لم يكن في حسبان الشاب ياسين أن تكون نهاية أي مغامرة سيقوم بها مأساوية، لكنه عندما وقف أمام الأمر الواقع اكتشف أن حلم أي شاب، لا بد أن يصطدم يوما بعدة حقائق غير محسوبة العواقب، بدايتها عندما رفض ملفه للتسجيل في كلية الطب بعد حصوله على الباكالوريا لتنتهي به المحطة إلى الهجرة غير الشرعية بعدما فقد الأمل، ومن هنا بدأت المأساة دون أن تعرف نقطة النهاية· ياسين، 24 سنة، مثله مثل الشباب الحالم والباحث عن الوصول إلى القمة برمشة عين، مازال يتذكر اليوم الذي قرر فيه أني يقوم ب ''الحرفة'' أو الهجرة غير الشرعية، عندما نال شهادة الباكالوريا، ورغم نيله لتلك الشهادة بمعدل عالي سيدخله إلى الجامعة من الأبواب الواسعة والتي بفضلها سيحقق أمانيه إلا أنه واجه صعوبة التسجيل في كلية الطب، وهي النقطة التي دفعته للتفكير بتهور ليقوم بمغامرة في البحر بغية تحقيق آماله· من كلية الأحلام نحو البحر مأساة ياسين كانت منذ البداية فبعدما فقد الأمل في ولوج كلية الأحلام ولم يجد أمامه سوى التفكير بجدية في الهجرة غير الشرعية، بعدما كانت حلم والداه أن يرياه طبيبا أو جراحا متخصصا، مما جعله يجمع الدينار فوق الدينار لأجل دفع ثمن الهجرة غير الشرعية على مستوى قارب صغير، كان من المفترض أن يوصله إلى الضفة الأخرى، وطبعا كان متحمسا لخوض المغامرة وتنفيذ محاولته الأولى رفقة أصدقائه الشباب بعدما تعرف على عناصر الشبكة التي ستمكنه من تحقيق حلمه هناك في فرنسا أو في بلد أوروبي·ككل الشباب الذين كانت أحلامهم كبيرة، قام ياسين بجمع 13 مليون سنتيم، لأجل الرحلة البحرية المجهولة النهاية، لكن من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، كان يشتغل ليل نهار من أجل تدبير مبلغ المال المفترض تقديمه لشراء القارب رفقة أصدقائه الذين وجدوا هم أيضا آفاقا غامضة في الحصول على عمل يضمن لهم الكرامة في العيش أو إكمال الدراسة التي ستفتح لهم آفاقا واسعة رغم نقص المناصب وتفاقم ظاهرة البطالة· وللأسف، فإن محاولة هذا الشاب باءت بالفشل، فقد تم إيقافهم من طرف حراس السواحل البحرية وكادت هذه المحاولة أن تودي بحياته وهو ما حولهم إلى النيابة العامة والتحقيق أيضا، بل وأكثر من ذلك حكم عليهم بشهرين حبس نافذا، طبعا وفق قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية· فشل المحاولة والحكم القضائي أدى به إلى الرضوخ إلى الأمر الواقع والعودة إلى الدراسة والتسجيل في تخصص بمعهد الهندسة المعمارية بالحراش بالعاصمة ومرت خمس سنوات أخرى بعدما ضاعت سنة كاملة، لكن حلم العمل والهجرة مازال يراوده· صدمة أخرى ياسين كغيره من الشباب لديه الكثير من الأحلام، وكغيره من الشباب يحلم بعمل مستقر بعد الحصول على الشهادة التي ستمكنه من الحصول على وظيفة محترمة ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، لأن الشهادة لا تعني أنك حصلت على عمل وإيجاد وظيفة لا يعني أنك ستنجو من ماضي تلك المحاولة الفاشلة للهجرة غير الشرعية· نعم لقد اصطدم ياسين بالواقع فبعدما وجد فرصة عمل، وبدأ يعد لملف شخصي ليقدم إلى تلك الوظيفة ومن بين تلك شروط إعداد الملف، إيداع شهادة السوابق العدلية، وهي الشهادة التي كانت عبارة عن صدمة قاسية بعدما تم تسجيل الحكم في صحيفة السوابق العدلية وهو ما أدى إلى رفض ملفه وبالتالي فقدانه لوظيفة كانت حلمه الوحيد· الصدمة كانت قاسية على ياسين، بعدما وجد في كل أحلامه فشل وراء آخر، فلم يجد أمامه سوى أن يقول لا تخصص ولا أوروبا ولا عمل، فأين المفر إذا''، هي حالة من حالات الشباب في بلادنا، أغلقت في أوجههم الأبواب ويحاولون رغم ذلك إيجاد نقطة ضوء تقودهم إلى نتيجة إيجابية تتركهم متشبثين ببلدهم·