يقول المثل العربي " إذا أكرمت الكريم ملكته ...وإذا أكرمت اللئيم تمردا !" للأسف ينطبق هذا المثل على العلاقات بين الجزائروباريس ، فهاهي قناة فرانس 24 التابعة للدولة الفرنسية تقدم الانفصالي فرحات مهني كرئيس حكومة منطقة القبائل ، وهاهي وكالة الأنباء الفرنسية تسرب عمدا فيديو لاجتماع رئيس الوزراء الفرنسي فالس مع الرئيس بوتفليقة حيث بدا التعب والعياء على وجهه ، قبل ذلك صحيفة لوموند تدرج صورة الرئيس في فضيحة وثائق بنما رغم انه غير مذكور فيها لا من قريب ولا من بعيد ، والاهم من كل هذا الدعم الفرنسي المستميت للطرح المغربي في قضية الصحراء الغربية ،وتواضع المشاريع الفرنسية في الجزائر مقارنة مع المغرب ، ليكون أهم ما جاء في زيارة مانويل فالس اقامة مصنع للمايونيز في الجزائر ! قد نتساءل لماذا هذا الجفاء وهذه المعاملة من فرنسا والدولة الجزائرية تعاملهم كملوك وأمراء كلما حلوا عندنا ، فرئيس البلدية الفرنسي يستقبله الرئيس الجزائري ، تصوروا ان يستقبل فرنسوا هولاند مير بلدية الرغاية او بوسماعيل في قصر الاليزيه ! لماذا هذا الاستعلاء الفرنسي وهذا الحقد الاعلامي ، ونحن نعتبر أبسط صحفي فرنسي قديسا عندنا، فيحظى بمقابلة كل من يريد من مسؤولين واطارات ، وتمنح له التأشيرة في 24 ساعة ، وله كل الامتيازات والتسهيلات وحرية الوصول الى المعلومة والوثائق ، حتى طائرة الهيلكوبتر تم توفيرها للصحافة الفرنسية لتمنحنا شريطا وثائقيا "الجزائر نظرة من السماء" . كيف لا تحتقرنا باريس ونحن نعض على اللغة الفرنسية بالنواجذ ، وهي لغة لا علاقة لها بالعولمة والتطور ، وليست بأفضل حال من العربية ، حتى الفرنسيين أنفسهم أصبح اهتمامهم بالانكليزية كبيرا في التعليم والاقتصاد والتكنولوجيا ، بينما نصر نحن على الفرنسية ونجعلها ثابتا من ثوابتنا ، فالمسؤول الجزائري يتحدث بها بكل فخر واعتزاز ، والادارة الجزائرية تفضلها على العربية اللغة الرسمية ، كما أن النخبة السياسية والإعلامية وطبقة رجال الإعمال والمثقفين تعتبر التحدث بالفرنسية دليلا على التحضر والتقدم ! ووصل الأمر إلى منح مهمة الإصلاح التربوي من قبل بن غبريط ، إلى وزارة التعليم الفرنسية . ماذا ننتظر من فرنسا وقد جعلناها وسيطا بيينا وبين العالم ، فكل من يريد شيئا في الجزائر عليه أن يمر على باريس أولا ، وقد أقنعنا أنفسنا أننا مزرعة خلفية لباريس وندخل في مجالها الحيوي وفي منطقة نفوذها ، فالصحافة العالمية تأخذ أخبارها عن الجزائر من فرنسا ، والدول الكبرى تستشيرها قبل التعامل مع الجزائر ، وجعلنا علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي تمر على الاليزيه أولا ، رغم أن فرنسا ليست بالعظمة والقوة التي نتخيلها ،وهي تعاني من تراجع اقتصادي وحتى في تأثيرها السياسي والعسكري مقارنة بألمانيا والولايات المتحدة ودول البريكس . كلنا شعرنا بالاستياء من الشروط المجحفة التي تضعها الشركات الفرنسية قبل دخولها للسوق الوطنية ، لكن ماذا كنا ننتظر وقد وضعنا بيضنا كله في السلة الفرنسية ، ووصلتهم الرسالة أنهم أصحاب امتياز هنا ولا ينافسهم أحد على الكعكة الجزائرية رغم أن الكثير من منتجاتهم أغلى سعرا واقل جودة من المنتجات المنافسة في ألمانيا أو بريطانيا أو حتى تركيا واسبانيا . حدثني مسئول كبير بحسرة في احد اللقاءات عن ضياع الاستثمارات العربية في الجزائر ، قال لي تصور أن وفدا اقتصاديا من دولة خليجية جاء للاستثمار في الجزائر بمئات الملايين من الدولارات وبعد أن التقى الوفد بالوزير الجزائري وعدهم بكل التسهيلات و أحالهم إلى مدير أحد البنوك الجزائرية لبحث التفاصيل المالية للمشروع ، ليفاجأ الوفد العربي أن المدير المعني يعاملهم بجفاء واستعلاء ويحدثهم باللغة الفرنسية ، وقدم لهم عرضا مفصلا عن العراقيل التي تنتظرهم، طبعا الوفد لم يعد ثانية والاستثمار ضاع لاننا لا نرضى بغير فرنسا شريكا ! أنس جمعة للتواصل مع الكاتب: [email protected]