رغم مشاريع السكن التي تسخرها الدولة لصالح المواطنين، إلا أن البيوت القصديرية في الجزائر خصوصا في المدن الكبرى تتكاثر مثل الفطريات، وتعرف تناميا غير مسبوق في بعض حواف الوديان والمناطق القريبة من قلب العاصمة، ومن بينها البيوت القصديرية التي تحاصر ''بلكور'' جنب المصعد الكهربائي غير بعيد عن مقام الشهيد وحديقة الحامة· تتجمع عدة بيوت قصديرية في حي ''العقيبة'' ببلدية بلوزداد بين ''بلكور'' العريق والتاريخي و''رويسو''، يلاحظها كل من اقتنى تذكرة ''التيريفيريك'' ب20 دينارا ليصعد إلى ''المدنية''، بيوت مبنية بالطوب والحجارة والإسمنت والبلاستيك وتحاصر كل العمارات التي بنيت قبل استقلال الجزائر· بين السماء والأرض وما يلفت الانتباه في هذا التجمع القصديري، انتشار الأوساخ والمهملات هنا وهناك، بل أصبح عبارة عن مفرغة عشوائية في قلب العقيبة ويحاصر بلكور في الأعلى ويطل على الجزائر العاصمة من الأسفل· بالرغم من أن حملة تهديم البناءات الفوضوية والقصديرية قد انطلقت منذ أكثر من سنتين هنا في الجزائر العاصمة وغيرها من المدن الكبرى التي تعاني من وجود أحياء قصديرية، وإعادة إسكان قاطنيها، إلا أن هذه البيوت تتكاثر وتتنامى أمام غلاء المعيشة من جهة وغلاء ثمن الإيجار فضلا عن تعطل مختلف المشاريع السكنية· ويشتكي سكان هذه البيوت القصديرية من انعدام شروط الحياة الكريمة وغياب النظافة ووسائل العيش كالغاز والكهرباء والماء على وجه الخصوص إلا أنهم يصارعون يوميا الظروف غير الإنسانية ولكنها عبارة عن جرعة أمل يومي تعطى لهم لأجل الحصول على مسكن لائق مثل سابقيهم· كما يستغل السكان في هذا الحي المترامي على هضبة تفصل بين بلكور والمدنية وجود الإنارة العمومية المخصصة للأحياء المجاورة لإيصالها عشوائيا بمنازلهم البسيطة· وبطبيعة الحال فإن العيش في مثل هذه الأحياء يجعل السكان يعانون يوميا، خاصة فيما يتعلق بالأمراض التي تسببها البيوت التي تفتقر للتهوية والإضاءة، وهو ما أكده أحد السكان في تصريح ل''البلاد''، إذ وصلت معاناته إلى أقصى حد، لأن أولاده الثلاثة يشتكون من مرض الربو، وهي مشاكل دفعته إلى إيصال شكواه في عدة مرات عبر الجرائد والصحافة التي لجأ إليها للحصول على مسكن لائق ولكنه منذ عشر سنوات وهو يسكن البيت القصديري بعدما هرب من الإرهاب بمنطقة ''سيدي موسى'' بالبليدة ليجد نفسه اليوم وبعد عشرية كاملة يصارع الموت البطيء هو وأولاده· آمال هذا الأب تبخرت، أمام تماطل السلطات في منحه مسكنا لائقا على حد تعبيره، وهو اليوم ينتظر مثله مثل بقية العشرات من العائلات التي تعيش في هذا الحي القصديري أن تهبهم الدولة مسكنا·ومن جهة أخرى، ردد العديد من سكان الحي القصديري الذي يطل على حي ''العقيبة'' ب''بلكور'' أنهم أصبحوا يتعايشون مع الظروف وينتظرون تنفيذ الوعود وفي رأيهم أن السلطات المحلية عندما تهدم لهم بيوتهم القصديرية التي بنوها منذ سنوات وبإمكانياتهم البسيطة سيتم تعويضهم بسكنات لائقة وهو ما تفطن له الكثيرون· وعندما تسأل أي ساكن في تلك البيوت القصديرية فإنه يرد ''ثمن السكن في الجزائر مرتفع جدا ولا يمكن لأي عامل أو موظف في شركة مهما كانت أجرته الشهرية أن تتيح له إمكانياته المادية أن يشتري سكنا أو حتى يفكر في بناء منزل فكل شيء ارتفع ثمنه الحديد والإسمنت ، والطوب وغيرها من المواد الأولية التي يحتاجها أي كان للبناء''·والغريب في الأمر أن أغلب سكان الحي القصديري لا يأبهون بالسياسة، لأنهم وعلى حد تعبير أحدهم يرون أن الساسة والأحزاب لا يهتمون بمشاكل المواطن الجزائري إلا عند الانتخابات، لذا يطالبون الهيئات العليا بالتدخل وإخراجهم من الظلام إلى النور· أما عن أحلامهم فهي منحصرة في تحسين وضعيتهم المعيشية· الخوف من الانحراف·· والمستقبل المنظر رائع ونحن نصعد من ''بلكور'' بالمصعد الكهربائي فنشاهد العاصمة من شرقها إلى غربها ونشاهد أيضا البحر بزرقته والسفن وهي رابضة في ميناء الجزائر، ولكن عندما نولي أبصارنا نحو الأسفل نشاهد تلك البيوت القصديرية التي تضاعف عددها كالفطريات فهو أمر محير حقا ويجعلنا نتساءل متى يرى هؤلاء النور؟ ومتى تتخلص الجزائر من أزمة خانقة اسمها أزمة السكن؟ كثير من الأولياء يعانون في هذه البيوت القصديرية، وهم يرون فلذات أكبادهم يخرجون من الدراسة إلى الشارع، وكيف يحول الفقر أولئك الأولاد إلى طريق الانحراف· هي حقيقة لا يمكن أن نتجاهلها، بل الأدهى والأمر من كل ذلك أن سكان الحي القصديري عبروا من خلال تصريحاتهم المريرة أن معاناتهم تجاوزت مطلب السكن بل تعدت ذلك بدايتها اللهث وراء مشاكل يومية يصنعها الفقر والبطالة وضيق المسكن أيضا· عندما توجهنا إلى أحد البيوت القصديرية المشكّلة من غرفة ورواق صغير، رددت ربة البيت أنها لا تفكر في شيء سوى كيف تنقذ أولادها من الانحراف وأن توفر لهم لقمة العيش، فالمأكل والمشرب والملبس همها الوحيد لأنها تعرف أن الجريمة تفشت خصوصا في مثل هذه الأحياء بعدما ضاقت المعيشة واستشرى الفقر في وسط تلك البيوت· يقول أحد السكان إنه عندما تدخلون تلك البيوت القصديرية تعرفون معنى العيش في تلك الظروف، فالفقر في الكثير من الحالات لا ينجب سوى الانحراف· هل يمكن أن نتصور تلك المشاكل التي تقع في مثل الأحياء؟ فالكثير منها مرتبط بضيق فضاء العيش، بيوت صغيرة في المساحة، تتكدس فيها الأجساد البشرية، فضلا عن وجود أمراض تخلقها الرطوبة الكبيرة وانعدام التهوية، بالإضافة إلى مشاكل مرتبطة بالبطالة التي تدفع الشباب إلى تعاطي المخدرات والانخراط في شبكات للإجرام وهي مشاكل يمكن أن تنتج العديد من الظواهر الاجتماعية التي تهدد الأسرة الجزائرية·