انتهى مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا، ليبدأ فصل جديد في هذه الأزمة المعقدة، فصل ينتظر فيه أن يتم وضع خارطة طريق لتجسيد مخرجات المؤتمر بما يضمن حلا سياسيا للأزمة وقطع الطريق أمام التدخلات العسكرية، وهو ما كانت تلح الجزائر في طلبه. وأعلن المتحدث باسم الرئيس الروسي دميتري بيسكوف أن الكرملين يقيم إيجابيا المؤتمر المعني بليبيا في برلين ، قائلا: "نقدر بشكل إيجابي. لقد اتخذت خطوة مهمة للغاية نحو التسوية النهائية. الآن ، سيستمر العمل ، بناءً على هذه الخطوة المهمة الأولى ، تحت رعاية الأممالمتحدة". وكانت الجزائر الدولة الوحيدة في المغرب العربي التي شاركت في هذا المؤتمر، مما مكنها من الدفاع عن مقاربتها في هذه القضية، والتي تعتمد أساسا على منع وجود أي تدخل عسكري أجنبي وكذا حل الأزمة سياسيا عن طريق عودة الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار. وكانت المغرب وتونس قد احتجتا لعدم توجيه الدعوة لهما للمشاركة في هذا المؤتمر، في وقت يرجع مراقبون استبعادهما لكون الأول تابع لما تمليه السياسة الفرنسية رفقة دول أخرى مجاورة لليبيا مثل تشاد، والثاني يعاني من انقسام في السياسة الداخلية بين الرئاسة التي تحمل نفس سياسة الجزائر والبرلمان الذي تتزعمه حركة النهضة. وأيا تكن تبريرات ما حدث إلى الآن، فإن الجزائر خرجت منتصرة من مؤتمر برلين لنقطتين رئيسيتين، كانت محل إشادة وشبه إجماع من طرف المحللين السياسيين وكذا من رواد مواقع التواصل الإجتماعي، حيث تتمثل النقطة الأولى في توافق الرؤى للمشاركين وكذا مخرجات اللقاء مع مقاربة الجزائر الى حد بعيد، والثانية تتمثل في عودة الجزائر الى الساحة الدبلوماسية بمشاركة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في المؤتمر وخطفه للأضواء، من خلال لقائه مع عدد من زعماء العالم. وكان تبون قد التقى مساء يوم الأحد ببرلين، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واستقبل رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، كما كان المؤتمر فرصة له للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس المصري عبد الفتاح السياسي وكذا المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. ودافع تبون بشكل مباشر عن سياسة الجزائر اتجاه هذه الأزمة من خلال رفضه "جملة وتفصلا" لسياسة فرض الأمر الواقع بالقوة في ليبيا، مؤكدا عن استعداد الجزائر لاحتضان الحوار بين الأشقاء الليبيين، كما دعا رئيس الجمهورية في كلمة له أمام المشاركين في ندوة برلين حول الأزمة الليبية، المجموعة الدولية مجددا إلى "تحمل مسؤولياتها في فرض احترام السلم والامن في هذا البلد الذي ترفض الجزائر المساس بوحدته الوطنية وسيادة مؤسساته". وقال تبون: "نحن مطالبون بوضع خارطة طريق واضحة المعالم وملزمة للطرفين، تشمل تثبيت الهدنة والكف عن تزويد الأطراف الليبية بالسلاح لإبعاد شبح الحرب عن كل المنطقة ودعوتهم إلى طاولة المفاوضات لحل الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية لتفادي الانزلاق نحو المجهول". وحرص الرئيس تبون على التأكيد بأن المنطقة "بحاجة إلى استقرار مبني على منظومة الأمن المشترك"، ليجدد "تمسك الجزائر بالنأي بالمنطقة عن أي تدخلات أجنبية"، قائلا بهذا الخصوص: "أمن ليبيا هو امتداد لأمننا وأفضل طريقة لصون أمننا القومي هو التعامل والتكاتف مع جيراننا لمواجهة الإرهاب والتطرف".