعة ال 21 وتم اختيار الأسماء المعروفة بعد إضافة كريم بلقاسم ممثلا عن منطقة القبائل، غير أن أوراق الإثبات تمت فيما بينهم دون كشفها علينا، وهذا ما يؤكد على أن ''التلاعب'' في الانتخابات كان موجودا منذ الثورة، مضيفا أن ''الشك بدأ يدخلنا خاصة بعدما علمنا أن عبد الرحمن قراص لم يتم إبلاغه ولم يحضر الاجتماع، بينما طلب محمد بوضياف من هذا الأخير العودة إلى فرنسا، غير أن قراص أصر على النزول إلى قسنطينة، واعتقد بأن اجتماع العاصمة كان غرضه تصفية الأجواء بين المصاليين والمركزيين إلى أن تبين له أن هدفه تفجير ثورة التحرير، وهنا يقول مشاطي، قرر عبد الرحمن قراص الاجتماع من جديد مع بوضياف الذي رفض الحضور وراح يهدد كل من يخالفه لأنه أراد الإنفراد بالثورة لوحده. وبعد هذه الشهادات، خرج ناصر بوضياف، نجل الرئيس الراحل، ليرد على مشاطي بالقول إنه يملك شهادات لم يسبق نشرها، ووصف ما ذهب إليه عضو مجموعة ال 22 ب''الإدعاءات التي لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى المصداقية''، مؤكدا أن محمد بوضياف توجه رفقة بن بولعيد وكريم بلقاسم إلى العلمة، للطلب من نائب قسنطينة عن الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية محمد لمين دباغين الالتحاق بالثورة وكان موافقا رغم استفساراته الكثيرة حول الإمكانيات المتوفرة للقيام بالثورة، لكن بعد لقائه في العاصمة، جاء رفقة بوقادوم ''سي الحواس'' وأعلن رفضه الانضمام إلى المجموعة، كون الوقت غير مناسب، مضيفا أن نفس الموقف تكرر مع عبد الحميد مهري ودماغ العتروس و مولود قاسم ومع أعضاء من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذين رفضوا في البداية الانضمام إلى الثورة ومجموعة الست. هل أنصفنا ثورة التحرير؟ بناء على ما سبق، نسجل أن التأريخ للثورة الجزائرية لم يكن كافيا للإلمام بها وأن بعض ما كتب رغم أهميته، إلا أنه في نظر المراقبين، أثار الجدل بدل أن يسلط الضوء على الحقيقة أو يجانبها، وهنا برزت مرة أخرى دعوات للتأريخ لهذه الثورة من جديد أو إعادة النظر فيما كتب. وفي آخر هذه الدعوات، أطلقت وزارة الدفاع الوطني مبادرة جديدة تهدف إلى كتابة التاريخ العسكري من خلال جمع وتوثيق وكتابة وقائع ومعارك الثورة ومختلف الجوانب المتعلقة بجيش التحرير والثورة التحريرية. وفي هذا الإطار دعت كل المجاهدين للمشاركة في المشروع ل''إحباط أي محاولة جديدة لتزييف تاريخ الثورة الجزائرية''، وذلك بينما كلفت مديرية الاتصال والإعلام والتوجيه بوزارة الدفاع؛ بإعداد سلسلة تاريخية عسكرية بالاعتماد على شهادات المجاهدين. وحمل هذا المشروع شعار ''ساهمتم في التحرير فساهموا في التخليد''. وتعتمد السلسلة التاريخية على جمع مذكرات تتكفل وزارة الدفاع بكتابتها وطبعها. ويأتي هذا المشروع في هذا الوقت بالذات، كمحاولة للرد على حملات التشويه والإساءة التي طالت الثورة الجزائرية ورموزها من طرف العديد ممن يوصفون ب''المؤرخين'' الفرنسيين الذي أصدروا في السنوات الأخيرة كتبا مسيئة للثورة وتصور أحداثها وفق نظرة المستعمر في ظل قلة المصادر التاريخية التي كتبها جزائريون. الثورة التحريرية في الأدب الجزائري ظلت الثورة الجزائرية منذ انطلاقتها إلى غاية الاستقلال وسنوات ما بعد الاستقلال موضوعا للعديد من الأعمال الأدبية الجزائرية والعربية وحتى العالمية، حيث كتبت آسيا جبار ''أطفال العالم الجديد'' وكتب محمد ديب رائعته ''الدار الكبيرة'' وغيرها من الأعمال. كما كتب الأدباء الأجانب أيضا عن هذه الثورة كل وفق تصوره ونظرته إليها، فمؤخرا لجأ الكاتب الفرنسي ''لورون موفيلييه'' في روايته ''الرجال'' و''جون ميشال جيناسيا'' في روايته ''نادي المتفائلين الفاسدين''، لفتح ملف الثورة التحريرية والفترة الاستعمارية وحيثياتها التاريخية أو الاجتماعية أو النفسية، ولاقت هاتين الروايتين رواجا كبيرا في الشارع الفرنسي وحققتا أعلى مبيعات للكتب. كما أن هناك العديد من الكتب الأخرى على غرار ''فرنسيات من الجزائر في حرب التحرير'' لأندري دور أوديبار و''بروز النخبة الجزائرية 1850- ''1950 و''سطيف ..1945 تاريخ مجزرة معلنة'' ل''جان لوي بلانش''. عشرات العناوين التاريخية في معرض الكتاب لا يزال الكتاب التاريخي يحقق أعلى المبيعات في مختلف التظاهرات على غرار معرض الجزائر الدولي الحالي للكتاب، حيث نجد عشرات العناوين في مختلف الأجنحة على غرار ''منشورات الوكالة الوطنية للنشر والإشهار''، حيث نجد مثلا في إطار سلسلة ''أصوات مناهضة للاستعمار'' التي نشرتها المؤسسة؛ كتب ''الثورة الجزائرية عبر النصوص'' للكاتب الفرنسي ''آندريه ماندوز'' مترجما إلى العربية و''محاكمة الاستعمار'' للمحامي الفرنسي الشهير ''جاك فرغاس'' و''خطاب حول الاستعمار'' ل''إيميه سيزار'' و''حربنا'' ل''فرنسيس جانسون''، بالإضافة إلى كتب تاريخية لجزائريين على غرار ''جزائر الجزائريين..تاريخ الجزائر من 1830 إلى ''1954 للراحل محفوظ قداش، وهو باحث في التاريخ ومن قدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية. وفي سياق كتابة التاريخ الجزائري، تعمل ذات المؤسسة على تجسيد ''مشروع رئيس الجمهورية'' لتسجيل شهادات المجاهدين وجرد كل الوثائق المتعلقة بالثورة لطباعتها في شكل كتب ينجز من كل عنوان أكثر من 5000 نسخة، حيث كانت انطلاقة هذا المشروع منذ سنتين وتم خلاله إلى غاية الآن طبع مئات العناوين تعرض بصالون الكتاب.