رغم الكم الهائل من المشاريع السكنية التي استفادت منها ولايات الوطن بما فيها العاصمة، ورغم قرار رئيس الجمهورية في إنشاء أزيد من مليون وحدة سكنية، إلا أن العاصمة الجزائرية كادت في الآونة الأخيرة أن تصبح عاصمة للقصدير بعد أن انتشرت فيها بيوت الصفيح بشكل يثير الإنتباه مما طرح العديد من التساؤلات عن كيفية ظهورها مع العلم أنه تم استصدار العديد من القرارات لمنع تزايدها، خاصة بعد أن أصبحت وسيلة للنصب على الدولة حتى من طرف الأثرياء ناهيك عن تشويهها للمظهر العام للمدن . ومن أجل تقصي الحقائق من الميدان مباشرة إتجهت "الأمة العربية "في جولة مطولة إلى أقدم الأحياء القصديرية بالعاصمة في كل من" براقي" و"عين النعجة" و"جسر قسنطينة " حيث وقفت على حقائق يقشعر لها البدن،وواقع مرير ومخيف، ترجمته شكاوى المواطنين الذين صادفناهم، وصورا لواقعهم المزري الذي يفتقد لأدنى شروط الحياة كالماء الصالح للشرب والوثائق الإدارية،والرعاية الصحية وحتى الهواء النقي وغيرها من الأمور الضرورية. كانت وجهتنا الأولى في هذا التحقيق إنطلاقا من "حوش بيقة1"التابع لبلدية" براقي "شرق العاصمة، حيث يوجد فيه أزيد من 130 عائلة معظمها هربت ذات يوم من جحيم الإرهاب الوحشي مثل المناطق الخطيرة التي شهدت مجازر جماعية ك"بن طلحة والرايس وسيدي موسى "وغيرها ليتلقفهم الفقر والتهميش، ودونما مبالغة عند دخولنا إلى هذا الحي القصديري فعلا سددنا أنوفنا لأننا لم نستطع التنفس لا من شدة الروائح الكريهة المنبعثة، من قنوات الصرف الصحي التي فاضت في العراء، أوحتّى الرائحة المنبعثة من داخل المنازل نظرا لإرتفاع شدة الرطوبة داخل البيوت، وهوما انعكس سلبا على صحة القاطنين بمختلف أعمارهم، الذين عبّروا عن سخطهم من الوضع المزري الذي لازمهم لسنوات، دون أن تتدخل أية جهة منتخبة على مستوى الولاية أوالبلدية، ومعظم العائلات التي صادفناها لا يعدم أي فرد من أفرادها من اصابته بمرض الربو والحساسية وغيرها من الأمراض الجلدية، مما كلفهم مصاريف باهظة رغم بساطة أحوالهم، وفي طريقنا صادفنا" الحاجة جميلة" التي تعتبر من أقدم القاطنين في" الحوش" فقالت لنا "أنا هنا منذ 87 لقد قدمت طلب سكن لدى السلطات المحلية لكن لحد الساعة لم أتلق أي رد"،كما أنه لا يخفى على القارئ أن معظم هذه البيوت القصديرية تحتوي على شبه غرفة واحدة فقط ما يضطر الجميع أي الأبوين والأبناء للمبيت سوية لتقول زهية "نحن نبيت كلنا داخل غرفة واحدة تخيلوا مع كل احتراماتي أننا أنا وزوجي صرنا كالأخوة لا أكثر"، ونحن نتكلم مع النساء تدخل رجال الحي ليدخلونا إلى منازل فعلا لا تليق بإنسان كما أننا ونحن نسير معهم كانت تفاجئنا بين الفينة والأخرى الفئران والجرذان وهي تتجول وكأنها صاحبة المنطقة، حتى أن اصطيادها بات اللعبة الوحيدة المسلية للأطفال بعدما انعدمت كل سبل الترفيه في وجوههم. وما أرهق أكثر سكان حي" بقة 1 " المياه التي غزت الحي بأكمله حتى أنها دخلت المنازل القصديرية وبللت كل الأفرشة والأغطية وملابس الأطفال مما ساعد على انتشار روائح كريهة جدا عجزت حتى الحماية المدنية التي تتدخل في كل مرة من إيجاد حل نهائي للمشكل، وليس بعيد عن كل هذا يفتقد حي" بقة 1 "حتى للمياه الصالحة للشرب حيث يضطر القاطنون إلى جلبه من مكان بعيد جدا بواسطة البراميل التي أصبحت ديكور الحي، أما الكهرباء فنظرا لغياب الرقابة الكاملة لجأ السكان إلى " قرصنة" الخطوط القريبة منهم رغم خطورة الوضع الذي كاد أن يكلفهم في كل مرة حياة أولادهم خاصة في فصل الشتاء . ومن جانب آخر أسرت لنا بعض النسوة خلال جولتنا في " الحوش" أن العديد من النساء ممن فقدن اجنتهن جراء الوضعية المزرية التي يعشنها وعادة ما تكون الأسباب للروائح الكريهة وفيضان "الفضلات التي يخرجها القاطنون" وحتى الفقر المدقع وغيرها من الظروف التي قتلت الأجنة داخل بطون أمهاتهم إلى جانب الضغوطات الإجتماعية والنفسية التي أصبحت تؤرق الجميع جراء ستمرار الأوضاع . إلا أن الشيء السلبي الذي لمسناه في هذا الحي هووجود بعض الأطراف الاستغلالية التي قامت بشراء بيوت في الحي حتى تستفيد من السكن رغم امتلاكها لأماكن أخرى حيث أكد لنا أحد القاطنين أن هذه الجماعات اتخذت من هذه البيوت وسيلة للمتاجرة وبالتالي تشويه الحقائق وعدد العائلات التي يجب أن تستفيد منها حيث أنه خلال جولتنا صادفنا العديد من البيوت مغلقة ولا يوجد بها أحد فيما أكد القاطنين أن أصحابها يقصدونها فقط في حالة ما إذا سمعوا بوجود مراقبة من طرف السلطات. ومن حي "بيقة1 "كانت وجهتنا بذات البلدية إلى حي" بيقة 2 " الذي تغير إسمه إلى حي" سيدي صالح"المصنف على أساس انه من البيوت الهشة لأنه يرجع إلى العهد الاستعماري حيث توجد به حوالي 120عائلة سكنت المكان منذ سنوات الاستعمار، يقول الحاج سليماني "أنا هنا منذ الثلاثينيات حتى أنني في البداية كنت مع والدي الذي توفي وبعد أن تزوجت أصبح لدي 5عائلات بعد أن تزوج أبنائي داخل المنزل الواحد الذي نسكنه"،ويشتكي ذات الحي من العديد من ضروريات الحياة خاصة المياه الصالحة للشرب وغياب قنوات الصرف الصحي، والغريب في الأمر انه في البداية قررت السلطات المحلية أن توفر للحي حسب معلوماتنا أنابيب الصرف الصحي لكن تبين بعد ذلك أن المديرية العامة للأمن للوطني قررت إقامة مقر أمن حضري بالحي وعوض أن يستفيد هؤلاء من الأشغال تحولت إلى المصالح الأمنية واليوم القاطنون يعانون، لكن ما شد انتباهنا أكثر في الموضوع ونحن نقوم بهذه التغطية الميدانية هو الواد الكبير الذي يمر تحت بيوت الحي والقادم من مناطق مثل" حمام ملوان "و"الأربعاء "ذهابا إلى ما يعرفه الجميع ب"واد الحراش"، وهنا طرحنا تساؤلات للقاطنين إذ كيف لا يخافون من غدر"الوادي" خاصة في فصل الشتاء ليجيبنا الرجال الذين كانوا معنا بكل بساطة وكأنهم توقعوا منا السؤال "هذا الوادي الذي ترونه كاد أن يؤدي فعلا إلى كارثة حقيقية العام 58 عندما ارتفعت نسبته ووصلت حتى فاقت أعمدته لكن في تلك الفترة تفطن القاطنون وهربوا باتجاه المناطق المجاورة حفاظا على أرواحهم لكن بعد تلك الحادثة بأيام عادوا إلى منازلهم وزاولوا حياتهم اليومية بشكل عادي" ليضيف رفيق رئيس لجنة الحي "لم تتوقف ارتفاع نسبة مياه الواد عند هذا الحد لأنه أعاد لنا الكرة منذ ما يقارب العامين وطبعا صعدنا قليلا ثم عدنا وهذه هي حالتنا نعيش على هستيريا فيضان الواد، وربما لا جعله الله فألا، يتكرر معنا سيناريوفيضانات باب الواد طبعا كل هذا في ظل صمت السلطات المعنية التي ربما ستأتيننا عندما تحدث الكارثة". ومن بلدية " براقي "كانت وجهتنا مباشرة إلى " جسر قسنطينة "و"عين النعجة" حيث توغلنا في الأحياء القصديرية المقابلة للسوق وهوالحي القصديري المعروف بحي "المالحة رقم2" حيث تتواجد به أكثر من 80 0عائلة، غير أن اللافت للانتباه أن هذا الحي تلقى من قبل وعودا كثيرة من قبل السلطات المسئولة على رأسها الوزير الحالي للبيئة والسياحة شريف رحماني وهنا قال "عمي محمد" أحد قدما الحي "في سنة 1997زارنا شريف رحماني الذي كان آنذاك والي محافظة الجزائر الكبرى وفي تلك الزيارة قدم لنا مشروع 750 سكن لتم تنفيذه في الموقع محل الحي القصديري وعندما أطلق ذات المسؤول تلك الوعود بدأت السلطات في تنفيذ المشروع غير أن هذا الأخير لم ير النور ليومنا هذا بعدما نفذ منه 10 بالمائة فقط" ليبقى سكان حي" المالحة رقم2 "ب"جسر قسنطينة" يعانون هم الآخرون انعكاسات المعيشة داخل الأحياء القصديرية. من جهتهم سكان حي "المالحة رقم 1 "بذات البلدية الذين يصل عدد العائلات بهم إلى 200عائلة،يتكبدون نفس الشيء خاصة ما يتعلق بقنوات الصرف الصحي التي عندما تنفجر تدخل إلى المنازل حيث قالت "خديجة "مقيمة قديمة"لقد قررت السلطات منذ فترة أن تلتفت باتجاهنا ولوالتفاته صغيرة وهذا عن طريق وصل بيوتنا بأنابيب لقنوات الصرف الصحي، لكن فرحتنا لم تكتمل حيث والعمال يقومون بالحفر، سقط واحد منهم داخل الحفرة أما صديقه الذي كان يقود الشاحنة فلم ينتبه له وأفرغ كل ما كان داخل الشاحنة فوق صديقة الذي مات على الفور ومنذ تلك الحادثة أي ما يقارب الشهرين نسي المعنيون أمرنا". أما مزرعة "كازناف" التي وجدنا فيها 15 عائلة، فحالتها أيضا لا تختلف عمن سبقها من الأحياء وجه الاختلاف الصغير جاء في تهديم بعض المنازل من أجل فتح طريق منذ 5سنوات حيث وعدت السلطات المحلية آنذاك العائلات التي هربت من الإرهاب بإسكانها لكن يقول القاطنون "لحد هذا اليوم لم نر أيا من تلك الوعود طبقت على أرض الواقع". وخلال تحقيقنا الذي أجريناه من خلال جولتنا هذه شد انتباهنا الانتشار الملفت لعصبات المتاجرة بالبيوت القصديرية حيث تقوم ببنائها ثم بيعها للعائلات المحتاجة والتي يصل سعرها حسب من صادفناهم في طريقنا من 14 إلى 22 مليون وأكثر،كما أكد لنا بعض المواطنين أن هذه العصابات تقوم أيضا بتقديم ضمانات لمشتريها لتسجيل أسمائهم في قوائم الحي القديمة على أساس أنهم كانوا موجودين منذ زمن حتى يضمن استفادتهم من السكن في المستقبل . أما الملاحظة الثانية فهي السيارات الكثيرة التي تملأ تلك البيوت القصديرية وهي سيارات فعلا من النوعية الرفيعة وذات "ماركات "معروفة جديدة تقيم بالملايين لكن المحير والمثير للدهشة ان السائق يدخل بسيارته إلى بيته القصديري، وهنا نطرح سؤالا كيف لمن يمتلك مثل تلك السيارات التي تفوق 200 مليون سنتيم عوض أن يشتري مثلها كان الأفضل له أن يشتري بيتا له بمثل ذلك المبلغ؟ ناهيك عن الملابس الفاخرة وكما يقال آخر مودة لبعض البنات اللاتي يخرجن من تلك المناطق وهي ملابس إذا ما عادت للمحل فإنها تقيم بالآلاف. أما بالنسبة للحديث عن الآفات الاجتماعية التي تخرج أوتولد من رحم تلك الأحياء القصديرية فهي كثيرة ومتعددة إن لم نقل لا تنتهي أولها المخدرات وهنا أسر لنا مصدر أن الانتشار الواسع للمخدرات وإمكانية بيعها بكميات كبيرة داخل تلك المناطق يعود إلى المسالك الوعرة بما أن البيوت متلاصقة ومن جهة أخرى إلى تواطأ السكان مع البائع الذي يكون من داخل البيوت أوخوفا منهم إن كانوا عصابات،هذا عن المخدرات أما عن باقي الآفات الاجتماعية الأخرى فهي الدعارة لأن نسبة ليست قليلة من تلك البيوت حسب مصادرنا مصدر رزقها ومدخولها اليومي من الدعارة زيادة على باقي مظاهر الانحلال الأخلاقي. كل الأرقام المقدمة من طرف الجهات المسئولة عن الأحياء القصديرية هي أرقام في الحقيقة لا تدرك لحد الساعة حجم الكارثة الحقيقة المتواجد في هذه الأكواخ التي أصبحت في الوقت الراهن مصدر خطر للمسكين الساكن فيها لمعدل نموهذه الظاهرة وهذا طبعا يأتي كما قلنا بتواطؤ من قبل السلطات المحلية في بعض المناطق، وربما الأرقام التي لدى تلك الجهات نصفها لا يستحق فعلا أن يستفيد من السكنات وهذا لأنه يستغل الظرف ليظفر بسكن آخر وهنا البعض أفسدها على البعض الآخر، وبين هذا وذاك يبقى المواطن الجزائري الذي يعيش داخل الأحياء القصديرية والذي فعلا يحتاج إلى التفاتة حقيقة من قبل المسئولين، يعاني الويلات ولا تشبه حياته حياة الآخرين وهذا عن تجربة بعد ما عشناه معهم ليوم واحد،رغم الوعود بالقضاء علىها إلا أن هؤلاء يبقون لحد كتابتنا هذه الأسطر ينتظرون هذه الساعة بفارغ الصبر.