يُؤكد الخبير الاقتصادي الدولي في التطبيقات المعاصرة للاقتصاد الإسلامي، فارس مسدور، في هذا الحوار الذي خص به »صوت الأحرار« أن كل المؤشرات الاقتصادية والسياسية العالمية تنبئ بارتفاع سعر البترول خلال الأشهر المقبلة، وعليه يُضيف، فإن »محاولة تخويفنا بأن سعر النفط قد يتراجع هي حجة واهية«، داعيا الحكومة إلى ضرورة التركيز على محاربة تبييض الأموال والفساد والغش والتهرب الضريبي و»الفواتير المضخمة والمزورة«، والسوق الموازية للعملة الصعبة، وليس على أجور فقراء الجزائر الذين لا يزالون يتقاضون إلى اليوم ما يعادل 120 دولار في الشهر. بداية كيف تقرؤون التصريحات الأخيرة لوزير المالية، كريم جودي، التي شدد من خلالها على ضرورة التحلي ب»يقظة أكبر« في تسيير النفقات والحذر من أي زيادة في الأجور خلال السنوات المقبلة؟ ● السؤال الذي نطرحه أين كان جودي خلال السنوات الماضية التي تميزت بملفات فساد رهيبة مست أقوى مؤسسة اقتصادية في البلد، أين كان جودي عندما كانت المشاريع الكبرى تنجز بتضخيم الفواتير، أين كان جودي عندما كانت المشاريع تنجز بأسوأ شكل، جعل الأموال العمومية تضيع في الطرقات، أين كان جودي عندما انتقل تقييم الطريق السيار من 5 مليار دولار إلى أكثر من 20 مليار دولار أين هي اليقظة التي يتحدث عنها. أم أن الأسهل عند جودي هو فقط أجور العمال التي أطاع فيها الفرنسية زلاجاردس رئيسة صندوق النقد الدولي (المشؤوم) هذه المرأة التي ما زارتنا إلا لتفتن بيننا، حتى تضغط علينا لأخذ المزيد من الأموال للصندوق الذي كان سببا في خراب بيتنا في التسعينات، واستنزاف ثرواتنا طيلة عقود، عن طريق قروض ربوية خانقة. لماذا لم يلحظ جودي أن بلادنا تفتقد إلى مستشفيات تضمن العلاج الراقي للمواطن، دون أن يلجأ أبناؤنا للعلاج في دول الجوار ؟ لماذا لم يتنبه جودي لقطاعنا السياحي الذي بقي متخلفا وكانت دولة من دول الجوار تحق أفضل نتائجها من السياح الجزائريين؟ كل هذا عمي عنه جودي، وبصر فقط أجور فقراء الجزائر الذين يتقاضون إلى اليوم ما يعادل 120 دولار في الشهر، بروفيسور في الجامعة يتقاضى 1500 دولار في حين دولة فقيرة جوارية يتقاضى البروفيسور فيها راتبا يفوق راتب الوزير عندنا. نفهم من تساؤلاتكم أن الجزائر بلد غني لكن شعبه يُعاني الفقر ؟ ● إننا حقا بلد غني وشعب فقير، لأن العقول التي تخطط لنا لا تخطط من أجل إخراجنا من دائرة الفقر، وإنما من أجل أن نبقى دائما فقراء يرمون لنا الفتات ويأخذون حصة الأسد، الذي يؤلمنا أن جودي نسي الفاسدين من زملائه في الحكومات السابقة الذين نهبوا ملايين الدولارات من ثروات الأمة، على الأقل نقول له استرجع قيمة التهرب والغش الضريبي التي فاقت 200 مليار دينار سنويا، فإذا استرجعتها حق لك أن تتكلم عن التقشف وشد الحزام، أما وأنك عجزت أنت وطاقمك عن محاربة تبييض الأموال والفساد والغش والتهرب الضريبي، والفواتير المضخمة والمزورة والمصورة فلا يحق لك ولا لغيرك أن يحرم الأمة من زيادة الأجور، التي لا يمكن أن يقال عنها إلا أنها أجور للفقراء في بلد الثروات والفوائض المالية العالمية، التي أقرضناها لصندوق النقد الدولي، وأمريكا، وبريطانيا واليابان. ألا ترون أن مثل هذه التصريحات بإمكانها أن تزيد الطين بلة بالنظر إلى الغليان الذي توجد فيه بعض قطاعات الجبهة الاجتماعية في الوقت الحالي، علما أن مطالب هذه الأخيرة تتمحور أساسا حول تحسين القدرة الشرائية، أي رفع الأجور ؟ ● العجيب أن يصدر هذا التصريح في وقت الأمة تعيش غليانا شعبيا خطيرا يكاد يعصف باستقرارها، وكان يفترض أن يتم الحديث عن تخفيض الضرائب وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية عن طريق تيسيرات تمويلية، فوق كل هذا وذاك كان يمكن أن يتحدث جودي عن إلغاء الرسم على القيمة المضافة على كافة السلع الغذائية حتى يتم تجنب زيادة الأجور التي تخيفه وتؤرقه، وعليه فمثل هذه التصريحات وكأنها تقول للمجتمع افعلوا ما شئتم نحن لن نسمع صوتكم المنادي بتحسين الأجور التي التهمتها زيادات التضخم الخطيرة التي كان بنك الجزائر من قبل يتغنى بمدل 4 بالمائة وأصبحت بين عشية وضحاها 10 بالمائة، وكأنها تسير بعصى سحرية خارقة. لا أخفيكم إن قلت إننا نعيش التناقضات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا والمشكل أن تسمع مثل هذه التصريحات التي تصدر من مسؤول كبير في البلد، تصريحات تشعل نار الانفجار الاجتماعي عوض تخفيف الضغط على الناس. بالنظر إلى ارتفاع مختلف أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية على مدى السنوات الأخيرة والتي زادت حدتها بداية من السنة الماضية، ألا تظنون أن الزيادات في الأجور التي استفاد منها العمال قد فقدت فعلا أثرها الإيجابي وأن احتجاجات الجبهة الاجتماعية مشروعة ؟ ● نعم هذه هي الحقيقة التي لم يفهمها ولم يحس بها جودي، لأننا لو جئنا إلى تحليل الوضع بطريقة عقلانية لاكتشفنا بأن تلك الزيادات التي تمت في الأجور لم يصاحبها تخفيضات جبائية، فلو حصل ذلك ما زادت الأسعار وما كان هنالك معدلات تضخم بهذا المستوى، فوق كل هذا وذاك كيف لحكومتنا أن تتحدث من خلال جودي عن الأجور وقد عجزت عن التحكم في سعر صرف عملتنا الوطنية التي تعرف انخفاضا رهيبا في السوق الموازية التي دمرت الاقتصاد الوطني من خلال إضعاف عملتنا التي تعتبر جزءا لا يتجزأ في تحديد معدلات التضخم، وعليه فإنه من الأحرى على هذا الوزير أن يبحث مع شركائه المعنيين داخل الحكومة في محاربة السوق الموازية للعملة الصعبة التي عجزوا عجزا غير مبرر في التحكم فيها، أو على الأقل يتحكمون في عمليات التهريب التي تتم عبر الحدود البرية الغربية في وضح النهار وأمام مرآى ومسمع من كل الجهات، وكأننا نستورد لدول المغرب العربي بأجمعها، لذا لا تتعجبوا مهما كانت الزيادات لن تصمد أمام الفساد الاقتصادي الذي ينخر في جسد اقتصادنا، ولم يفهم جودي وغيره أنهم عجزوا عجزا فاضحا وواضحا في التحكم حتى في الفواتير التي تعكس تهربا ضريبيا خطيرا كان يفترض أن يحظى باهتمام بالغ من طرفه. ما هي توقعاتكم بالنسبة لمُنحنى أسعار البترول خلال السنة الجارية، وما هي الحدود التي لا يجب أن يتجاوزها انخفاض الأسعار حتى تُحافظ الجزائر على الحجم الحالي من الاستثمارات ؟. ● أولا كل المؤشرات الاقتصادية والسياسية العالمية تنبئ بزيادة سعر البرميل من النفط ابتداء من أزمة طهران، ووصولا لأزمة سورية والشرق الأوسط بشكل عام، ثم الاتحاد الأوروبي الغارق في أزمة خانقة لن يخرج منها في الأجل القريب، وعليه محاولة تخويفنا بأن سعر النفط قد يتراجع هي حجة واهية، لأنه حتى عندما انخفض إلى مستويات أقل من 60 دولار كان السعر أكبر من السعر المعتمد في قانون المالية. وعليه الخطر قد يكمن لو يصل السعر إلى أقل من 45 دولار وهذا لم يحصل في أسوأ أزمة عرفها الاقتصاد العالمي عبر تاريخه المعاصر، ثم أن الجزائر قادرة على أن تحافظ على هذا الحجم من الاستثمارات وأيضا ما هو أكبر منه، شريطة أن لا يتم تضخيم الفواتير من طرف الفاسدين والمختلسين للمال العام، وعقلنة وترشيد نفقاتنا الاستثمارية واستقطاب أكبر قد ممكن من الاستثمارات الأجنبية عن طريق الشراكة الاستثمارية الحقيقية، وتخفيض استيراد المنتجات المدمرة لصحة المواطنين خاصة من الصين التي دمرت نسيجنا الصناعي الخاص وحتى العمومي. في حال انخفاض أسعار البترول هل بإمكان ذلك التأثير على المشاريع قيد الانجاز ؟ ● أولا المشاريع قيد الإنجاز رصدت لها أغلفة مالية خاصة ولا ينقص إلا الإسراع في تنفيذها واحترام آجال تنفيذها حتى لا يحصل ها ما حصل للطريق السيار الذي ضخمت تكاليف إنجازه، بعد التماطل والتعطل الذي أصابه طيلة ما قارب العقدين، وعليه لو يحصل انخفاض كبير جدا في أسعار المحروقات (وهو أمر مستبعد في ظل الظروف الحالية) فإن المشاريع الجاري إنجازها لن تتأثر كثيرا، لكن اعتماد مشاريع جديدة يعتبر شبه مستحيل وإن وجدت فلا يكون إلا الضروري منها. ما هي الإجراءات التي يجب على الحكومة اتخاذها لمواجهة مثل هذا الوضع؟ ● ننصح بالإسراع في اعتماد خطة استثمار بديلة عن الخطط التي سبق اعتمادها، أو تعديلها بما يتوافق مع الوضع العالمي الحرج الذي قد يقود العالم إلى أزمة اقتصادية عالمية خانقة جديدة يتحكم فيها الغرب كما يشاء، وأنصح بالابتعاد عن فكرة الصناديق المستنزفة لثروات الأمة والمعطلة لأرصدة المشاريع الكبرى المصيرية لاقتصادنا، كما أنصح الحكومة بتفعيل إجراءات مكافحة الفساد الذي لم تظهر بعد الكثير من قضاياه التي تمس مشاريع كبرى أخرى، وأن تتبنى فكرة حملة وطنية لتطهير مختلف القطاعات من الفاسدين الذين يعتبرون أخطر من آثار انخفاض أسعار المحروقات لأنهم مثل النار التي لا تشبع مهما أحرقت، ذلك أنهم لن يشبعوا من استنزاف ثروات الأمة وتعطيل مشاريعها الكبرى، لأنهم يتغذون على ذلك التعطيل الذي يترتب عليه ملحق ميزانيات كنا في غنى عنها لو كانوا يتميزون بالفعالية والدقة في الأداء. كما أن الحكومة مطالبة بأن تعتمد أرقاما خضراء لمحاربة الفساد والرشوة في مشاريعها، وأن تكون لديها بوابات إلكترونية حقيقية وليس واجهة فقط لاستقبال البلاغات بالفاسدين والخروقات التي تعرفها كافة مشاريعها الكبرى والمتوسطة والصغرى عبر كامل التراب الوطني، إن مشكلتنا ليست مشكلة انخفاض سعر البرميل من النفط، وإنما مشكلتنا تكمن في تسيير أموال البراميل، فماذا ينفع برميل يساوي 200 دولار يقع بين يدي فاسد لا يرينا منه إلا 50 دولار في أحسن الأحوال، هذا إذا لم يقل أن التضخم أكلها.