البلاد- زهية رافع - دخلت الأزمة التي عصفت بقطاع العدالة منعرجا خطيرا ويسير نحو نقل الصراع إلى رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، في ظل تواصل التصعيد من قبل القضاة المضربين منذ الأحد الماضي وبات هذا الانسداد يشكل تهديدا حقيقيا على استقرار مؤسسات الدولة وبحاجة للفصل في القسم الاستعجالي، بعد أن جمد النظر في المداولات ولحق الموس للعظم على حد تعبير رئيس نقابة القضاة. لاتزال حالة الانسداد تخيم على النزاع الدائر بين القضاة ووزيرهم بلقاسم زغماتي، وتطور هذا الصدام بين الوزير والقضاة إلى ما يشبه حربا مفتوحة هدد فيها الأول بتطبيق القانون الذي يمنع على القضاة الإضراب، بينما تمسك الطرف الثاني بموقفه، مستثنيا فقط خدمات الحدّ الأدنى من الإضراب. وتسير الامور إلى سيناريو مفتوح بالنظر لعدم تنازل أي طرف (زغماتي أو القضاة) فمن جهة يلتزم وزير العدل بلقاسم زغماتي بالبيانات في الرد على إضراب القضاة دون التنازل أو تجميد الحركة التحويلية التي قام بها قبل أيام، تاركا الوضع على ما هو عليه بخصوص إضراب القضاة لليوم الثالث على التوالي وتعطيل مصالح المواطنين والمسجونين الذين لم يتمكنوا من الاطلاع على عقوباتهم إلى أجل غير مسمى، بل وتجاهل هذه الحركة لاسيما بعد دعوته القضاة المتظلمين للطعن في الدورة الثانية المقررة أواخر الشهر الداخل، حيث يمضي زغماتي في تجسيد هذه الحركة مستندا إلى مصادقة المجلس الأعلى للقضاء عليها، وما يمنحه القانون الذي ينص بشكل صريح على أن المكلف بتنفيذ قرارات المجلس هو وزارة العدل باعتبارها الجهة التنفيذية وهو ما تجلى في المذكرة التي بعث بها أمس الأول للرؤساء والأمناء العامين والتي تضمنت استعجال عمليات تنصيب القضاة المعنيين بالتحويل مقابل ذلك تتمسك نقابة القضاة بالتصعيد ووضع الوزير تحت الضغط. ورغم التهديدات والتحذيرات التي تلقتها من وزيرها الذي طالب القضاة بالعودة فورا لمزاولة عملهم والتلويح بأنه لن يتسامح مع من يعارضون محتوى المذكرة التي اعتبرت أن إضراب القضاة غير شرعي بل مفتعل، والتشكيك في شرعية وقوف المجلس الأعلى للقضاء بجانبها، إلا أنها تتمسك بخيار الإضراب وتعمل على نقل الصراع إلى رئيس الدولة لاسيما أن عبد القادر بن صالح يعتبر رئيس المجلس الأعلى للقضاء. المجلس الأعلى للقضاء يقحم رئيس الدولة في الصراع في ظل هذا الانسداد دعا عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، لعقد دورة استثنائية، للنظر في المستجدات الأخيرة حسب بيان للمجلس يعد الثاني من نوعه منذ بداية الإضراب المفتوح بعد بيان تضامني مع القضاة تضمن قرار تجميد الحركة السنوية للقضاة وهو البيان الذي ردت عليه الوزارة، حيث جاء فيه "نحن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، في اجتماعنا المنعقد اليوم، وبعد اطلاعنا على الرد الصادر عن وزارة العدل، والذي شكك في صحة البيان الصادر عنا، ورفضا لكل لبس نؤكد ما ورد فيه جملة وتفصيلا". والتمس الأعضاء من جهة أخرى، من رئيس الدولة، بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، عقد دورة استثنائية للمجلس لإيجاد حل مستعجل للوضع القائم.
النقابة تدعو رؤساء المؤسسات القضائية إلى التمرد في السياق ذاته واصل القضاة شلّ المحاكم والمجالس القضائية، لليوم الثالث على التوالي، بعد دخولهم في إضراب وطني منذ الأحد الماضي، رغم تهديدات الوزارة والمراسلة الموجهة للنواب العامين ورؤساء المجالس ليلة أمس لمواصلة تطبيق الحركة والاحتكام للقانون. وشهد مجلس قضاء العاصمة منذ الساعات الأولى تجمع عدد من القضاة في فناء المجلس مقاطعين الجلسات وحاملين شعارات مدافعة عن استقلالية القضاء وأخرى رافضة اتهامات وزير العدل، وأكدت النقابة الوطنية للقضاة، أن قرار اللجوء إلى الإضراب لم يكن ارتجاليا ولا متسرعا ولكن مبرراته موضوعية وواقعية ومشروعة". وأكدت استمرارها في "مسعاها لتكريس المطالب مهما كانت العوائق والعقبات". ودعت النقابة في خطوة تصعيدية خطيرة، رؤساء المؤسسات القضائية الى عدم الاستجابة لتعليمات وزارة بلقاسم زغماتي. وفي السياق قال البيان: "ندعو الزملاء رؤساء الجهات القضائية إلى عدم الانسياق وراء التعليمات المركزية غير المدروسة، الصادرة عن تخبّط ومكابرة مدمرة. ويكفيهم التموقع مع عموم القضاة الذين سيشكّلون سندا حقيقيا لهم طالما أن المناصب لا تدوم لأحد." وأشار البيان إلى أن "التاريخ سيسجل مواقف كل واحد منا ولن ينسى من تخاذل أو عرقل نجاحه من أبناء القطاع أو خارجه".
يسعد مبروك: لسنا قضاة التليفون.. من جهة أخرى دافع رئيس نقابة القضاة يسعد مبروك خلال مشاركته في الوقفة الاحتجاجية بمجلس قضاء العاصمة عن الإضراب رافضا محاولات تسييسه، حيث أشار إلى خطورة الوضع في القطاع من خلال استنساخ عبارة الوزير الأول السابق أحمد أويحيى حيث قال " قرار الإضراب لم يتم اتخاذه حتى وصل حسبه "الموس للعظم" وأن الأمر وصل إلى نهاية حده ولا يمكن تحمل المزيد، ولم يجد القضاة بدائل أخرى لنقل انشغالاتهم"، نافيا وجود أي مسألة شخصية سواء مع وزير العدل وحافظ الاختام او الوزارة بل القرار جاء نتيجة تراكمات لمشاكل اجتماعية ومهنية. ورفض يسعد مبروك في تصريح التعليقات المتداولة في أوساط المجتمع وهي "قضاة التليفون" و«قضاة التولكي والكي"، قائلا: "كثيرا ما أسمع هذا الكلام الله يهديكم ولو تعلمون ما يكابده القضاة وما يحاولون القيام به لتكريس العدالة لو بصورة جزئية سوف تعذرونهم وتتأكدون من أنهم قاموا بما في وسعهم".