كما لم تستطع كل المناورات سرقة الثورة من الشعب المصري وقبله الشعب التونسي، شاءت الأقدار أيضا، إلا أن يكون اليوم الذي تهاوى فيه مبارك هو ذات اليوم الذي شيع فيه الشعب المصري البطل الحقيقي لحرب 1973 ، إنه الفريق سعد الدين الشاذلي الذي حاول النظام الرسمي في مصر أثناء حكم السادات ومبارك من بعده سرقة النصر منه ، بل وذهبوا إلى حد تخوينه. حتى اسم سعد الدين الشاذلي وهو قائد أركان الجيش المصري في حرب 1973 لا تجد له أثرا في المتحف المركزي في القاهرة، لقد غطى عنه مبارك زورا وبهتانا. إذا كان من الممكن الإحتيال وتزييف التاريخ في جيل أو عدة أجيال حتى، فإن الحقيقة لابد أن تظهر طال الزمن أو قصر.. إذ لا يصح إلا الصحيح عندما يتعلق الأمر بتاريخ الأمم واللحظات الحاسمة في مسارها. فبينما كان مبارك يجر أذيال الخيبة وسط هدير المواطنين الذين بحوا من المطالبة برحيله بعد أن عاث في الأرض فسادا، وبعد أن بقي في الكرسي ثلاثين سنة كاملة، كانت جماهير مصر الصادقة مع وطنها وتاريخها تسير في موكب مهيب خلف جثمان الراحل الفريق سعد الدين الشاذلي البطل الحقيقي لحرب أكتوبر لتواريه تراب مصر وليس غيرها. ولعله ليس من سخرية القدر في شيء، أن مبارك الذي رحل إلى وجهة ما تزال غير معلومة ، كان يتمنى على ما يقول، أن يدفن في أرض مصر ، هو من سجن الراحل سعد الدين الشاذلي في حكمه بعد أن قضى في الجزائر 14 عاما لاجئا هاربا من وطنه بعد أن اتهمه السادات بالخيانة. إن كان الرئيس عبد الناصر قد اختاره المولى عز وجل إلى جواره لموتة طبيعية لا غبار عليها، فإن الأقدار شاءت أن يرحل السادات على يد أبنائه من أفراد القوات المسلحة، الحصن الحصين للوطنية المصرية، في الوقت الذي اختارت لمبارك أشين وأفظع ألوان الموت، وهو الموت حيا، في هذه الدار قبل الدار الأخرى، وهي بحق وحقيقة أسوأ أشكال الموت، حتى يتمنى الإنسان الموت قبل الموت. أما البطل القومي المصري، بطل العبور الذي رفض الإنحناء أمام الآلة العسكرية الصهيونية الأمريكية فقد اختار له العلي القدير أن يلحق بالدار الآخرة، بعد أن شاهد في حياته شعب مصر يثور على الدكتاتور ويسقطه شر سقوط.. اختار أن يتوفاه وهو بين أهله وعشيرته ومواطنيه بموتة طبيعية كريمة هادئة، وهو الذي خاض المعارك والحروب ونازل واحدا من أقوى جيوش العالم. هي الأقدار تفعل ما تشاء.. لا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا في أي ساعة ترحل ، مع فارق مهم هو أن البعض يرحل وعلى جبينه أكاليل المجد والغار ، والبعض الآخر لا يرحل إلا وفي » يده من نتنها عود «، كما قال شاعر العرب أبو الطيب المتنبي. آخر الأخبار تقول أن مبارك رحل وفي حوزته 70 مليار دولار .. سبعون مليار دولار من وسخ هذه الدنيا.