لم يخرج الاستثمار الأجنبي من الملفات الهامة التي أرقت الحكومات المتعاقبة في الجزائر، دون أن تتحكم ولو بالقسط البسيط في ضمان تدفقه أو تنظيمه وحتى الاستفادة منه. وكان تقرير لندوة الأممالمتحدة للتجارة و التنمية (كنوسيد)، قد أشار إلى ارتفاع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالجزائر إلى 22 بالمئة سنة 2018 بمجموع 5ر1 مليار دولار مقابل 2ر1 مليار دولار سنة 2017. وجاء هذا الارتفاع بعد تسجيل تراجع كبير سنة 2017، حيث تراجع خلالها استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 23 بالمئة أي 2ر1 مليار دولار بعدما بلغت 6ر1 مليار دولار سنة 2016. ورغم عدم الاستقرار بين هذه السنوات الثلاثة في مؤشر تدفق الاستثمار الأجنبي –في انتظار إحصائيات خاصة بسنة 2019- فإن الواقع يؤكد أنها لم تخرج أساسا عن مجال النفط، وقليل من الاستثمار في مجال تركيب السيارات رغم فشل هذا الأخير في خلق الثروة ولم يكن استثمارا حقيقيا كما يعرف الجميع والخاص. ومع هذا، بقي الاستثمار الأجنبي يعاني من معوقات جمة وعراقيل حالت دون تحقق الكثير منه، أو كانت محل نكد للشركاء الأجانب، مما أعطى انطباعا سلبيا عن مناخ الاستثمار في الجزائر. ولسنا هنا للحديث عن القاعدة 51/49، التي تطرق إليها قانون المالية 2020، بإلغائها لصالح القطاعات غير الإستراتيجية، من أجل جذب المستثمرين الأجانب نحو الجزائر، أو عن حالة البنوك التي تعاني تأخرا في تطويرها، او الفساد الذي استشرى بشكل كبير، ولكن بصدد الحديث عن سبع معوقات تطرق إليها رئيس المركز العربي للتطوير والاستثمار الأمين بوطالبي. إستراتيجية عامة ولعل أول ما تطرق إليه بوطالبي هو فقدان الجزائر لإستراتيجية عامة في مجال الاستثمار، تضمن خلق شراكات مربحة مع الأجانب مبنية على نظرة استشرافية، ويقول ذات الخبير إن العديد من الدول الأفريقية وضعت أجندة لآفاق 2063 في ظل اهتمام عديد الدول بالاستثمار في القارة السمراء لأنها –بنظرهم- سوق مربحة وتدر الكثير ، متسائلا في السياق: أين نحن من هذه الأجندة وما هو موقعنا من بقية الأجندات المستقبلية؟ وقد يكون تغيير القوانين في كل مرة -وهو العامل الثاني الذي تطرق اليه بوطالبي- وعدم ثباتها بشكل يبعث على الثقة في نفوس المستثمرين، وراء التراجع الهام في تدفق الاستثمارات الأجنبية. الموارد البشرية أما النقطة الثالثة وهي رئيسية وهامة، فتتعلق بعدم إيلائها أهمية للموارد البشرية وإعطائها مكانتها الحقيقية، وهنا يعتقد بوطالبي أن العنصر البشري هو من يصنع الفارق، فضلا عن معانات الكثير من الإطارات في الجزائر من البيروقراطية الإدارية التي وقفت عائقا أمام الإستثمار وأي نشاط مفيد، وهي من الممارسات التي عششت في الجزائر في فترة العصابة ولا تزال الى الآن. وتبقى البيروقراطية الإدارية، من أبرز المعوقات التي ترهن قدوم المستثمرين الأجانب إلى الجزائر، حيث يؤكد بوطالبي على ضرورة تخفيف الإجراءات الإدارية لاستعادة الثقة والنهوض بالإقتصاد الوطني، بالإضافة إلى الفترة الزمنية التي تعتبر أهم سبب معطل للمنظومة الاقتصادية. ولعل الجزائر قد استفاقت بعد حراك 22 فيفري من كابوس حقيقي أثر على تدفق المستثمرين الأجانب والمحليين، وقتل التفاؤل في أنفسهم، بعد ممارسات فساد هيمنت لعشرين سنة كاملة، ويمكن للجميع أن يتذكر التصريحات التي أدلى بها عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني، والمترشح السابق للرئاسيات، حيث يروي من قرينة حين كان وزيرا للسياحة كيف كان يفر الأجانب من حجم الفساد والبيرقراطية، مما قتل فيهم روح التفاؤل، ويروي كيف خابت مساعيه لجلب الملياردير السعودي الوليد بن طلال إلى الجزائر، لاستثمار 12 مليار دولار فيها، وقدمه لمدير ديوان الرئيس العربي بلخير، لكن لما قابل ملزي فضل مغادرة الجزائر واستثمر المبلغ كاملا في المغرب، في السياحة والخدمات. اما المعوق السابع فهو التنافسية بين القطاعين العام والخاص وشراكة بين الطرفين بقوانين، حيث يؤكد بوطالبي أن الجزائر تمتلك كل الإمكانات والحلول لتحقيق إقلاع اقتصادي، مشيرا إلى أن تحقيق ذلك يتطلب تقدير كفاءاتنا وتطوير أنفسنا وفقا للمنظومة العالمية، وزرع التفاؤل لدى القطاع الخاص و التنافسية بين القطاعين العام والخاص وشراكة بين الطرفين بقوانين ثابتة ومشجعة لا تتغير بتغير الوزراء والمسؤولين من أجل صناعة بديل اقتصادي ناجح.