«ضاع مستقبلي وحياتي ولم يبق لي أمل في الحياة، عوقبت مدى الحياة رغم أنني لم أخطئ في حق أي كان، هذا ظلم، على الدولة أن تراجع القوانين وتعيد لنا كرامتنا الضائعة وإدماجنا في المجتمع واسترجاع حقوقنا المدنية...". بهذه الكلمات قابلنا "حكيم.ل" بمقر سكناه ببلدية أحمر العين في ولاية تيبازة، شاب يبلغ من العمر 39 سنة بوجه شاحب وملامح تعبر عن الكثير من الآلام والمعاناة التي يتخبط فيها منذ سنوات طويلة، فكلمات حكيم التي قالها لنا هي الكلمات نفسها التي قد يقابلنا بها العشرات من الشباب الذين كانوا قد أدخلوا السجن جريمة سواء عمدا أو خطأ أو بتهمة وقضية باطلة لفقت لهم فوجدوا أنفسهم بعد الإفراج عنهم تائهين في الشارع فلا عمل ولا إدماج ولا كرامة ولا تعويض حتى بعد الحصول على البراءة، فيجد حكيم ونظراؤه أنفسهم بين مطرقة نظرة المجتمع إليهم وسندان الحقوق المدنية الضائعة والبطالة التقنية، إذ تحرمهم المؤسسات العمومية العمل أو المشاركة في مسابقات التوظيف بسبب ما يكتب في صحيفة السوابق العدلية بأن المشارك قد دخل السجن. روبورتاج: كمال لحياني حكيم روى لنا قصته فقال "محكمة حجوط أصدرت في حقي حكما بأربع سنوات سجنا نافذا في سنة 1998 بعد أن وجهت لي تهمة تتعلق بتموين الإرهاب والتستر على مكان تواجد مجموعة إرهابية في منطقة "بورقيقة" في ولاية تيبازة، حصلت بعدها على البراءة بعد سنة من دخولي السجن إثر تحقيقات قامت بها مصالح الأمن بينت أن لا علاقة لي بالإرهاب، غير أنني إلى غاية اليوم لم أحصل على التعويض المادي والمعنوي من العدالة الجزائرية"، ويضيف حكيم "كنت أجهل في ذلك الوقت إجراءات إعادة الاعتبار التي تؤدي إلى حذف الأحكام الصادرة ضدي من صحيفة السوابق العدلية، فوجدت نفسي في رحلة عذاب للحصول على منصب عمل فكل الملفات التي أتقدم بها للمشاركة في مسابقات التوظيف يتم رفضها بسبب قضيتي السابقة، فتوجهت إلى المحكمة وقمت بالإجرءات اللازمة إلا أنني تفاجأت بقرار العدالة الذي يجبرني على الانتظار ثلاث سنوات من تاريخ إيداع الملف للحصول على صحيفة سوابق صافية وخالية من أي حكم قضائي حسب القوانين". حكيم الذي اعتمد على قوته الجسدية وأصبح عاملا في ورشات البناء والحفر بطريقة غير قانونية عند المقاولين الخواص، غير مؤمن اجتماعيا فسيحرم على الأقل في هذه الفترة من التقاعد أو تعويض مستحقات العلاج والدواء والعطل السنوية، حيث أصبح هم حكيم الوحيد هو الحصول على قوت يومه بدل الاستلام أو التفكير في احتراف اللصوصية أو العودة إلى الإجرام كما يحصل مع الكثيرين. إذا كان حكيم محظوظا لان الله حباه بجسم قوي وقوة جسدية تسمح له بممارسة أي نشاط يدوي شاق إلا أن الكثير من خريجي السجون لا يستطيعون العمل في هذه الورشات فيبقى مستقبلهم غامضا، ومن هؤلاء "محمد.ب" القاطن ببلدية القليعة في ولاية تيبازة الذي كان قد شارك مع مجموعة من الشباب في تحطيم ممتلكات عمومية في إحدى الاحتجاجات فألقت عليه مصالح الأمن القبض وتم إيداعه السجن بعد صدور حكم قضائي من محكمة القليعة في ولاية تيبازة، التقيناه جالسا في مقهى بعد أن عرفنا عليه أحد الأصدقاء فلم يتردد في البوح بما يعانيه فقال أن مستقبله مرهون بمدة انتهاء إجراءات رد الاعتبار التي ذكرناها سابقا "حصلت على شهادة ليسانس في التسيير من جامعة البليدة وأعيش في بطالة بسبب وثيقة". محمد قال إنه يمارس تجارة خفيفة في الأسواق الأسبوعية أو أماكن البيع اليومية ويقوم بالنشاط في تجارة الهواتف النقالة التي لا تدر عليه أموالا كافية لضمان العيش الكريم. أضاف محمد أنه تعرض لإغراءات كثيرة من طرف بعض العصابات للدخول في نشاط ترويج المخدرات وبعض الأعمال المشبوهة إلا أنه رفض ذلك، وأبى إلا أن ينتظر صفاء وثيقة السوابق العدلية للعودة إلى الحياة الطبيعية والمشاركة في مسابقات التوظيف والحصول على وظيفة ثابتة تسمح له ببناء مستقبله الاجتماعي والمهني. مطالب بحذف صحيفة السوابق العدلية من ملفات التوظيف وتفعيل آليات جديدة لإدماج خريجي السجون تنادي العديد من الأطراف والمنظمات المهتمة بشؤون المسجونين وخريجي السجون بضرورة إعادة النظر في بعض القوانين الخاصة بمسابقات التوظيف من أجل منح الفرصة لبعض المواطنين الذين ارتكبوا أخطاء في حياتهم للاندماج من جديد في الحياة الاجتماعية والاستقرار وتكوين أسرة والتخلص من هاجس البطالة والفقر. يرى العديد من الفاعلين في قطاع حقوق الإنسان أن الاعتماد على صحيفة السوابق العدلية في الحكم على الأشخاص وعلى سلوكاتهم والحيلولة بينهم وبين الاندماج سياسة قد تجاوزها الزمن ويجب الاعتماد حاليا على آليات جديدة لمساعدة هؤلاء ليكونوا مواطنين إيجابيين في المجتمع، ومنعهم من العودة إلى الإجرام من جديد لأن الكثير من خريجي السجون ليجدوا أنفسهم في حلقة مفرغة يكونون أهدافا سهلة لبعض عصابات ترويج المخدرات وعصابات السرقة لاستقطابهم. وكانت المنظمة الوطنية لإعادة إدماج المحبوسين التي يرأسها المحامي عمار حمديني قد طالبت وزارة الداخلية ووزارة العدل بالسعي للتخلي عن صحيفة السوابق العدلية في مسابقات التوظيف وتفعيل آليات ناجعة لإعادة إدماجهم داخل المجتمع. فبالرغم من بعض المبادرات التي قامت بها الدولة في هذا المجال والمتمثلة في منح فرصة للمسجونين للتكوين في شتى المجالات داخل السجون والحصول على شهادة تؤهلهم لكسب قوتهم بعد الخروج من السجن بالحرفة التي يتعلمونها، غير أن هذه الإجراءات تبقى غير مجدية وفعالة في نظر الكثيرين لأن هؤلاء لا يستفيدون من التأمين والتقاعد مستقبلا بل يكون نشاطهم الحرفي في الحياة المدنية مجرد وسيلة لكسب قوت يومهم والتخلي عن السؤال والتسول. ودعا الأستاذ حمديني في تصريحات صحفية إلى إعادة النظر في سياسة التوظيف في الجزائر وخاصة الوظائف الصغيرة وإلغاء شهادة السوابق العدلية أو توقيع اتفاقيات ين إدارة السجون والمؤسسات العمومية من اجل تسهيل عملية إدماج المساجين فبات من الضروري حسب حمديني أن تقوم الجهات القضائية بإلزام الشركات والمؤسسات بتوظيف نسبة من الشباب الخارج من السجون فالكثير من المسجونين يتم تكوينهم ومنحهم شهادات تأهيلية ليصطدموا في الخارج بواقع مرير يتمثل في رفض توظيفهم وهذا الواقع هو أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع بخريجي السجون للعودة إلى الإجرام. وشدَد رئيس منظمة إدماج المساجين على أن مشكل صحيفة السوابق القضائية هو العائق الأول والوحيد في وجه تطبيق سياسة إدماج خريجي السجون، وكذا طول فترة الانتظار فيما يخص قضايا رد الاعتبار، حيث إن الجهل بالقانون والإجراءات التي تخص طريقة مسح السوابق من الصحيفة، يعتبر من أهم العوائق التي تواجه خريجي السجون. وأضاف حمديني أن الكثير منهم لا يعلمون أنه يجب الانتظار ثلاث سنوات بعد دفع المصاريف القضائية للتخلص من السوابق في الصحيفة، حيث يضطر أغلبهم إلى الانتظار بعد الخروج من المؤسسة العقابية خمس سنوات للتقدم أمام المحاكم لرد الاعتبار ومنهم من يرفض العودة مجددا إلى المحكمة للاستفادة من حقوقه المدنية. قال المدير العام لإدارة السجون "مختار فليون" إن ما يقارب 11800 سجين على المستوى كل ولايات الوطن قد استفادوا من برامج إعادة الادماج بفضل الآليات الجديدة المتمثلة في منح القروض المصغرة لفتح ورشات بعد الحصول على شهادات داخل السجون لأن العفو الرئاسي يعطي الأولوية لأصحاب الشهادات.وأوضح المتحدث أن 90 جمعية انخرطت في مسعى الإدماج الاجتماعي، معتبرا مساهمة المجتمع المدني في المرافقة والنشاطات التوعوية له أثر إيجابي في تقليص ظاهرة العودة إلى الجريمة. وأضاف المسؤول أن الجزائر من خلال قوانينها حرصت على ضمان إعادة إدماج المفرج عنهم باستحداث "مصالح خارجية تابعة لإدارة السجون ومصالح وزارة الداخلية التي يبلغ عددها 12 مصلحة عبر الوطن، مشيرا إلى انه يتم حاليا تهيئة 14 مصلحة لتغطية كافة الولايات. وثمنت الممثلة المقيمة لبرنامج الأممالمتحدة للتنمية، رندة أبو الحسن، التجربة الجزائرية في ميدان الإدماج الاجتماعي للمساجين ووصفتها ب«الرائدة" حيث اعتبرت أن التجربة الجزائرية بالرغم من حداثتها فهي متطورة مقارنة بالشرط الأوسط. من جهته قال المختص في علم الاجتماع الأستاذ حسان عيط إن عدم متابعة خريجي السجون نفسيا واجتماعيا ومهنيا يجعلهم يحسون بالإقصاء الاجتماعي والتهميش والقهر، فزيادة على نظرة المجتمع السيئة إليهم خاصة في بعض المناطق الجزائرية التي لا تزال تعتمد على المجتمع القبلي في التربية، يعتبرون أن خريج السجون قد جلب العار للعرش، وبالتالي يحس نفسه مرفوضا من طرف محيطه فيدفع به إلى الرحيل من المنطقة التي يقطن فيها او العودة إلى الإجرام من جديد انتقاما من الواقع الذي يعيش فيه خاصة بعد أن كان قد احتك بالعشرات من الشباب داخل السجن. ويرى الأستاذ أنه حان الوقت لتجنيد كل المختصين في مجال علم الاجتماع وعلم النفس من اجل متابعة خريجي السجون وإعادة إدماجهم من جديد.