يحفظ لانتفاضة تونس أنها جعلت من النار سلاح مقاومة جديدا يرهب ويرعب الحكومات العربية· فبعد أن كان الشرر ولمدة عقود من زمن الاحتراق والانصهار لا يعني إلا الجثة المتفحمة والمتلظية به، ها هي أحداث تونس تجعل من النار شبهة تستدعي بالإضافة إلى استنفار أمني وتدخل عالي و''عاري'' المستوى، فإنها تحتاج إلى ''فتاوى'' قانونية عاجلة تُجَرّم الفاعلين إذا ما نجوا، كون الأمر خرج من دائرة الانتحار الشخصي إلى دائرة الترويج لقلب أنظمة الحكم بنيران حطبها أجساد المقهورين والقانطين الخارجين من النار عن طريق النار باتجاه النار كمآل سماوي لقاتل نفسه·· قبل أن يصبح للنار شأن وشؤون، كانت التكنولوجيا قد تمكنت من اختراع كاشفات المعادن والمتفجرات التي يمكنها أن تبطل مخطط الأحزمة الناسفة والمعادن المشبوهة بمجرد مرورها أمام أجهزة الكشف المنصبة أمام أبواب الإدارات والمؤسسات الرسمية وحتى فنادق ''الهاي هاي''، لكن مع التطور الناري المتفشي عربيا بسبب ''تونسة'' النار، فإن كاشفات المتفجرات والمعادن المشبوهة أضحت بلا فعالية، فالسلاح المشهر لم يعد معدنا يحدث ''رنينا'' فتقوم الدنيا ولا تقعد، ولكنه جسد من لحم يمكنه أن يتحول في رمشة ''نار'' وقنوط إلى جسد من فحم يحرج الحكومات وربما يسقطها وينهي أيامها··وكما وفرت التكنولوجيا أجهزة لكشف المعادن وأخرى لكشف الكذب، فإن ضرورة الحال التي أدت إلى استهداف المؤسسات الرسمية من مقرات برلمانية وحكومية، تفرض إضافة خاصية شم ''البنزين'' والسوائل الحارقة إلى فصيلة الكلاب المدربة، كما تلزم الحكومات بالبحث عن اخترع تكنولوجي يكشف ''نية'' المتفحم قبل إضرامه النار في نفسه، وإلا فإن التحكم في أمن المنشآت وأمن الأشخاص سيظل نسبيا مادامت الظاهرة في اندلاع واتساع·