تضاعف إدارة صندوق النقد الدولي ضغوطها على الحكومة الجزائرية من خلال التقارير والتوصيات المتكررة لإعادتها إلى عهد "المديونية". وتكشف المباحثات التي أجراها وزير المالية، عبد الرحمن راوية في واشنطن مدى انشغال هيئة "بروتن وودز" بآلية التمويل غير التقليدي التي اعتمدتها الحكومة لمواجهة الأزمة المالية لتفادي خيار اللجوء إلى الاستدانة من الخارج وما يرافقه من "إملاءات" وسياسات "لي الذراع" التي مرت بها الجزائر خلال التسعينات وهي الفترة التي عاشت فيه البلاد "أسوأ" سنواتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي. وتحادث وزير المالية عبد الرحمن راوية بواشنطن مع مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي جهاد أزور ومسؤولين بالقسم المكلف بالنفقات العمومية والمسائل الجبائية، حيت انصبت المقابلة حول "رفض" خبراء الصندوق لسياسة الحكومة بخصوص التمويل غير التقليدي. وحذّر "الأفامي"، الجزائر، من الإفراط في الاعتماد على التمويل غير التقليدي، خاصة طباعة الأموال. وأعاد مسؤولو قسم النفقات ما جاء في تقريره الأخير أن "الجزائر تتجه مباشرة نحو أزمة مالية"، متوقعا تجاوز نسبة التضخم المستويات المعتادة. ويتوقع صندوق النقد الدولي، في تقريره حول الاقتصاد الجزائري الصادر الإثنين الماضي، أن "يبلغ النمو الداخلي الخام الجزائري 3.5% في 2018"، متوقعا أرقاما أقل للنمو في السنوات القادمة. وبخصوص السنوات المقبلة، رسم خبراء الصندوق صورة قاتمة؛ إذ قالوا إنه "من الصعب على الجزائر الوصول إلى 2% من نمو الناتج الداخلي الخام سنتي 2019 و2020، وهي نسبة تعبّر في ذاتها عن نمو ضعيف بالنسبة لبلد يشكل فيه الشباب نسبة كبيرة من السكان". واستعرض الوزير راوية خلال محادثات، نهاية الأسبوع، التطور الأخير في الوضع الاقتصادي في الجزائر; مبرزا الأحكام التنظيمية المعتمدة لتأطير اللجوء إلى التمويل غير التقليدي من خلال إجراءات صارمة في مجال متابعة وتنفيذ برنامج إصلاحات هام. وأوضح راوية أن التمويل غير التقليدي موجه نحو القطاع المنتج بغية تشجيع النمو واستحداث مناصب شغل. وشدد وزير المالية على أن "الحكومة سترافق تطبيق التمويل غير التقليدي لسد العجز في الميزانية برقابة صارمة لتفادي التضخم"، مضيفا أن "اللجوء إلى هذا التمويل خيار اقتصادي بات ضروريا لتفادي خيار الاستدانة الخارجية". كما دارت المحادثات حول وضع التعاون بين الجزائر وصندوق النقد الدولي في مجالات الجباية والميزانية والجمارك. وأعرب مسؤولو صندوق النقد الدولي في هذا الصدد عن استعداد هيئتهم لمرافقة جهود الجزائر عبر نشاطات دعم تقني، لاسيما في مجال تطوير الجباية المحلية وتحصيل الضرائب وتسيير الميزانية وعصرنة إدارة الجمارك. وكان الوزير الأول، أحمد أويحيى، قد كشف، يوم السبت الماضي، أن "الجزائر طبعت قرابة 2200 مليار دينار (نحو 19.5 مليار دولار)، سمحت للبنك المركزي بإقراض الخزينة العمومية التي ستوجه الأموال إلى تمويل المشاريع العمومية ودفع الديون المستحقة على عاتق الدولة". وأكد أويحيى، الذي يوصف بمهندس عملية "التمويل غير التقليدي"، أن "نسبة التضخم انخفضت من 5.6% نهاية 2017 إلى 5.2% في جانفي الماضي، ثم إلى 4.9% شهر فيفري الماضي، وهي أرقام تؤكد تحكم الحكومة في التضخم عكس تحليلات الخبراء"، حسب أويحيى.