بالتوازي مع خطابه ''المبعثر'' الذي وجهه إلى أمة المعتصمين والكافرين باسمه وبأسهمه في البورصات المالية والسياسية والشعبية، عاد حسني مبارك إلى أفلام ''السبعة'' القديمة، ليقتطع منها مشاهد حزينة لبطل قومي أنكر قومه تضحياته الجسام في أكتوبر وفي ثلاثين سنة من ''أكتوبرات'' مزعومة· بالتوازي مع ذلك، كان بطل المعركة وبطل تشرين وبطل العبور وبطل الجحود يسلم روحه إلى بارئها معلنا أفول نجم من نوع ''خالص'' وخاص، نجم عاش بطلا ومات بطلا وظل طيلة حياته وطيلة نفيه بطلا يقاوم ويحارب ويتحدى الزيف والتزييف الذي جعل من ''مبارك'' الذي لم يطلق رصاصة واحدة في حياته بطلا للعبور، فيما أنكر على رجل بمكانة وشموخ وسؤدد المرحوم سعد الدين الشاذلي حقه التاريخي في أنه حينما باع مبارك والسادات دماء شهداء أكتوبر لليهود وأمريكا، كان البطل على بعد خطوات من سرير جولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية·· الفريق سعد الدين الشاذلي انتقل إلى جوار ربه تزامنا وانهمار دموع من عيون ريس منتهي الصلاحية لم يكتف بالسطو على حق ''بطل أكتوبر'' وهو حي يرزق، بل تمادى في ''رعونته'' وفي مراوغته لنفسه في إصرار ''مرضي'' على أنه كان بطل العبور وذلك من خلال خطابه الأخير الذي عدد فيه بطولات من ''رق'' وورق، فيما كان صاحب الفضل وصاحب المكرمة وصاحب البطولة المشهود لها تاريخا وتأريخا ينام قرير العين لأنه قبل أن يستسلم لموته، عاش لحظة الثورة واستنشق عبيرها وطوفانها الذي أغرق وجرف بطولة ''ريس'' من ورق، ظل لثلاثين حولا و''حَوَلا'' يحتكر التاريخ ويخيط ''الملاحم'' والنياشين على مقاس بدلته منكرا على أي كان، ولو كان الفريق المرحوم سعد الذين الشاذلي، دوره وريادته وقيادته لأكتوبر لم يكن يوما إلا سعد الدين الشاذلي رحمة الله عليه، وبشهادة العالم أجمع··فرق كبير بين الرجلين وبين التاريخين وبين الحقيقيتين، حقيقة رجل عاش طيلة حياته محاصرا ومنفيا ومطاردا ومغيبا، لأنه صنع التاريخ فكان لازما عليه أن يدفع ثمن ''البطولة'' التي اقترفها حينما أجرم في حق إسرائيل وأنهى أسطورتها وأسطورة خط بارليف، وحقيقة رجل لم يفعل شيئا سوى أن ثلاثين سنة من السلطة أوهمته بأنه كان بطل أكتوبر فصدق وبلع ''كذبته'' ليحاجج بها قومه وهو على مشارف الانهيار، لنصل إلى المفارقة، مفارقة أن الفريق سعد الدين الشاذلي الذي عاش أربعين عاما يبحث عن وطن وعن بيت يأوي إليه بعدما تنكرت له مصره وجد بدلا من ''قبر''، ملايين المشيعين وملايين المصلين على روحه من ميدان التحرير في اعتراف من العظيمة مصر بأن الميت ''عظيم'' قوم أهانوه وبهدلوه وأنكروه، فيما وقف في الطرف والضفة الأخرى رجل، كان هو مصر وهو سيد العصر، يستجدي عبر أمنية أخيرة وحزينة قبرا في مصر أصابته لعنتها ولعنة الفريق سعد الدين الشاذلي، والفرق والبون شاسعان بين بطولة من ورق وبطولة من ''عرق''·· فمبارك الذي تحول إلى بطل بمرسوم رئاسي وسلطوي، سقطت عنه الحصانة الكاملة، ومن كان منبوذا ومطاردا ومحاصرا في تاريخه رحل على أكتاف ودموع الملايين لينصفه التاريخ لحظة موته بعدما قهره مبارك طيلة حياته، فكانت النهاية بالخاتمة، خاتمة أن تصلي ملايين ميدان التحرير على البطل سعد الدين الشاذلي فيما تدعو الملايين نفسها على بطل الورق وتفرض عليه مآل ''لا مساس'' بعدما أحرقت الثورة ''عجل'' السامري ومنعت عنه حتى حقه في أن ينال شرف ''القبر'' في أرض مصر··أليس هذا درسا من القدر أن تكون هذه هي نهاية حسني مبارك وتلك نهاية سعد الدين الشاذلي؟ نهاية لم تكن لتخطر على بال أحد··رئيس كان هو حفار القبور ينتهي به مطافه و''زيفه'' إلى رجاء الموت والدفن في أرض كان هو ''جغرافيتها'' وحدودها وتاريخها، ورجل ظل طيلة حياته مشبوها ومتجنيا عليه وعلى وجوده يغمض جفنيه هانئ البال قرير العين بعدما يعيش ويرى بأم عينه، كيف انهمرت دموع ''وسخة'' من أعين ''مبارك'' قهره عشريات كاملة و''كامنة'' ليأتي عليه حين من ''العبور'' الشعبي العارم، ويقف بطل العبور ''المزيف'' مستجديا ومتسولا أهله في ''قبر'' يلم شتاته ويحفظ كرامته ويقيه شر الفرار اتقاء للعنة ''اخرج منها إنك لعين''··مات الفريق سعد الدين الشاذلي، مات الرجل الذي سلب منه تاريخه وتأريخه وهو حي يرزق، لكنه قبل أن يرحل وقبل أن يغمض جفنه إلى الأبد، وقبل أن تقلب صفحته، عاش ابتسامة القدر، ليرحل عنا وعن أمة ''الأعراب'' الناكرة والجاحدة والكافرة بكل بطولة غير رسمية، أن مصر اليوم أصبحت آمنة ومستقرة فالعبور الذي صنعه الفريق سعد الدين الشاذلي في حرب أكتوبر 1973 وهزم من خلاله أعتى قوة في الشرق الأوسط، تجددت أهازيجه ويومياته وأحداثه حينما امتلكت مصر ميدان التحرير، لتعيد للبطل ''جنازته'' المحترمة فيما تنزع عن ''المدعين'' ولو كانوا رؤساء نياشينهم المزيفة وتمنع عنهم حتى أبسط حقوق ''الدفن'' في أوطان دفنوها سنوات بقهرهم الذاكرة والشعوب والتاريخ، وحينما دار التاريخ دورته وسقط ''المدفن'' على رأس حفاري القبور، ظهر الزعيم (؟؟) باكيا وخاضعا ليستجدي له ممن قبرهم أحياء حقه في تصريح بالدفن في بطن ''وطن'' حوله ''الريس'' حينما كان ''ريسا'' إلى مدفن عام·