علاقاتنا الاقتصادية مع الجزائر لن تتطور في غياب خط جوي أعطيت تعليمات صارمة لمنح التأشيرة لكل جزائري يريد زيارة السودان
البلاد - الطاهر سهايلية - بلغة سهلة وبدون بروتوكولات دبلوماسية تحدث سفير دولة السودان بالجزائر"العبيد محمد العبيد" في حوار خص به "البلاد"، عن آخر مستجدات العلاقات الثنائية التي تجمع بين الجزائر والسودان حيث أثنى عليها في جانبها السياسي والدبلوماسي، وبدى كأنه غير مرتاح في جانبها الإقتصادي خاصة بعدما كشف لنا عدد الإتفاقيات التي قدرت ب 42 إتفاقية منها من تم توقيعها ومنها من مازالت قيد الدراسة، إلا أن الجزء الذي تم توقيعه بقى حبرًا على ورق. أما بخصوص الأزمة التي يمر بها بلاده، أكد الدبلوماسي السوداني، أن الشعب هو صاحب الكلمة والقرار، مشددًا في الوقت ذاته أنه بالرغم من كل ما حدث وكل ما تم تحقيقه في الآونة الاخيرة لن يذهب سدى، في إشارة إلى أنه لا مناص على دولة القانون والديمقراطية. بداية كيف تقيمون مستوى العلاقات بين الجزائر والسودان؟ بطبيعة الحال، لا تخلو علاقات بين بلدين إلا أن تخللتها اتفاقيات ذات اهتمام مشترك، الجزائر والسودان مثل باقي الدول لدينا اتفافيات تم عقدها وأخرى قيد الدراسة، إضافة للتشاور والتنسيق في المحافل الإقليمية والدولية والتعاون الثنائي المباشر خاصة بين وزارتي الخارجية. هناك تشاورات بين الجهات العليا ترسل رسائل على أن البلدين لديهما رغبة مشتركة في تطوير هذه العلاقات خاصة عن طريق اللجنة الوزارية المشتركة ولجنة التشاور السياسي، وذلك من حيث الآليات والميكانيزمات التي تحرك العلاقة بين البلدين الشقيقين وكذا الزيارات المتبادلة والمشاركات في المعارض الدولية هنا وهناك. زد على ذلك التعاون العسكري والمتمثل في تدريب وتكوين الإطارات والكوادر السودانية. الجزائر حقيقةً كريمة خاصة مع حكومتنا حيث مكنت كوادرنا من تطوير مستواهم في شتى المجالات خاصة الجانب الأمني كالشرطة والجيش. دون أن ننسى التعاون الثقافي والأكاديمي فقد منحت الجزائر عدة فرص للسودان، فمثلاً قدمت فرصا لتكوين وتعليم الطلبة السودانيين، حيث قدمت منحا تتراوح ما بين 10 و20 منحة في جميع التخصصات.
كم يقدر عدد الطلبة السودانيين والمقيمين هنا بالجزائر؟ يوجد حوالي 50 طالبًا في مختلف التخصصات، بالإضافة إلى 10 مقيمين يعني كلهم 60 شخصًا.
نعود إلى الاتفاقيات المبرمة بين البلدين هل يمكن أن تكشف لنا عددها؟ طبعًا.. هناك حوالي 42 اتفاقية، ولكن للأسف الشديد ظلت حبرًا على ورق، لم يتم تنفيذها، شخصيًا لا أستطيع أن ألقي اللوم عن هذا الجانب أو ذاك، ولكن المسألة تحتاج إلى عقد اجتماع اللجنة الوزارية بشكل منتظم تخيل آخر اجتماع لها كان في 2010.. هناك حاجة في انتظار انعقادها وإحياء التعاون فمثلا الجانب السياسي تقريبًا جمد لاحظ مع هناك عدة ملفات سياسية إقليمية ودولية تحتاج للتشاور كالأزمة الليبية، الهجرة، الاتجار بالبشر، وغيرها كل هذا يتطلب التشاور بين البلدين وهنا أقصد لجنتي التشاور على مستوى وزارتي الخارجية فقط. نحن بحاجة لتنشيط هذا الجانب الذي بدوره يعزز العلاقات الثنائية ويحدد التحديات التي تواجهنا هنا وهناك، الذي أدعو له هو ضرورة الاهتمام أن تعقد هذه اللجان بشكل منتظم. هناك ظروف مقدرة كهذه الظروف مثلاً التي تمر بها الجزائر والسودان، فقط أرجو أن تهدأ الأمور ويعود الاستقرار لكلا البلدين، أنا متفائل بمستقبل علاقاتنا خاصة بعد مرور هذه الظروف، أعتقد أن الجانبين سيعملان على تحريك العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك في الأيام القادمة.
ماذا عن الخط الجوي المباشر الذي تحدث عنه الجانبان في السنوات الماضية؟ سؤال مهم جدًا.. مع الآسف لا يوجد هناك ربط جوي مباشر بين البلدين لحد الساعة رغم قرب المسافة، ولم نتطرق لهذا الملف لحد الآن، لقد اشتغلت كدبلوماسي في عدة دول إفريقيا وعربية لاحظت أن الجزائر لديها خطوط جوية مباشرة مع بلدان بعيدة كساحل العاج (كوديفوار) مثلا هناك 3 رحلات يومية بين البلدين رغم بعد المسافات، مقارنة مع السودان فنحن الأقرب. أتمنى أن يفتح خط جوي أو بحري لأن هذا الخط سيحرك عجلة التنمية والإقتصاد والوفود وتواصل الشعوب بالدرجة الأولى. لا يمكن أن نتحدث عن تعزيز العلاقات في غياب خطوط جوية وبحرية وبرية بين البلدين.
ما السبب في ذلك، هل تقصد غياب الإرادة السياسية لدى البلدين؟ لا أعتقد ذلك، الإرادة السياسية موجودة بين البلدين، ولكن أظن أن نظرة الشركاء ل"الربح" بالدرجة الأولى من عرقل هذه الخطوة، فمثلاً بعض الشركات الاستثمارية تنظر للعلاقات من هذا الجانب فقط، هناك الكثير من الفرص يجب أن نستثمرها من خلال إعادة مراجعة دراسة السوق وتغليب المصلحة الجماعية قبل الشخصية.
سمعنا أنكم تحضرون لتنظيم منتدى لرجال الأعمال قريبًا، هل يمكن أن تحدثنا قليلاً عنه؟ نعم، هذه من أهم الخطط التي عملت عليها منذ وصولي وناقشتها مع الشركاء، وسنعرض مستجداته قريبًا، وخلال الجلسة إقترحت على الشركاء حرية الإختيار تنظيم هذا المنتدى هنا أو هناك، وهذا المنتدى يعد من بين أبرز المواضيع التي طرحتها مع رئيس الغرفة التجارية بالإضافة إلى معرض المنتوجات الاقتصادية. وحسب رأي الشخصي أن هذين الموضوعين سيتم الفصل فيهم بعد أن تهدأ الأمور هنا وهناك (يقصد إلى أن يتوقف الحراك بالجزائر والسودان وتحل أزمتا البلدين).
ماذا عن قضية التأشيرة بين البلدين، هل هناك إمكانية لإلغائها مستقبلا؟ طبعًا هناك تأشيرة، فقط لا يوجد تأشيرات على حاملي جوازات السفر الدبلوماسي، لكن بالنسبة لباقي المواطنين فإن طلب استخراج التأشيرة لا يتجاوز ساعة واحدة وهذا حرصًا مني فقد أمرت مؤخرًا القسم القنصلي بأن يمنحوا التأشيرة لكل من يريد السفر نحو السودان، فقط إلا لتلك الفئة التي لها متابعات قضائية فقد تتطلب وقت للدراسة والرد، وهذا الجانب ملتزم به كلا البلدين.
هل لديك ما تضيفه باختصار في ملف العلاقات الثنائية قبل أن ننتقلإلى جانب آخر؟ أود أن أنوه إلى أنه بالرغم من بعد المسافة بين الشعبين إلا أن هناك محبة بينهما، كما أن للجزائر مكانة خاصة في قلب كل سوداني وتجسد ذلك خلال المباراة الفاصلة بين الجزائر ومصر في 2010 التي أقيمت بالخرطوم، وليس هذه المباراة فقط من تبرز هذا الشيء، رغم أننا نولي كل المودة والاحترام للجارة مصر. أود أن أُشير إلى أنه خلال فترة تواجدي هنا لاحظت أن هناك الكثير من الزيجات بين شعبي البلدين وهذا شيء إيجابي وهي إشارة إلى أن الشعبين يريدان التقارب أكثر.
لنغلق ملف العلاقات الثنائية وندخل مباشرة في ملف الأزمة في السودان بعيدًا عن لغة الإعلام، إلى أين وصلت مستجدات الأزمة؟ كما رأيتم كان من المفروض أن يوقع المجلس العسكري الإنتقالي وقوى الحرية والتغيير، بشكل نهائي على الوثيقة الدستورية إلا أن الظروف لم تسمح بذلك بسبب أن هناك بعض الأطراف لديها إضافات وطلبت المزيد من الوقت لمراجعة كل الجوانب التي تتعلق بالتوقيع ولذلك كما رأيتم تم تأجيلها إلى ال17 أوت الجاري. أشير هنا إلى أن حتى حركات التمرد (المسلحة) قد تم ضمها للحوار الوطني ولهذا يجب أن نرى في ما تحمله خاصة وأن قوى التغيير أبرمت لقاء معها وكانت لهما مواقف ونقاط مشتركة. ولهذا فإن المرحلة الانتقالية تتطلب على الأقل 6 أشهر وذلك بغية ضمان السلام أولاً، لأنه بدون سلام واستقرار لا يكون هناك تنمية ولا نحرز أي تقدم. كما لا ننسى أن أحد بنود الاتفاق يحمل في طياته بند يتضمن وثيقة الدوحة وهذا بحاجة لمراجعة بالإضافة للنص الذي يشير إلى تعويض النازحين هذا من جهة ومن جهة اخرى نحتاج لمزيد من الوقت لتحقيق دولة القانون والعدالة الإجتماعية. إن كل الخطوات التي قام بها الأطراف جاءت بعد فترة طويلة من التوترات والمحادثات والمواجهات بين قوى التغير والمؤسسة العسكرية وكما شاهدتم سقط ضحايا معظمهم من فئات الشباب وهنا نتأسف لحدوث مثل هذه الحوادث..وبطبيعة الحال كما يقول جون كيندي " ثمن الحرية باهظ". إن النظام السابق (يقصد نظام البشير) وجه المتظاهرين بالقمع والتعذيب لحد وصوله لقتل الشعب، دفع الشباب الذي يعد وقود الثورة الغالي والنفيس، إن البشير لم يدرك أن الثورة كانت عبارة عن تيار جارف لا يمكن إيقافه بالرصاص وبالقوة. وحين أدرك الوطنيون أن ثورة الشباب لن تتوقف وأنها أضحت تشكل خطورة بإمكانها أن تعصف بوحدة وسلامة السودان وجر أمن المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه، تدخلوا بعقلانية ووعي كبير وذلك أيضا بمساعدة بعض الدول الشقيقة، فالإتحاد الإفريقي وإثيوبيا على وجه الخصوص مثلاً لعبا دورًا كبيرًا في التواصل الأطراف لإتفاق يفضي هذا الصراع. لقد أثبت الأخوة في السودان للعالم الغربي إلى أن دول الإفريقية قادرة على حل مشاكلها الداخلية بنفسها وبدون تدخلات أجنبية هذه الرسالة أتمنى أن يفهموها. إن كل ما توصلنا إليه لحد الآن كان نتيجة دراسة ومتابعة وتعلم واخذ الدروس والعبر من الدول التي مرت على تجارب الديمقراطية ونحن نعمل على ترسيخ وتكريس الديمقراطية في بلدان عاش ويلات الاستبداد والقمع والدموية، واليوم من حق السودانيين ان يقيموا دولة الحق والقانون والعدالة يقودها نظام ديمقراطي يضمن حقوق المواطنين ويحميهم ويحمي مصالحهم في الداخل والخارج ويضمن لهم العيش بكرامة. ويخرجه من العزلة ويرفع عنه العقوبات الاقتصادية والشبهات كدعم الإرهاب ويعيد له مكانته الإقليمية والدولية، وذلك لن يكون إلا عن طريق تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة وتحت رقابة محلية ودولية، يختار من خلالها الشعب رئيسه بكل حرية.
على ذكرك للدور الذي قامت به إثيوبيا.. هل تعتقد أنه لولا الوساطة التي قامت بها آديس أبابا لما تحققت كل هذه النتائج؟ بالتأكيد، إثيوبيا قامت بدور كبير ولا يمكن أن نخفي هذا أديس أبابا تحركت لأنها فهمت أنها أمن السودان من أمنها وعدم الإستقرار سيؤثر على المنطقة ككل وأولهم إثيوبيا باعتبارها جارة، وهذه الجارة تربطنا معها علاقات متينة جدًا.. علاقات أخوة ومحبة وترابط وزيجات بيت شعبيين وهذا بغض النظر عن وساطتها الناجحة ودورها الفاعل رغم أنه مؤقت.
كيف تُقيم مواقف كل من الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة وبعض الدول كالإمارات والسعودية اللتين يرى بعض المتابعين أن دورهما أثر سلبيًا على مجريات الثورة أقصد في بداياتها؟ لا ننسى أن الاتحاد الإفريقي له ثقل كبير في القارة كما أن مقره ليس بعيدًا عن الخرطوم، إن السودان قام بدور كبير في حرب العراق وإفريقيا الوسطى، وبالتالي يمكن القول أن الإتحاد الإفريقي أراد أن يرد لنا الدين إن شئت قول ذلك. أما بالنسبة للجامعة العربية فهي الأخرى أرادت أن لا تغيب عن المشهد والسودان عضوًا بالجامعة ولكن نشهد بأنها كانت حاضرة. أما بخصوص الدول التي ذكرتها وبغض النظر عن الردود السياسية فصراحةً دعمونا في الفترة الأولى من الناحية الاقتصادية نظرًا لشح السلاح مثلاً نهيك عن الغلاء الفاحش الذي شهدته البلاد بالإضافة لإنهيار العملة وبالتالي واجهنا مشكل صعب للغاية، ولهذا نشكر الأخوة على مساندتهم لنا. أما بالنسبة للأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي هما أيضا قاما بدور لحد ما.. ولكن كل منهما بدرجات متفاوتة الكل من موقعه وفي حدود المساحة المتحرك فيها.
شككت الكثير من التقارير الإعلامية وأخرى صادرة عن منظمات دولية حول نوايا المجلس العسكري الانتقالي، هل تعتقد حقًا أن السودان يتجه نحو بناء ديمقراطية حقيقية كتلك التي يحلم بها الشعب؟ أنا متفائل رغم أنني أقول إنه ليس هناك بديل أو سبيل إلا الحوار، ودون الجلوس على طاولة المفاوضات سنخسر، لأن الحوار هو الوسيلة الوحيدة للخروج من النفق المظلم للثورات والأقرب لحلحلة الأزمة لأن الثورات خطيرة وغير مؤمونة العواقب والنتائج لا تعرف كيف تبدأ وكيف تنتهي. وهنا أود أن أُؤكد أننا نرفض التدخلات العسكرية الأجنبية في بلادنا. أتمنى من كل دول العالم أن يدعموا الوثيقة، إضافة للدعم المالي والمعنوي.
هل لديك ما تضيفه؟ أتمنى أن نعوض ما فاتنا وأن نعمل على تمتين اللحمة بين الشعوب وتحقيق طموحاتهم ونستثمر في طاقالتهم الجبارة خاصة فئة الشباب، كما أود أن أشكركم على هذه الالتفافة الطيبة، وعلى اهتمامكم بالعلاقات الثنائية بيننا ولما يحدث في بلدنا.