الاقتصاد الجزائري.. طريق مسدود! عجلت الأزمة الاقتصادية التي حلت بالجزائر، خلال السنتين الأخيرتين، جراء التراجع المضطرد لأسعار المحروقات في الاسواق العالمية، في ظهور بوادر أزمة اقتصادية خانقة، حيث بلغ سعر البرميل أدنى مستوياته بداية العام الجاري بمبلغ 25 دولارا للبرميل وبتكلفة إنتاج تعادل 22 دولارا للبرميل، قبل أن يستعيد عافيته ولو جزئيا ليستقر في الأشهر الأخيرة في معدل 50 دولارا للبرميل.. هذه الازمة الطارئة دعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات سريعة أهمها إجراءات التقشف عبر الحد من فاتورة الاستيراد الخارجي، حيث عكفت الحكومة على خفض الفاتورة إلى مستويات قياسية بلغت 40 بالمئة وهو رقم جد معتبر على اعتبار أن فاتورة الاستيراد السنوي تجاوزت خلال السنوات القليلة الماضية في عهد البحبوحة المالية سقف 70 مليار دولار سنويا. كما عكفت الحكومة على إلغاء عديد المشاريع التي اعتبرتها غير إستراتيجية وليست ذات أولوية، كما عكفت على خفض وتيرة التوظيف وخفض فاتورة التجهيز على المؤسسات الرسمية الوطنية والمحلية، لكن هل قدمت الحكومة بدائل لعدم الوقوع مجددا في الأزمة، وماهو النمط الاقتصادي الذي ستنتهجه الجزائر مستقبلا. وفي ظل مؤشرات مخيفة تنبئ عن استهلاك كلي لكل الاحتياطات المالية بالدولار أفاق 2022، في حال بقاء الاقتصاد على حاله، في ظل وعود وخارطة طريق قدمتها الباترونا ممثلة في منتدى رؤساء المؤسسات من أجل الإسراع في الخروج من الأزمة بطرح بدائل اقتصادية استثمارية بعيدة عن اقتصاد المحروقات.
مدخرات سنوات تعصف بها أزمة في 23 شهرا اعتمدت الجزائر في سياستها النقدية المالية على الادخار المالي من أجل خلق قاعدة ثقة للمتعاملين الأجانب من أجل الاستثمار، حيث بلغت قيمة المدخرات المالية للخزينة العمومية احتياطات صرف فاقت 240 مليار دولار على مر 14 سنة بعد أن بلغ سعر البترول مستويات قياسية فاق 140 دولارا للبرميل، حيث تآكل هذا الاحتياطي في ظرف سنتين بنسبة تزيد عن 130 بالمئة لينخفض إلى 100 مليار دولار فقط، فأجبرت الحكومة على مواصلة تطبيق برامجها المسطرة وتنفيذ التزماتها خاصة مع الشركات الخارجية في مجالات الأشغال العمومية والسكن والعمران وكذا البناء. كما أن قطاع التشغيل والتجهيز كانت له حصة معتبرة من الأموال المدخرة، بعد أن أصبح البترول في شهر فيفري الفارط في أدنى مستوياته منذ أكثر من 15 سنة، حيث سجل سعر 28 دولارا للبرميل بتكلفة استخراج ونقل تقدر ب22 دولارا، حيث إن الخزينة العمومية لا يدخلها سوى ستة دولارات عن البرميل. في حين الميزانية العامة تم حسابها بسعر مرجعي يقدر ب37 دولارا.
السياحة.. الغائب الأكبر و اعتمادها كبديل ليس قريبا تراهن الجزائر على السياحة كبديل للثروة وكعامل جالب للعملة، لكن قبل تحقيق هذا الحلم الاقتصادي البنفسجي، الرهان الأساسي هو الحفاظ على السائح المحلي قبل المراهنة على الأجنبي، حيث إن القدرة الاستعابية للجزائر لا تتجاوز 100 ألف سرير. في حين دول الجوار تجاوزت حساب السياحة بعدد الأِسرة وهي الآن في تعداد المركبات والهياكل، حيث إن جزءا كبيرا من العملة الصعبة يحوله السائح المحلي نحو الخارج لكل من تونس والمغرب وتركيا و فرنسا، على وجه الخصوص. في حين يبقى الاستثمار الأجنبي في السياحة شبه منعدم. كما أن الاستثمار المحلي يواجه صعوبات وعراقيل عكس الخطاب الرسمي، تضاف إليه عراقيل منح التأشيرة للأجانب وهو عامل رئيسي في رفع تعداد الوافدين والحاملين للعملة الصعبة نحو الجزائر. في حين تشير قيمة المداخيل المالية الأجنبية للجزائر من عائدات قطاع السياحة قيمة صفرية تقريبا، ناهيك عن الخدمات المنفرة من الوجهة الجزائرية للسائح المحلي قبل الأجنبي، هذا إذا وجد.
الفلاحة أرقام متضاربة وبعيدة عن الأهداف تشير أرقام الانتاج الفلاحيي إلى أن الانتاج المحلي يبقى بعيدا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي، رغم أن الأهداف الكبرى تتمثل في بعث إنتاج يكفي الطلب المحلي ويزيد ليصدر للخارج، لكنها تبقى مجرد أحلام، وسط منظومة فلاحية تاهت بين الفساد والبيروقراطية، حيث إن فاتورة استيراد القمح تتجاوز ما قيمته ثلاثة ملايير دولار. في حين فاتورة استيراد الحليب تتجاوز 1,5 مليار دولار. فيما تبقى شعبة اللحوم في ارتفاع متواصل لايقدر عليها المواطن البسيط، بالرغم من الأموال الضخمة و الملايير من الدينارات من أجل بعث إنتاج فلاحي يكفي أفواه الجزائريين، لكن السياسات العرجاء والاستفادات المشبوهة من أموال كان يجب أن تصل للفلاح العامل وليس للفلاح "المتآمر"!.
نموذج اقتصادي جديد نحو التحصيل الضريبي وانتهى عهد الاتكال على دعم الدولة بالرغم من الملايير التي استفاد منها أرباب الاقتصاد سواء في الفلاحة أو الصناعة أو حتى السياحة بمزايا وأموال وضرائب وإعفاء جمركي، إلا أن نهج الدولة الجديد يتمحور في الأساس على رفع التحصيل الضريبي البسيط، حيث إن رئيس الجمهورية دعا في آخر اجتماع له مع الوزراء إلى ضرورة انتهاج نموذج اقتصادي جديد بديل عن البترول سبقته زيارات ولقاءات لوزير الداخلية دعا فيها الولاة إلى رفع التحصيل الضريبي البسيط وقال بصريح العبارة "ماكاش دراهم باش نخلصو العمال، وكل والي يتحرك على روحو، التمويل المركزي انتهي عهده"، مما يعني أن الضرائب سوف تثقل كاهل المواطن مستقبلا. من جهة أخرى سوف ترفع الضرائب على العقار وإيجار السكنات مما يعني أن المواطن مقبل على فترة أزمة، لكنها يجب أن تكون من أجل التخلص من مخلفات اقتصاد الدعم والاتكال على الدولة في كل شيء .
خطط حكومية وانتقادات خارجية وكانت الحكومة قد أعلنت أنها ستواجه هذه الصعوبات من خلال نموذج اقتصادي جديد يقلل الاعتماد على النفط والغاز ويركز على تنفيذ مشروعات استثمارية تمول من الأموال التي ستأتي من ثلاثة بنود، هي: زيادة الوعاء الضريبي، واستقطاب الأموال المتحركة خارج المؤسسات المصرفية والمقدرة ب34 مليار دولار، واللجوء للاستدانة الداخلية من خلال إطلاق القرض السندي، لكن هذه الأهداف لم تحقق لعدة اسباب وبقيت النتيجة واحدة وهي تقهقر الاقصاد الوطني وتآكل احتياطي العملة الصعبة، رغم أن الوزير الأول في آخر تصريح قال إن احتياطي الصرف لايمكن أن ينزل تحت 100 مليار دولار .