ونحن ندخل مقر السفارة السودانية بالجزائر العاصمة استقبلنا سعادة سفير السودان عصام عوض متولي والطاقم الدبلوماسي بترحيب حار، وخلال لقائنا المطول تطرق السفير إلى الحديث عن العلاقات الجزائرية السودانية في شتى المجالات وكذا مواضيع أخرى تخص الشأن السياسي السوداني في حوار هذا نصه: * كيف ينظر سعادة السفير للعلاقة الجزائرية السودانية، خاصة وأن الجزائر دولة قوية وغنية ولها وزنها في القارة الإفريقية والثقل الجزائري هذا مؤثر في القارة السمراء ؟ – حقاً الجزائر باتت تمثل رقماً لا يمكن تجاوزه في القارة الأفريقية ولها مكانة مرموقة على المستوى الإقليمي والدولي وذلك من خلال مساهمتها في حل المشكلة الليبية، أزمة مالي، بالإضافة إلى تبنيها للقضية الفلسطينية، وكذلك استضافتها واحتضانها لعدد من الاجتماعات والمؤتمرات في هذا الصدد. العلاقات الجزائرية السودانية علاقات وطيدة وقوية وتزداد متانة يوما بعد يوم، والتعاون بيننا مستمر على كافة الأصعدة، على سبيل المثال لا الحصر التعاون الاقتصادي والتجاري وكذلك الثقافي وغيرها من مجالات التعاون التي تصب في مصلحة البلدين.
* أين وصلت العلاقات الاقتصادية اليوم بين البلدين خصوصاً وأن التوقيع على استيراد اللحوم والسمسم من السودان بدأ قبل سنوات، وكانت هنالك مساهمة أيضاً من قبل الجزائر في التدريب والأصول الوراثية لبعض النباتات والدواجن وعدة شركات عملاقة تعمل فيما بينها من كلا البلدين ؟ – شهد مجال التعاون في الجانب الاقتصادي تطوراً ملحوظاً، فقد تم توقيع اتفاقية شراكة بين مجموعة جياد الصناعية ومجموعة بن حمادي الجزائرية على تأسيس شركة في السودان تضم المجموعتين تعمل في مجال تجميع وتصنيع وتسويق الأجهزة الكهرومنزلية، الأجهزة الإلكترونية، أجهزة الوسائط المتعددة، خلايا الطاقة الشمسية، المنتجات البلاستيكية، مواد البناء، ولكن هنالك بعض الإشكاليات والعقبات التي حالت دون التنفيذ ونسعى لتذليلها, كما تم أيضا توقيع عقد إيجار قطعة أرض بين هيئة الموانئ البحرية بالسودان ومجموعة سيفيتال الجزائرية ليشيد عليها مصنع لتكرير الزيوت والسكر. كما طلبت نفس المجموعة التصديق لها بالتنقيب عن الحديد في السودان وتمت الموافقة لها، لكن المشكلة كانت في التحويلات البنكية وكذلك العقوبات المفروضة على السودان، ومدير المشروع يزور السودان باستمرار للمتابعة ونأمل من جانبنا مواصلة المشروع. وتوجد أيضا شركة التركيب الصناعي وقد نفذت مشروعين وتقوم حاليا بإنجاز مشروع ثالث، شركة سوناطراك أيضا باشرت بدورها القيام بثلاث دراسات، مع العلم أن السودان لديه احتياج للغاز المنبعث الذي يتم إحراقه، كذلك أيضا في المصافي، كما طالبت سوناطراك بمربع للاستكشاف وهو مربع 25 لكن لبطء الإجراءات من جانب سوناطراك لم يتم تنفيذ هذا المشروع. أيضا قامت شركة العزيز للتطوير الزراعي بزيارة السودان وإعداد الترتيبات اللازمة لمباشرة عملهم بالولاية الشمالية حيث تم منحم 150 ألف فدان (أرض زراعية ). وحاليا تم توقيع شراكة بين شركة الهضاب العليا وهي استثمار سوداني جزائري هندي وشركة سوناطراك في مجال إنتاج مبيدات الحشائش وستبدأ عملها قريباً. فيما تعلق بالسمسم فقد تم توريده أكثر من ثلاث مرات لكن الإجراءات البنكية الجزائرية أعاقت التحويلات مما أدى لتوقف العمل. في المجال الزراعي هنالك دورات تدريبية على مستوى الخبراء بالبلدين ومازالت مستمرة.
* ماهو حجم التبادل بالأرقام بين البلدين، وماهو دور الأسواق الحرة والمعارض المقامة سواء في الجزائر أو السودان ؟ – حجم التبادل حالياً بين البلدين ضعيف، لكن بعد رفع العقوبات عن السودان وانسياب التحويلات المالية نتوقع أن يزيد خاصة وأن هنالك احتياجا متبادلا من السلع والمنتوجات الزراعية والصناعية بين البلدين. أما بخصوص المعارض والأسواق الحرة هنالك مشاركات مستمرة في الأعوام الأخيرة وتشارك الجزائر بنصيب الأسد في المعارض السودانية وآخرها معرض الخرطوم الدولى حيث شاركت الجزائر ب 24 شركة، بالمقابل السودان كذلك شارك في كل المعارض التي أقيمت بالجزائر سواء معارض تجارية ثقافية وغيرها.
* ماهي طبيعة التعاون في مجال النقل الجوي اليوم بين البلدين ؟ – هنالك اتفاقية موقعة بين البلدين في هذا المجال ولكنها ظلت تراوح مكانها دون تنفيذ. في تقديرنا إذا تم تفعيلها سوف تسهل على المستثمرين، ونتمنى من السلطات الجزائرية الدفع بهذا الملف حيث أن التأخير من الجانب الجزائري.
* ظل موقف الجزائر قوياً وواضحاً وكان حاسما اتجاه قرار توقيف الرئيس عمر البشير، ودعمت الجزائر قرار الاتحاد الإفريقي والذي طالب مجلس الأمن الدولي بإلغاء إحالة ما يعرف بقضية السودان، هل سنشهد في الأشهر القليلة المقبلة انتهاء لهذا الملف على المستوى الدولي ؟ – هذه المحكمة أنشئت لأغراض سياسية ولمحاسبة الرؤساء الأفارقة دون غيرهم، والسودان نفسه غير موقع على ميثاق روما وليس عضوا فيه، ثانيا حتى أمريكا نفسها غير موقعة على هذا الاتفاق، وكذلك الصين وعدد كبير جدا من دول أوروبا. لاشك أن الجزائر ظلت تدعم السودان في كل المنصات الدولية في كثير من المواقف والأحداث التي تعرض لها السودان، وعموما نحن لا نأبه ولا نهتم لأمر هذه المحكمة لأن الأمر برمته كما أسلفت مسيس وموجه ضد الرؤساء الأفارقة.
* بعد رفع العقوبات الأمريكية عن السودان والتي تعود إلى عهد الرئيس ريغان، هل هناك تحسن واضح وملموس في الشارع السوداني بعد رفع تلك العقوبات بعد أن بقي الحال على ما هو عليه ؟ – لاشك أن قرار رفع العقوبات كان له أثر إيجابي خاصة في المجال الاقتصادي، تمثل ذلك في دخول شركات ومستثمرين للسوق السودانية وتحديدا شركات أمريكية، بالإضافة إلى شركات روسية واستثمار قطري وغيرها.
* كيف تسهم الاتفاقات الدولية والإقليمية والمبادرات والجهود الكبيرة التي تقوم بها الحكومة السودانية في محاربة الاتجار بالمخدرات والبشر ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في عودة العلاقات السودانية على المستوى الدولي وخصوصاً مع دول الغرب ؟ – ظل السودان منفتحا ومتعاونا مع محيطه الإقليمي والدولي وملتزما بكل معاهدات ومواثيق الأممالمتحدة وخصوصاً التي تتعلق بالجانب الذي ذكرته، وظل في تعاون تام للحد من هذه الظواهر، واتضح ذلك جلياً في التعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والذي أثمر عن رفع العقوبات عن السودان. وكذلك التعاون مع كافة الدول في قضايا محاربة الاتجار بالمخدرات ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة، فقد بذل السودان مجهودات كبيرة في الجانب التشريعي وجانب المكافحة، ونشير إلى أن للسودان تجربة رائدة في مكافحة الإرهاب والتطرف استفادت منها معظم الدول، فهو أول من عمل بالحوار الفكري مع المتطرفين الدينيين، وفي مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية أيضا استضاف أول مؤتمر دولي في الخرطوم في العام 2014، وأصدر قانونا لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريبهم، هذا بالإضافة إلى التنسيق الجيد مع المنظمات الدولية والإقليمية في هذا الاطار، مما أوجد إشادة بالسودان في هذا المجال في عدد من المحافل الدولية وخاصة الأمريكية.
* ما تأثير التقارب الروسي السوداني على المنطقة ؟ -السودان لديه علاقات تاريخية مع روسيا، هذا بالإضافة إلى أن هنالك استثمارات روسية في مجالات الزراعة والمعادن والخدمات.
* التقارب السوداني التركي هل سيرسم خارطة جديدة بالمنطقة لما للسودان من أهمية كبيرة على المستوى العربي والأفريقي وحتى على المستوى الجغرافي ؟ – تركيا دولة صديقة ولها وزنها في المنطقة والعالم أجمع، ولنا علاقات ضاربة في القدم ومتجذرة، ولديها استثمارات كبيرة وكثيرة في السودان، وهذا شكل دافعا أساسيا لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسودان، تلك الزيارة من أبرز نتائجها أن تم توقيع 22 اتفاقية تعاون في عدد من المجالات وكذلك إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين لحملة الجوازات الدبلوماسية. والسودان بصفة عامة دولة منفتحة على الجميع وتبحث عن مصالحها الاقتصادية، وتركيا تعد شريكا اقتصاديا هاما، وهذا التقارب حتماً سيكون له أثره الإيجابي على المنطقة.
* بعد التقارب الروسي التركي هل هناك تقارب مع إيران في الوقت القريب خصوصاً وأننا نتحدث عن بلدان كبيرة وغنية وغير عربية ولا حتى أفريقية ؟ – نحن في السودان من الناحية الاجتماعية والثقافية غالبية السكان من المسلمين السنة وإيران في علاقتها تحاول نشر التشيع وهذا الأمر سيحدث انقساما في المجتمع ولاحقاً سيؤدي إلى تهديد الأمن القومي والسلام الاجتماعي، لذلك لن يكون هناك تقارب إلا إذا غيرت إيران هذا النهج مع السودان. ولكن هذا لا يمنع أن تعود العلاقات مستقبلاً.
* ما صحة الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام بين الحين والآخر بأن السودان أعطت تركيا جزيرة سواكن لبناء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، ومعروف طبيعة العلاقة ما بين تركيا من جهة ومصر والسعودية من جهة أخرى ؟ – هذا الحديث لا أساس له من الصحة بأن سواكن ستكون قاعدة عسكرية تركية، في الحقيقة تقدمت تركيا بعرض لإدارة الجزيرة وتطويرها وترميم الآثار العثمانية فيها لتكون وجهة سياحية، ووافق السودان على هذا العرض لأنه ينصب في إطار تطوير السياحة بالبلاد. ونؤكد أن سواكن سوف تكون معلماً سياحياً بارزاً في المنطقة وستضاف إليها مواقع سياحية أخرى على البحر الأحمر الذي يتميز بوجود شعب مرجانية نادرة وشواطئ آمنة للغوص البحري.
* سعادة السفير، كان لسعادتكم عدة تصريحات فيما يخص حلايب وأن تواجد مصر في حلايب غير شرعي، كيف يمكن لهذا الملف أن يحل في ظل التقارب السياسي الحاصل في العلاقات مؤخراً مابين البلدين ولقاءات قمة جمعت البشير بالسيسي قبل أيام في القاهرة بعد ما كان هناك توتر كبير وصل إلى حد سحب السفير السوداني من القاهرة ؟ – توضيح في البداية فقط، السفير لم يتم سحبه وإنما استدعي للتشاور، حلايب سودانية وكل الوثائق تثبت سودانيتها، طلبنا من الأشقاء في مصر التفاوض المباشر أو اللجوء للتحكيم ولكن رفضوا، لاشك أن مصر دولة شقيقة وسنظل نتعاون مع بعضنا البعض كدولتين وجارتين شقيقتين، إلا أن حلايب سودانية ولن نتنازل عنها. خلال اللقاءات التي تمت بين الرئيسين تم التوصل إلى تفاهمات ولن تكون حلايب حجر عثرة في العلاقات بين البلدين فهي علاقات قائمة، رابطة الدم ووشائج القربى.
* هل انتهت اثيوبيا مصر السودان فيما يخص سد النهضة والاتفاقات المبرمة والموقعة بين زعامات الدول الثلاث على هامش مشاركتهم في اجتماعات القمة العادية ال30 للاتحاد الإفريقي في توزيع حصص النيل المائية، أم برأيك ستعود هذه الخلافات إلى الواجهة من جديد ؟ – مشروع سد النهضة من المواضيع المهمة للدول الثلاث، إثيوبيا والسودان ومصر، وهناك لجان مشتركة بين الدول الثلاث، بالإضافة لممثلين من دول أخرى تعمل هذه اللجان معاً لضمان سلامة بناء السد، وتعقد اجتماعاتها بصفة دورية، وعلى استعداد لقبول أي مقترحات تعمل على ضمان سلامة واستمرارية السد، وكذلك كانت هنالك لقاءات على مستوى الرؤساء ووزراء الري بالدول الثلاث.
* على المستوى الثقافي ما الذي تحقق بين البلدين من تعاون في هذا الملف، وهل هنالك تفعيل للبروتوكول الثقافي الموقع بين البلدين ؟ – يعد التعاون في المجال الثقافي في طليعة مجالات التبادل المحسوس بين البلدين، فقد شارك السودان في معظم الأنشطة والفعاليات التي أقيمت بالجزائر وأبرزها المشاركة في ولاية تلمسان عاصمة الثقافة العربية، مهرجان قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، بالمقابل شاركت فرق جزائرية في العديد من الفعاليات الثقافية التي أقيمت بالسودان وأبرزها المشاركة في مهرجان مسرح البقعة السنوي وفي فعاليات معرض الكتاب. كما أن هناك تعاونا في في المجال الدراسي، فقد منحت الجزائر السودان 20 منحة دراسية في مجالات الدراسات العليا ووصل الطلاب والآن يباشرون دراستهم بالجامعات الجزائرية. قام السودان بتقديم مقترح مشروع برنامج تنفيذي في المجال الثقافي وجاء الرد من الجانب الجزائري بالموافقة.
* هنالك لجنة وزارية مشتركة بين السودان والجزائر انعقدت بالخرطوم في العام 2010، وتم خلالها التوقيع على عدة اتفاقيات شراكة بين البلدين، منها توقيع بروتوكول في مجال الإعلام يخص كل الأجهزة الإعلامية، كيف ينظر سعادة السفير لهذا الملف وهل يرتقي لمستوي الطموح بين المؤسسات الإعلامية للجانبين ؟ – حقيقة لا يرقي لمستوى الطموح، فالإعلام يعد من أبرز العناصر التي تلعب دورا فعالا في ترقية وتعزير العلاقات الثنائية بين الدول على كافة الأصعدة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، فهو الأداة التي عن طريقها تعكس الدول سياساتها وتوجهاتها والتعريف بإمكانياتها ومورادها. السودان قطر مترامي الأطراف متعدد الأعراق متعدد الثقافات، زاخر بالموارد الطبيعية سواء موارد زراعية لدينا 200 مليون فدان صالحة للزراعة مستغل منها فقط 25 مليون وثروة حيوانية تقدر بحوالي 130 مليون رأس من المشية وتصدر لعدد من الدول، بالإضافة إلى العديد من الأماكن السياحية بمعنى أنه بلد جاذب للاستثمار، فعن طريق الإعلام يمكن عكس كل هذه الأشياء للجانب الجزائري وتعريفه بالسودان وإمكانياته، الأمر الذي يعود لاحقاً بالنفع علي السودان، بالمقابل الجزائر دولة غنية ذات موارد وإمكانيات اقتصادية وسياحية عالية، ويمكن عكس ذلك للإعلام السوداني الأمر الذي يعود في خاتمة المطاف بالمنفعة لصالح البلدين.
* هل سيكون للسودان دور على عقد مصالحة بين الأشقاء في أزمة الدول الأربعة مصر والسعودية والإمارات والبحرين مع دولة قطر ؟ – السودان يقف على الحياد من هذه الأزمة، ولكنه يدعم كل الجهود والوساطات لحل الأزمة، وظهر ذلك جلياً في دعمه للمبادرة الكويتية. حاورته/ نجاة دودان تصوير/ مصعب رويبي