بقدر ما نكره فرنسا بقدر ما نحبها ، بقدر ما نحاول الانفصال عنها والهروب منها نجد أنفسنا في أحضانها مجددا ،لم تكن علاقتنا مع أي دولة في العالم جدلية كما هي مع فرنسا ، تختلط فيها عوامل التاريخ والجغرافيا والثقافة والسياسية والاقتصاد وحتى حركة الناس ومصالحهم. شاهدنا جميعا كيف شجع ملايين الجزائريين المنتخب البرتغالي في نهائي يورو 2016 ، وكيف خرج بعضنا يهلل لفوز فريق لا تجمعنا به أي رابطة سوى مواجهة فرنسا وغاية الفوز عليها ! شعبنا يتذكر فرنسا وجرائمها في الجزائر ويعلم أن الكثير من خيباته ومصائبه وآلامه مصدرها هذا البلد الذي جعلنا نعيش التخلف والتبعية بعد 132 سنة استعمار، وعقود من التآمر والتدخل ، في نفس الوقت يترحم الجزائريون على المدن الجميلة التي تركتها وجعلنها خرابا ...يترحم على طرقاتها وعلى سككها الحديدية وعلى نظامها العمراني والبيئي المحكم الذي عبثنا به بعد أن رحلت. حتى الشباب الذي يتفاخر بكرهه لها وخرج للاحتفال مع البرتغال ، يحلم في نفس الوقت بالهجرة اليها ليحظى بحياة كريمة ويتمتع بالحريات ودولة القانون وربما ليتزوج إحدى حسناواتها ! ، فتجد طوابير لا نهاية لها عند ابواب القنصليات الفرنسية لعله يحظى بتأشيرة ، كما يحرص على التحدث بلغتها كدليل تقدم وتحضر ! أقوى حزب وأقدم حزب "حتى قبل الافلان والافافاس" هو حزب فرنسا حسب اعتقاد الكثير من الجزائريين ، والذي للمفارقة لا نستطيع تحسسه ومشاهدته لأنه حزب مخفي اخترق المجتمع بكل أطيافه دون أن نتمكن من إثبات وجوده حاولنا على مدى عقود أن نتحرر من التبعية الاقتصادية لفرنسا ،فتوجهنا شرقا وغربا وجنوبا ، لكن في النهاية وجدنا أنفسنا نستنجد بالخبرة الفرنسية لتسيير المطار والترامواي والميترو ، وجدنا أنفسنا نبحث عن مصانع بيجو ورينو. مسئولون ورؤساء أحزاب ينتقدون فرنسا ويهاجمونا بمناسبة وبدون مناسبة ، لكن هذا لم يمنعهم من تملك شقق فاخرة في أرقى شوارع باريس ولم يمنعهم من إرسال أبنائهم للدراسة هناك ، وعندما يشيخون يذهبون للعلاج بمستشفياتها ، بل الغريب أن الكثير من العروبين والإسلاميين يفضلون باريس للاستجمام والتسوق. نخطئ كثيرا في تقدير أهميتنا بالنسبة للجانب الفرنسي ، الجزائر التي كانت في الستينات والسبعينات محورا رئيسيا في السياسة الفرنسية وملفا يحظى بالأولوية لدى سادة الاليزيه ، لم تعد بتلك الأهمية اليوم ، فرنسا تتطلع اليوم إلى أمريكا والاتحاد الاوروبي والصين واليابان والبرازيل ، حتى علاقاتها مع السعودية ودول الخليج أصبحت أكثر أهمية من علاقاتها مع الجزائر . ربما حان الوقت لنعامل هذا البلد كما يعاملنا ، وتكون علاقتنا على أساس المصالح المشتركة فقط ،دون شعارات وايديلوجيات ، ولنضع العواطف جانبا ، ربما حان الوقت لنتعلم من فرنسا وغيرها من الدول المتقدمة الجوانب المشرقة في حضارتها كالعلم والديمقراطية واحترام القانون والشفافية ، دون أن نقع في فخ التبعية والموالاة ، ربما حان الوقت لفرض أنفسنا على الفرنسيين وغيرهم ، من خلال قوة جبهتنا الداخلية، وازدهار اقتصادنا، وتمتع الجزائريين بالحرية والكرامة في بلادهم ، حينها ستتوقف الطوابير المهينة أمام القنصليات ، ولن نكون بحاجة للخروج للاحتفال بانهزام منتخب فرنسا لكرة القدم حتى نعبر عن أنفسنا ! أنس جمعة للتواصل مع الكاتب من خلال صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك": https://www.facebook.com/anesdjemaa/ أو من خلال البريد الإلكتروني: [email protected]