بدأت ملامح الخريطة السياسية تتبلور بعد أقل من سنة تفصلنا عن الموعد الانتخابي الأكثر حرارة في الجزائر رسميا وشعبيا. الانتخابات التشريعية لربيع 2017 تثير شهية أحزاب الموالاة، لكنها تهدد بشق صف المعارضة والتحالف غير المعهود بين الإسلاميين والديمقراطيين، فقد جرت العادة أن يتحالف فصيل من التيار الإسلامي المعتدل مع التيار الوطني، خصوصا حزب جبهة التحرير الوطني مثلما حدث في التسعينيات، وفي أعقاب تولي عبد العزيز بوتفليقة مقاليد الحكم، ضمن ما اصطلح على تسميته بالتحالف الرئاسي. وتشير تقارير إلى أن مستقبل التحالف داخل تشكيل المعارضة الحالية يتجه نحو الانفلات بسبب الرؤى المتفاوتة بشأن التعاطي مع السلطة الحالية، سواء بالمشاركة أو المقاطعة. ومن خلال قراءة بسيطة في تاريخ بعض رموز تلك الأحزاب المعارضة يمكن القول إن حركة حمس ستتجه نحو المشاركة القوية في الانتخابات التشريعية القادمة، لكون تيار الإخوان لم يسبق له أن عمل على مقاطعة الانتخابات تحت أي ظرف كان. فمن أولويات العمل السياسي داخل هذا التشكيل أن المشاركة أصوب من المقعد الفارغ الذي لا يمنح صاحبه شيئا إضافيا عدا أن يكون غائبا عن المشهد بكل مكوناته. وفي مشاركة حمس ضمن المجالس المحلية والوطنية المنتخبة نلمس فلسفة واضحة تعتمد على محاولة الاندماج في هياكل السلطة بواسطة مبدأ المشاركة والمطالبة. ضمنيا فإن حزب مثل الأرسيدي يمكن أن يعلن عن المقاطعة خصوصا إن شاركت جبهة القوى الاشتراكية التي ستخوض أول استحقاق في تاريخها دون زعيمها التاريخي الراحل آيت أحمد الذي ظل يتمتع باحترام كبير من لدن حلفائه سواء من الأحزاب السياسية أو الشخصيات الوطنية التي ناضلت إلى جانبه. وإذا كانت المرة الأولى التي نجحت فيها المعارضة بتجاوز الكثير من الحزازات والخلافات الهامشية في القضايا الإيدولوجية، بالتركيز على قضايا الحكم والديمقراطية والحوار عوضا عن الهوية والانتماء ومشروع المجتمع، فإن السلطة ستنجح في جر تكشل المعارضة إلى موجة أخرى من الخلافات في الرؤية بشأن المشاركة من عدمها، خصوصا أن عدة أحزاب بدأت تنسحب من فصيل تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي راهنت عليها المعارضة طيلة السنتين الماضيتين في التصدي للسلطة ومشاريعها التي تلقى الرفض، ومحطات أخرى تمكنت السلطة من تجاوز حقلها الملغم، وإقناع شركائها بصحة وجهة نظرها، مع توفر الظرف السياسي والأمني الناتج عن تسجيل ضربات موجعة لكافة مخططات التنظيمات الإرهابية والتصدي بنجاح لمحاولات"داعش" كسر خط االدفاع الأول في الحدود الشرقية، حيث سجلت عناصر الجيش ضربات موجعة للتنظيمات الإرهابية، كل هذا دفع بالسلطة إلى الرد بحزم سياسي على خصومها والبرهنة على عدم صحة رأي المعارضة ومواقفها، مما أدى إلى المزيد من التشنج في المواقف بين الطرفين.