أفتى عدد من علماء الأزهر، بينهم أعضاء في مجمع البحوث الإسلامية، بحرمة إقدام المواطنين على الانتحار بحرق أنفسهم احتجاجاً على فشلهم في حل بعض المشاكل التي يواجهونها، مؤكدين أن إقدام أي شخص على فعل قد يؤدي إلى هلاك النفس هو انتحار محرم شرعا يودي بصاحبه إلى النار ويخرجه من ملة الإسلام. وندد علماء الأزهر بالفتاوى المتشددة التي انطلقت عبر المدونات ومواقع الإنترنت. تطالب شباب الدول الإسلامية بإحراق أنفسهم والخروج على الحكام، والثورة في بلدانهم سعيا نحو التغيير، مؤكدين أن التغيير له ضوابط شرعية وأن تلك الدعوات تتنافى مع ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وتتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ النفس والبدن. وقال الدكتور عبد المعطى بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية أصول الدين الأسبق، إن هذه الظواهر التي يقع فيها الانتحار بحرق النفس عن قصد وإرادة حرة، والتي يبدو فيها قصد التقليد للشاب التونسي، هو انتحار يأثم فاعله إثما عظيما، لقول الرسول ''من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً.. ومن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.. ومن قتل نفسه بحديدة فحديديته فى يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً''. وهناك وسائل كثيرة بديلة للإصلاح تحفظ النفس والبدن. من جانبه حذّر الدكتور رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية، مما وصفه ب''فتاوى سفك الدماء'' فقال ''إن المبررات التي دفعت بأحد الشباب التونسيين لإحراق نفسه تختلف عن البلدان العربية الأخرى، فهناك في تونس ارتكب الحاكم أمورا تناقض ما هو معلوم من الدين بالضرورة كقواعد الميراث التي نصت عليها نصوص قطعية الدلالة في القرآن الكريم والسنة النبوية، فقد بينا بصورة قاطعة لا لبس فيها ولا احتمال، أن الميراث بين الإخوة والأخوات يكون بإعطاء الذكر ضعف نصيب الأنثى، كما صدر قانون هناك يحرم المباح، فمنع تعدد الزوجات، وأصبح من يتزوج مرة أخرى على زوجته يعاقب بالسجن، وأما من يرافق امرأة أخرى غير زوجته فلا موضع لمساءلته، كما أن من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، وبخصوص الحجاب صدر القانون فى عهد الرئيس زين العابدين بن على ليمنع الحجاب فى المدارس والجامعات وكافة مؤسسات الدولة. في حين أكد الشيخ يوسف القرضاوي أن قتل النفس حرام، ودعا الشباب العربي إلى عدم اليأس من رحمة الله. وقال القرضاوي الذي يرأس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين أن للشعوب العربية وسائل عدة لمقاومة ما وصفه بالظلم والطغيان ما يغنيها عن قتل النفس أو إحراق الجسد، وذكر الشيخ في موقع الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الإلكتروني ''في الحلال أبدا ما يغني عن الحرام''، أنه من واجب الأنظمة الحاكمة أن تسأل نفسها ما الذي دفع بالشاب محمد البوعزيزي إلى أن يحرق نفسه وتحاول أن تجد لمشكلته حلا. ودعا القرضاوي شباب العرب والمسلمين في مصر والجزائر وموريتانيا وغيرها ألا ييأسوا من رحمة الله وقال ''أيها الشباب الحر: ''لاَ تَيْأَسُوا مِن روْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن روْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ''، مخاطبا إياهم بالقول ''إن حياتكم نعمة من الله يجب أن تشكر، ولا تحرقوا أنفسكم فهو عمل محرم وكبيرة من الكبائر''. وأكد الشيخ القرضاوي أنه علق فقط على انتحار محمد البوعزيزي في برنامج الشريعة والحياة، وقال إنه تضرع لله وابتهل إليه أن يعفو عن هذا الشاب ويغفر له، ويتجاوز عن فعلته التي خالف فيها الشرع الذي ينهى عن قتل النفس، وخالف قوله تعالى ''وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا''. وتأتي تصريحات هذه الكوكبة من العلماء على خلفية انتشار ظاهرة الانتحار بالحرق التي تشهدها بعض الدول العربية من بينها الجزائر مباشرة بعد واقعة التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجا على وضعيته الاجتماعية.