البلاد - بهاء الدين.م - دخلت الجزائر ليلة أمس مرحلة من "السوسبانس الطويل" فجرها صدور البيان المنسوب للرئاسة حول "القرارات الهامة" التي كان شقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة، اتخاذها باسم أخيه. و عاش الجزائريون تطورات متسارعة خيّمت عليها الإشاعة و توالي البيانات "المزورة" و ردّة الفعل "القوية" من الحراك الشعبي و الطبقة السياسية و النشطاء الفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي على "مناورات الالتفاف" التي يقوم بها جناح الرئيس الذي اضطر أمس لتقديم استقالته بعدما ضاقت عليه المنافذ من كل جانب. وكشفت مصادر ل "البلاد" أن النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر يتجه نحو إصدار مذكرة توقيف ضد أفراد العصابة التي كان يقودها السعيد بوتفليقة. وقابل الجزائريون بيان السعيد الذي وقّعه باسم رئاسة الجمهورية ، والذي تضمن تعهدا باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل انتهاء مأموريته الرئاسية في 28 أفريل الجاري بمزيد من المظاهرات الداعية لرحيل النظام وتغيير المنظومة الحاكمة برمتها و إرجاع ختم "الرئاسة" الذي أصبح في يد "قوة غير دستورية مثيرا بذلك جدلا شعبيا و سياسيا و قانونيا واسعا واسعا. و وصلت خطورة الأمر حسب اعتراف وزارة الدفاع الوطني أمس إلى الإقدام على "إصدار بيان يوم الفاتح من أفريل بيان منسوب لرئيس الجمهورية، لكنه في الحقيقة صدر عن جهات غير دستورية وغير مخولة، يتحدث عن اتخاذ قرارات هامة تخص المرحلة الانتقالية". ختم الرئاسة و في تسارع الأحداث أودع أمس مواطنون و قانونيون شكوى ضد السعيد بوتفيلقة شقيق، عبد العزيز بوتفليقة، لدى النيابة العامة بمجلس قضاء العاصمة. واتهم أصحاب الشكوى السعيد الذي يشتغل مستشارا برئاسة الجمهورية باستعمال التزوير والمزور وانتحال شخصية، من خلال الاستيلاء على ختم الجمهورية وانتحال صفة رئيس الجمهورية. واستند أصحاب الشكوى لنصوص قانون العقوبات، وما جاء في بيان قائد الأركان وأخبار تؤكد على عملية تخابر المعني على مصالح البلاد مع جهات أجنبية. و أكثر من ذلك وفي فترة وجيزة صدر بعد بيان السعيد بيانان مزيفان أيضا باسم الرئاسة أيضا، وتم تكذيبهما مباشرة بعد انتشارهما لحشر الجناح الرئاسي في الزاوية. وتم بث البيان الأول مساء الاثنين باسم رئاسة الجمهورية ويزعم تنحية بوتفليقة لنائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح، حيث انتشر البيان بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مصحوبًا بإشاعات عن تطويق مقر التلفزيون العمومي من طرف القوات المسلحة. جميع من اطلع على ذلك البيان المزعوم يتذكر أنه قبل صدوره بساعات قليلة أعلن بيان السعيد بوتفليقة الذي أعلن عن استقالته قبل 28 أفريل وأنه سيتخذر قرارات مهمة لضمان استمرارية المؤسسات خلال الفترة الانتقالية. وبعدها بسرعة أكدت وزارة الدفاع الوطني أن البيان "مزيف ولا أساس له من الصحة". وفي صباح أمس الثلاثاء انتشر بيان آخر منسوب الى رئاسة الجمهورية ويزعم أن المستشار بالرئاسة علي غازي هو من كتبه، ويحمل محتوى خطير جدا حيث يتكلم عن "انقلاب ضد الرئاسة ويدعو الشعب لدعم المؤسسات الشرعية ضد الانقلابيين". ولكن تم أيضا نفيه بسرعة، وهذه المرة ليس من وزارة الدفاع الوطني، بل من طرف المستشار في رئاسة الجمهورية علي بوغازي، معربًا عن "استغرابه واستنكاره لاستخدام اسمه وتوقيعه في بيان مزيف". التفاف على مطالب الشعب و يؤكد الأكاديمي و الباحث المتخصص في الشؤون السياسية جلال مناد، في تصريح ل "البلاد" أنه "في هذه الظرفية الدقيقة للبلاد، يجب أن يتم الاستماع للمؤسسة العسكرية باعتبارها الهيكل التنظيمي الوحيد المتماسك والذي يحظى بالتفاف الجماهير الشعبية والطبقة السياسية بمختلف حساسياتها". و تابع المتحدث أن " الوضع الحالي، فرض على قيادة الأركان العامة للجيش الشعبي الوطني، أن تسارع الخطى لممارسة صلاحياتها الدستورية في حماية الشعب والدولة والمال العام، لاسيما في وقت تشهد فيه البلاد مساعي لهيمنة قوى غير دستورية على دوائر صنع القرار". و أشار مناد أنه "مقابل ذلك، نشهد تحركا إيجابيا من المؤسسة العسكرية لتجاوز الأزمة، ولكن رسائلها الموجهة للطبقة السياسية ومؤسسة الرئاسة، لم تتلق تجاوبا مطلوبا لطي الأزمة السياسية بالأساس، لذلك تأتي الاجتماعات رفيعة المستوى على مستوى القيادة العامة لأركان الجيش الوطني الشعبي، لغرض تباحث إمكانية تفعيل إجراءات قانونية وخطوات عملية ضد القوى غير الدستورية". و في حديثه عن تمادي جناح السعيد بوتفليقة في الالتفاف على مطالب الشعب قال المحلل السياسي أن "التغيير الحكومي الأخير جانب الصواب ولم يحمل معه بوادر انفراج الأزمة، والبيانات الصادرة من جهة الرئاسة في هذه الظرفية الدقيقة، تشكل خطورة بالغة على استمرارية الدولة بمؤسساتها المختلفة، حيث المطالب الشعبية المشروعة لم تتم الاستجابة لها من طرف السلطة والقرارات المتخذة هدفها الوحيد ربح الوقت وإطالة عمر الأزمة وإثارة الانقسام والالتفاف على المطلبية الجماهيرية". و في إشارة مباشرة لمناورات ما يسمى بجناح زرالدة الذي يقوده السعيد بوتفليقة بالتحالف مع المدير السابق للمخابرات الجنرال توفيق شدّد الرئيس السابق اليامين زروال أن "اليوم وأمام خطورة الوضعية يجب على أصحاب القرار التحلي بالعقل والرقي لمستوى شعبنا لتفادي أي انزلاق". و من جهته أكّد المحامي ورئيس اللّجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان سابقا، فاروق قسنطيني، أن "عدم امتثال جناح الرئاسة في الاستجابة لمطالب تفعيل مادة شغور المنصب الرئاسي أحدث حالة من الانسداد التي لاتزال تتخبط فيها البلاد منذ سنوات"، مؤكدا بأن "صلاحيات الرئيس ستتوقّف يوم 28 أفريل دستوريا، ليحوّل إلى مواطن عادي لا يملك حق الاقتراح، و ليصبح من حق الشعب والطبقات السياسية الأخذ بزمام ترتيب المرحلة الانتقالية". وشدّد فاروق قسنطيني على ضرورة "الالتزام باحترام الدستور من أجل الوصول إلى نتائج ترضي الشعب الجزائري، مؤكدا أن اقتراح تطبيق المواد 102 و7 و8 من الدستور تبقى حلول ابتدائية لحل الازمة السياسية في الجزائر". طغمة فاسدة و تفيد مصادر "البلاد" أن تسارع الأحداث بهذه الطريقة عزّزها تحرك النيابة العامة ضد "الطغمة الفاسدة" التي طالب الحراك الشعبي بمحاكمتها حيث استنفر السعيد بوتفليقة مقربية في اجتماع عقد بزرالدة للرد على هذه الخطوة من خلال سلسلة بيانات منسوبة للرئاسة. و ثارت ثائرة السعيد بوتفليقة عقب توقيف رجل الأعمال المثير للجدل علي حداد، على المعبر الحدودي مع تونس أم الطبول، بعدما حاول السفر إلى تونس. و يعد حدّاد، من أكبر الداعمين لحكم بوتفليقة ويظهر في كل المناسبات الرسمية إلى جانب السعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس. و لأول مرة جرى أمس وصف جماعة الرئيس بالعصابة من قبل نائب وزير الدفاع الوطني و رئيس أركان الجيش الوطني، الفريق أحمد ڤايد صالح، خلال اجتماعه في مقر أركان الجيش الوطني الشعبي، بكل من قادة القوات وقادة النواحي العسكرية والأمين العام لوزارة الدفاع الوطني ورئيسا دائرتي أركان الجيش الوطني الشعبي. وذكر رئيس الأركان في هذا الشأن أن "المساعي المبذولة من قبل الجيش الوطني الشعبي منذ بداية الأزمة وانحيازه الكلي إلى المطالب الشعبية، تؤكد أن طموحه الوحيد هو السهر على الحفاظ على النهج الدستوري للدولة، وضمان أمن واستقرار البلاد وحماية الشعب من العصابة التي استولت بغير وجه حق على مقدرات الشعب الجزائري، وهي الآن بصدد الالتفاف على مطالبه المشروعة من خلال اعتماد مخططات مشبوهة، ترمي إلى زعزعة استقرار البلاد والدفع بها نحو الوقوع في فخ الفراغ الدستوري". وفي ظل تسارع الأحداث، جرى تداول معلومات عن منع كل الطائرات الخاصة من الإقلاع أو الهبوط في مطارات البلاد، في مذكرة وجهت إلى الطيارين، على أن يبقى الإجراء سارياً حتى 30 أفريل، بينما لم يتم إعطاء تبرير لهذا الإجراء الذي تمّ الإعلان عنه بعد اعتقال السلطات لحداد. و أصدرت النيابة العامة بيانًا كشفت فيه عن فتح تحقيقات في قضايا فساد وبأن وكيل الجمهورية أصدر أوامر بمنع مجموعة من الأشخاص من مغادرة الجزائر. وبالرغم من عدم إعلان النيابة العامة عن قائمة الأسماء إلا أن مصادر "البلاد" كشفت عن الشخصيات التي جرى سحب جوازات سفرها، كلهم من رجال الأعمال، وعددهم 12 شخصًا. ويتعلق الأمر بكل من، رضا كونيناف، كونيناف طارق، كونيناف عبد القادر، علي حداد، محي الدين طحكوت، وطحكوت ناصر، بايري محمد، عمر حداد، طحكوت بلال، طحكوت رشيد، بالإضافة إلى ولد يوسف محمد، وبودينة إبراهيم. رهان على العدالة وشكّل انضمام سلك القضاة إلى الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر منذ 22 فيفري الماضي، بتطوراته المتسارعة، ضربة موجعة للنظام، ودفعاً قويّاً للمطالب التي يرفعها الشارع لبسط دولة القانون والحق والعدالة الاجتماعية، الغائبة على مدار السنوات الماضية. واعتبر عدد كبير من الجزائريين أن مشاركة القضاة في الحراك، كان نقطة التحول وورقة الحسم لقلب الموازين، بالنظر إلى حساسية هذا السلك ودوره في محاسبة المفسدين. وفاجأت مشاركة القضاة في وقفات إحتجاجية على ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة في بادئ الأمر، وبعدها مطالبتهم برحيل النظام، كثيرين في البلاد، ووصِفت باللحظات التاريخية التي تشكل سابقة لم تشهدها الجزائر.وبتاريخ 11 مارس، حاول وزير العدل الأسبق الطيب لوح، ممارسة عدة ضغوطات على القضاة، باتهامهم بخرق مبدأ الحياد، لكنهم واصلوا مساندتهم ودعمهم للحراك الشعبي ورفع القضاة في مدن عدة، شعارات أبرزها "عدالة مستقلة"، "القضاة أبناء الشعب"، "القانون فوق الجميع"، "القضاء جزء من الشعب" و«القضاة ضد خرق الدستور". وطيلة فترة حكم بوتفليقة، واجه قطاع العدالة في الجزائر، انتقادات لاذعة، في ظلّ تفجّر قضايا فساد كبيرة وغير مسبوقة، وطعن عدد كبير من الحقوقيين في طريقة معالجتها،بشكل أسقط كل تعهدات السلطة باستقلالية القضاء.أما اليوم وبعد خروج الملايين إلى الشارع للمطالبة برحيل النظام، يقع على عاتق القضاة، مسؤولية كبيرة في محاسبة الفاسدين والقيام بواجبهم في إعلاء كلمة الحق والقانون لأنها أساس السلطة.