الحملة والحملة المضادة.. الرد على المباشر.. والبيّنة على من ادعى ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة.. باتت مواقع التكنولوجيات الحديثة تسارع الزمن وتواكب الحدث الانتخابي لتسهل نقل الوقائع في حينها لفائدة المترشحين المتنافسين على الظفر بالعضوية في المجلس الشعبي الوطني، ضمن سباق تشريعيات الرابع من ماي 2017، بعدما انخرط غالبية الأحزاب السياسية والمترشحين الأحرار في التفاعل مع تطورات العالم الرقمي الذي بات يستهوي شريحة الشباب بكل فئاتها العمرية ومستوياتها التعليمية. فقد أضحت مواقع التواصل الاجتماعي عبر فضاء الأنترنت تستبق كل المؤسسات الإعلامية، حيث إن نقل الخبر بات لا يحتاج إلى تركيب أو تحرير وتدقيق لغوي لما تقتضيه المهنية في مجال ضوابط العمل الإعلامي الذي يتطلب تدقيق المعلومات لنشرها عبر الصحف ليتناولها القارئ، أو تدقيقها وتركيبها لنقلها عبر القنوات الفضائية أو الإذاعية لتصل إلى المشاهد أو المستمع على التوالي. الحذر من التعاطي مع الأخبار لم يمنع تداولها بشكل واسع ورغم أن سرعة نقل تلك المعلومات للرأي العام والمتلقي لديها "هاجس" توخي الحذر في التعاطي مع بعض المعطيات، غير أن تطور التكنولوجيات الحديثة فرض على المشتركين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص الفايسبوك والتويتر المنتشرين بكثرة في الجزائر، تداول تلك المعلومات، خاصة أن عملية نقل أخبار الحملة الانتخابية عملية ترويجية للمترشحين أكثر منه "مادة إخبارية" تحتاج للتدقيق. ورغم ذلك فقد حددت السلطات العمومية ضوابط عدم التشهير أو التحامل أو التجريح بالشتم والقذف في حق المترشحين أو الأحزاب، حسبما حرصت على التنبيه عليه الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات. هيئة مراقبة الانتخابات: متصدرو القوائم يتحملون مسؤولية التجاوزات وفي السياق، شدد نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات ابراهيم بودوخة على ضرورة تقيد المترشحين لتشريعيات 2017 خلال الحملة الانتخابية بكل الضوابط القانونية والأخلاقية للعمل الانتخابي، و«الابتعاد عن التجريح لتكون هذه الحملة عرسا انتخابيا بأتم معنى الكلمة"، موضحا، خلال استضافته في البرنامج الإذاعي "ضيف الصباح"، بخصوص مراقبة استعمال المرشحين لمواقع التواصل الاجتماعي لعرض برامجهم الانتخابية، أنه "من الصعب مراقبة هذا الفضاء الأزرق الواسع والقانون لم يفصل بعد في هذه المسألة، غير أننا تدخلنا في بعض الشكاوى التي وصلتنا المتعلقة باستعمال هذه الشبكات الاجتماعية في أمور غير أخلاقية خارجة عن نطاق القانون"، مضيفا أن "استعمال هذا الفضاء في الحملة الانتخابية يتحمل مسؤوليتها متصدرو القوائم وقد وجهنا أوامر لبعضهم بالكف عن خروقات تمس بأخلاقيات العملية الانتخابية". تفاعل جدي خلقته مواقع التواصل الاجتماعي رئيس حزب عهد 54، علي فوزي رباعين اختار طريقة "البث المباشر" لكل ندواته الصحافية، على شكل مقاطع فيديوهات عبر الفايسبوك، ليضمن إيصال صوته ونجاح حملة حزبه الذي يتنافس في التشريعيات. وفي وقت ظل موقع "التويتر" أقل استخداما لدرجة محدودة، اكتسحت كل التشكيلات السياسية والأحرار موقع الفايسبوك، فعلى سبيل المثال، سطر المترشح الحر المقاول معمر جلال صراندي، عن قائمة "الجبهة" بولاية تيبازة، برنامجا ثريا للتخاطب مع الناخبين عبر الفايسبوك، من خلال بثه لكل لقاءاته وتمرير رسالة صوتية ومرئية عبر فيديو قصير لخلاصة تجمعاته في نهاية اليوم، وبالعاصمة قائمة الرفاه لصاحبها الدكتور مراد عروج، فقد كانت صفحة هذا الأخير تنقل كل مداخلاته عبر القنوات التلفزيونية ونشاطاته. ومما كتبت مترشحة تجمع أمل الجزائر "تاج" فاطمة الزهراء زرواطي "اليوم تنطلق الحملة الانتخابية وأتمنى أن ألقى الدعم والتفاعل الإيجابي من كل الأصدقاء والزملاء وأن أحصد ما زرعت من عمل ومحبة ومهنية وصدق طوال سنوات العمر.. كل النشاطات تكون عبر صفحتي الرسمية"، وفضلت زميلتها فريدة مقراني أن تضع صورا لكل التحركات عبر شوارع العاصمة في أول يوم من الحملة. أما الصحافية صورية شعبان المترشحة بوهران مع حزب العمال في سباق نحو الظفر بعهدة ثانية تحت قبة البرلمان، فوضعت صورا لها تظهر رقم الحزب في غمار السباق تحت عبارة "كفى الآن!". وبالنسبة لحركة مجتمع السلم التي فعّلت كل قواعدها الفايسبوكية من خلال ما يسمى شباب جيل الترجيح، فقد ارتأت كذلك نشر صور لنشاطاتها وتحركاتها بالعاصمة رفقة حزب التغيير الذي عاد للحركة "الأم" عشية التشريعيات، كما مررت رسائل "مشفرة" كتلك الصورة التي التقطت لرئيس "حمس" السابق، أبو جرة سلطاني وهو جالس رفقة عبد المجيد مناصرة في مقر إحدى الجرائد اليومية، لتأكيد المصلحة المشتركة التي تذيب الخلاف. أما حركة الإصلاح الوطني، فنشرت بالصور والفيديوهات تحركات الأمين العام فيلالي غويني. نفس الأمر بالنسبة لاتحاد النهضة والعدالة البناء الذي يترأس قائمته بالعاصمة حسن عريبي، كما لم يتخلف نشطاء الفايسبوك لكل من التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية "الأرسيدي"، وغريمه المتنافس معه على منطقة القبائل حزب جبهة القوى الاشتراكية "الأفافاس" وكذا الحركة الشعبية الديمقراطية لرئيسه عمارة بن يونس، بالإضافة إلى الجبهة الوطنية الجزائرية وأحزاب أخرى. من جانبه، حزب الموالاة التجمع الوطني الديمقراطي فضل نقل كل تحركات الأمين العام أحمد أويحيى التي كانت بدايتها من ولاية الطارف أقصى شرق البلاد، أما الحزب العتيد (جبهة التحرير الوطني) فكانت صورة الوزير المترشح بولاية تيارت، الطاهر حجار، بارزة بشكل لافت للانتباه عبر الفايسبوك، حيث اختار الوزير شجرة الدردار التي بُويِع تحتها الأمير عبد القادر ليعلن انطلاق حملته الانتخابية. الساخرون والناقمون يردون على المباشر! صورة الوزير حجار لقيت ردا سريعا من قبل الفايسبوكي (علاء الدين. ي) الذي قال معلقا: "المتاجرة باسم الزعماء.... كما قام حسن عريبي ببدء حملته الانتخابية من منزل حسن دريش مقر انعقاد اجتماع 22 التاريخي". وكتب (علي. ز): "حزب التجمع الوطني الديمقراطي سيحصد أغلبية المقاعد في التشريعيات القادمة ليوم 4 ماي 2017، بالحديث عن نسبة 70 بالمائة إنه سيناريو 1992 سيعصف بجبهة التحرير". الفايسبوكي م. محمد تسائل: "لماذا يقول المترشحون ويؤكدون أن البرلمان سلطة تشريع فقط لكي لا نحاسبهم ولا حتي نتصل بهم بمجرد بلوغهم القبه المباركه رضي الشعب عنهم". وكتب (عبد الرزاق.ط) معلقا على الراغبين في عضوية بالبرلمان "وفجأة.. اكتشفوا أن هناك مواطنا.. يستحق أن يُسمّع صوته"!. وعن المواقف التي تدعو للفكاهة والتنكيت، قال (رضا. ش) "مرشح من الأفلان برح البارحة في عرس في خاطر الأفلان..اه..يا بن مهيدي". وبشكل ساخر كتب (علي. ل): "جمال ولد عباس: من يشكك في تاريخي الثوري عليه أن يقرأ مذكرات الفهد الوردي المنشورة تحت عنوان: كفاح الجنود في ثورة جوارب لون الورود". حوارات الفضاء الأزرق مادة دسمة بعض الصحفيين طالبوا آراء على المباشر لنقلها تلفزيونيا، حيث كتب الصحفية فلة سعيدي "ما تقييمكم لليوم الأول من الحملة الانتخابية!! .. تعليقاتكم صالحة للبث التلفزيوني.."، وهي خطوة من مؤسسة إعلامية لجعل النقاش حيا وفعالا فأرادت أن تتفاعل بشكل مباشر مع تعليقات المواطنين المشتركين في الفايسبوك باعتبارهم يشكلون الكتلة الناخبة المعنية باقتراع الرابع من ماي المقبل. حفلات وولائم تنقل على المباشر وتلهم بقية المترشحين فضل آخرون إقامة الولائم ونشر الصور عبر الفايسبوك، فعلق بعض الشباب "إنها ليست صور ولائم زفاف أو إفطار جماعي بل إنها ولاية تبسة تكرس قانون الانتخابات بممارستها للحملة الانتخابية لكن على طريقتها الخاصة!". وعلق آخر على صورة وليمة كبيرة للكسكسي باللحم: "البرنامج الانتخابي ..لأحد الأحزاب التي تسمي نفسها كبيرة وتعتبر التزوير مصلحة وطنية..؟ وليمة...احذر منها..؟"، وكانت تلك الصور ملهمة لبقية المترشحين للحذو نفس مسارهم في عملية جلب عدد من الأصوات لصالحهم، ضمن السباق المشروع الذي تتاح فيه كل الوسائل القانونية للظفر بمقعد برلماني. الوعود الانتخابية تغرق الفضاء الأزرق كتب (جمال. س) عن الوعود الانتخابية للمترشحين التي تعود في كل موعد انتخابي قائلا: "وبعض الوعود كبعض الغيوم ، قوي الرعود شحيح المطر!"، أما (خالد.ع) فقال: "يعرفون حب الوطن في الاستحقاقات الانتخابية فقط، والشعب في كل مرة يقع في فخ الوعود الانتخابية التي تزول بعد فرز صناديق الاقتراع". وفضل (محمد. م) وضع صورة بها مترشح يرسل فقاعات، وكتب "صناعة الوهم.. الوعود الانتخابية". وأضاف الفايسبوكي المرابطي "الوعود... حتى وإن كانت صادقة... ففاقد الشيء لا يعطيه". الوسائط التكنولوجية نافذة جديدة لترقية الفعل السياسي والانتخابي بالرغم من السخط العام للفايسبوكيين على خرجات المترشحين عبر الفضاء الأزرق وعددهم 11334 مترشحا ضمن 940 قائمة انتخابية ، غير أن مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت نوعا جديدا من الخطابات السياسية المباشرة مع الناخب التي تتيح التفاعل وحق الرد، في نفس التوقيت، وتسمح بتوضيح آراء وحق الإقناع بالحجة والمبارزة بالدليل، بعيدا عن الصورة النمطية التقليدية التي ظلت لسنوات فارطة، مختزلة باكتفاء الناخب بالتلميح في صور المترشحين عبر اللوحات الإشهارية في الساحات العمومية، وانتظار خطابه عبر التلفزيون العمومي، أو الاضطرار إلى التنقل لموقع التجمع، فقد اختزلت مواقع التواصل الاجتماعي المسافات وقربت الرؤى والمقترحات، ليتفحص الناخب الغث من السمين، ويدلي بدلوه يوم الرابع من ماي 2017، بمن يراه الأصلح والأجدر لتمثيله على مدار السنوات الخمس المقبلة في قضايا التشريع التي يعني بها المواطن مباشرة.