وجه العديد من النُقاد السينمائيين ممن تواصلت معهم " البلاد " نقداً لاذعاً لواقع الكتابة السينمائية في الجزائر، حيثُ تم وصفها بالمُتخلفة مُقارنة بالإنتاج النصي بالعالم العربي ، إذ تم إعتبارها حتى الآن على غرار بعض الإستثناءاتِ ، لا ترقى للفن السينمائي و يصنف أغلب كتاب السيناريوهات في خانة الهُواة المبتدئين الذين ولجُوا لميدان كتابة السيناريو إستعراضاً للتموقع لا أكثر . قال الأستاذ و السيناريست ناصر محمدي بأن كتابة السيناريو في الجزائر متخلفة حالها كحال السينما، و مُتأخرة جدا مقارنة بالدول الأخرى. وأعتبر ناصر أنه بالرغم من وجود بعض المواهب الحقيقية إلا أن عموم كتاب السيناريو لا يرقوا لهذا الفن. و إعتبر أن الجزائر قد تراجعت في هذا الميدان مقارنة بغداة الإستقلال حيث أنتجت عدة أفلام في المُستوى المطلوب ، كما تأسف للغزو الثقافي الذي تشهدهُ الجزائر سواء كان غربيا أو حتى من تركيا التي تحولت إلى وجهة للإنتاجات المُكثفة مؤخراً . و في نفس السياق، أكد أستاذ الفنون الدرامية أحمد مصطفاوي أن ما ينتج الآن في التلفزيُونات و في السينما، أغلبه ركيكا لا يرقى للفن السينمائي المطلُوب ، ويُضيف بأن معظم كتاب السيناريوهات للسمعي البصري في الجزائر كثيرا ما إقتحموا الساحة بصفة عرضية وإستطاعوا أن يكتسبوا معرفة قليلة غير أنها بقيت سطحية لا تعكسُ المستوى الحقيقي لهذا العمل الجاد من حيث قواعده الرئيسية ، وهذا ما إنعكس سلباً حسبهُ على الإنتاج السينمائي و السمعي البصري سواء تعلق بالأفلام أو المسلسلات التي أغلبها دُون المستوى إلى جانب إفتقادها لعُنصر المتعة للمشاهد الذي أصبح يتجنب متابعتها . وفيما رفض الكثير من كتاب السيناريو ، فكرة وجُود أزمة في مثل هذا النوع من النصوص ، مُعلقين على الأمر بأنه يعُود إلى ضُعف الإنتاج وقلة الإمكانيات وتهميش " السيناريست" بنظرهم ، والذي غالبا ما يُصدم عند مشاهدة فيلمه لعدم تجسيد ما كتبه ، معتبرين أن مهنة الكتابة السينمائية غير مُعترف بها في الجزائر حتى الآن ، ومن بين المسائل التي إتفق حولها هؤلاء أثناء حديثنا إليهم أهمية التكوين في مجال الكتابة السينمائية التي تختلف عن الأدبية لكونها تخضع حسبهُم لتقنيات وقواعد محددة ، حيث تم إعتبار هذه الخطوة ضرورة لإنشاء فرع متخصص في كتابة "السيناريو" بالمعهد العالي لفنون العرض والسمعي البصري بالجزائر ، بالإضافة إلى إعادة صياغة مسألة عدم وجود لغة سينمائية تُخاطب المشاهد بلغته اليومية كما هو الشأن في السينما المصرية وفي بعض البُلدان المجاورة ممن إستطاعت فرض لهجتها بأعمالها . وفي السياق ذاته ، أجمعت كل التدخُلات على أهمية " السيناريو" في العمل السينمائي بصفته الركيزة الأولى التي يبنى عليها الفيلم، مع تأكيدهم على ضرورة إمتلاك الكاتب لثقافة أدبية واسعة ودراية بالسينما ، حيث قال الأستاذ عماد بن خلف الله في هذا الإطار أن إرتقاء الأدب الروائي والفن التشكيلي يُساهمان في منح سينما راقية ،مُستشهدا بأعمال أدباء مثل نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس اللّذين ألهماَ السينما المصرية، إلى جانب أعمال " ألبرتو مورافيا" التي قادت السينما الإيطالية بالصدارة . من جهة أخرى، إعتبر آخرون بأن ركاكة السيناريو أو الأداء يقعُ على عاتق المنتج المسؤول الأول عن الجودة . وفي ذات السياق أكد الكاتب والسناريست عبدالله شرفي بأن السيناريو هو الأساس والأرضية التي يُبنى عليها مشروع العمل الأولي ، سواء في مجال السينما أو التلفزيون ، فنجاحُ أي عمل حسبه مُرتبط بنجاح السيناريو، حيث لا وجود لفيلم جيد دون أن يكون السيناريو جيد لأنه عمل متكامل ، وأضاف عبدالله بأنه يجب أن توفر ثلاث شروط أساسية في السيناريست ، تلكَ المُتمثلة في الموهبة، الدراسة، والخبرة لأن الموهبة وحدها لا تكفي فيجب البحث والدراسة حتى تتطور الموهبة، كما أن الخبرة تُساعد على أخد العبر من الأخطاء السابقة، مُشيرا في حديثه إلى أن الحوار الدرامي لا يشبه الحوار الإخباري ولا الحوار الشعري فهو الحوار الجميل الذي يُعبر عن موقف معين بدقة وبوضوح وبإختصار شديد.وفي سياق آخر تحدثت الأستاذة نسيمة شارلاح عن أهمية تنظيم وفتح مثل هذه النقاشات التي تعد فرصة لكل المعنيين بعالم السينما والإنتاج التليفزيوني من أجل تبادل الآراء والأفكار لترقية طرق كتابة السيناريو، وتطرقت في كلامها ل "البلاد " إلى شُروط أساسية أخرى يجب توفرها في السيناريست وهي أن يكون مُحبا ومتابعا للأعمال التلفزيونية والسينمائية، وأن يكون قارئا جيدا للقصة، الرواية، الفلسفة، علم النفس وغيرها من المجالات، كما يجب أن يكون السيناريست حسب نسيمة محاوراً جيد يحسن التعامل مع مُحيطه، أي كل ما يُشكل عنصرا في هذا العمل الدرامي من مخرج وممثلين وغيرهم، كما أبرزت ذات المتحدثة أهمية إستعمال تكنولوجيات الإعلام والإتصال في الإنتاج السينمائي الذي أصبح يستغني عن الحوار الطويل من خلال إعطاء الأهمية أكثر للحركة عبر الصورة ، والسيناريو تقول نسيمة هو فكرة تحتاج إلى بحث مُعمق وطويل ، مع الإبتعاد عن السطحية تفاديا للأخطاء خاصة إذا تعلق الأمر بسيناريوهات أفلام ومسلسلات تاريخية ، والتي شبهتهُ بالمخرج الإفتراضي للفيلم أي يجب أن يكون في موقع المخرج، الممثل والمتفرج وليس له الحق في التدخل، وركزت في الأخير على عنصر مهم جدا ألا وهو اللّغة حيث شدّدت على ضرُورة إستعمال اللُّغة التي يُمكن أن يستفيد منها أكبر عدد مُمكن من الناس. وفي الأخير تبق عملية عدم ترقية مهنة كاتب السيناريو وإنعدام الفصل بين عمل المخرج والسيناريست جد مُأسفة على مستوى الوسط الثقافي الجزائري ، فوُجوب ترقية مهنة كاتب السيناريو ضرورة لابد منها من أجل التوصل إلى تحقيق إنتاج سينمائي ذي نوعية ، لما لهذا الأخير من قُدرة على تجسيد فكرة وإنتاج نص سينمائي رفيع المستوى .