يلقي الوضع الاستثنائي الذي تمر به غالبية الدول العربية بظله على الأحداث في العالم، حيث عادت المنطقة العربية لتصنع أهم أحداث العالم بعدما تحول العام 2011 إلى سنة للثورة العربية بامتياز· ووسط خليط من التفسيرات والتأويلات المتضاربة بين القراءة الرسمية للأحداث والقراءة الشعبية لما يجري في الدول العربية تظهر مسألة أخرى غاية في الأهمية تخص موقع إسرائيل من نتائج هذه الثورات والحراك القائم في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين والعراق وبلدان أخرى قد تأتي عليها نفس الرياح التي هبّت على غالبية الدول العربية· هل تؤدي هذه الثورات إلى تعزيز موقع إسرائيل في الخارطة العربية أم تقلص من نفوذها على العديد من الحكومات التي طبّعت وساعدت ودعمّت المواقف الإسرائيلية سرا وعلانية على حساب القضايا العربية والإسرائيلية؟ وهل تؤدي هذه الثورات إلى تقارب عربي عربي رسمي وشعبي، وتتجاوز الخلافات الإثنية والطائفية والحسابات الضيّقة التي حكمت العلاقة بين القادة والرؤساء العرب طيلة نصف قرن من الزمن؟ وهل تؤدي محاكمة الرئيس المصري حسني مبارك مثلا، إلى تعزيز ثقافة محاسبة القادة والزعماء والرؤساء، أم ترسخ عهدا جديدا للانتقام والصراع على السلطة؟ الأسئلة كثيرة لأن زخم الأحداث على ما يبدو من أنها تراوح مكانها يفرض الكثير من الإحاطات بالوضع الحساس، في سوريا يحتدم الصراع ويزداد تعداد الضحايا من المواطنين والمحتجين المناهضين للحكم الشمولي هناك على يد بشار الأسد وعائلته· وضع سوري يزداد تعقدا وكلما رفض نظام بشار الأسد الانصياع للنداءات الدولية الداعية إلى وقف آلة القتل كلما تقلصت حظوظ بقائه في السلطة هو ونظامه الذي يلقى دعما إيرانيا واضحا ومذهبيا من إيران وحزب الله، وعلى ذكر حزب الله الذي فقد حظوته في العالم العربي ولدى الشارع السياسي أيضا، فإن ملف الحريري سيجد الباب الواسع للمزيد من الإثارة والدفع به نحو محاكمة المتهمين المحسوبين على حسن نصر الله الذي اتخذ موقفا مناهضا للشارعئ السوري ومطالبه المشروعة في الحرية والديمقراطية، ومن المفارقات أن حزب الله خصوصا والشيعة عموما غالبا ما يقعون في تناقضات قاتلة تفقدهم ثقلهم لدى الشارع العربي عندما يتعاملون مع الأحداث في العالم العربي بمكيالين، فما جري في البحرين بالنسبة لهم ثورة وما يحدث في سوريا تمرد وما وقع في تونس ومصر ثورة مباركة وما جرى في العراق حراكا بعثيا·· هذه الأحكام غير الموضوعية تجعل من قادة الشيعة والحركات الإسلامية الشيعية في مرمى هدف الغضب الشعبي في العالمين الإسلامي والعربي، وحتى عندما يتعلق بمطالب الانفتاح في إيران التي تتميز بنظام لا يختلف في بطشه عن النظام السوري، فإن المرجعيات الشيعية غالبا ما تذهب إلى تخوين المعارضين واتهامهم بالعمالة والتحالف مع الشيطان الأكبر لدرجة أن بعض المرجعيات تحولت إلى أجهزة أمنية تعمل بنفس الطريقة التي تنشط بها أجهزة الأمن ودعاياتها الإعلامية التي تهدف إلى ضرب كل صوت معارض وتشويه سمعته والتشكيك في مطالبه المشروعة، في التعددية والحرية والديموقراطية، وهي مجموعة المطالب التي تتقاسمها شعوب العالمين الإسلامي والعربي، هذه الشعوب التي تعيش تحت وطأة أنظمة شمولية ترفض التغيير والانفتاح على العالم، مثلما ترفض مبدأ التداول على السلطة· خارطة الانتفاضات العربية وثورات الشعوب تكاد لا تختلف من بلد لآخر، لأنها تحمل نفس المطالب والعنوان من المشرق إلى المغرب· وفي اليمن يتطابق الوضع اليمني مع ما يحدث في سوريا مثلا مع فارق مهم وهو أن اليمينيين قطعوا شوطا مهما في المواجهة مع نظام علي عبد الله صالح، هذا الأخير الذي خرج من اليمن والنيران تلتهم في أجزاء من جسده الذي كاد أن يتفحم، وتلك آية من آيات الثورات العربية، التي وضعها العلي القدير،ئ فقد خرج الديكتاتور وهو يدفع ثمن كبريائه وتجبره وديكتاتوريته، وانسياقه وراء أهواء وغرور أبنائه، بعدما رفض العديد من المبادرات العربية والخليجية التي قدمها مجلس التعاون الخليجي مثلما رفض مبادرات أمريكية وغربية لحقن دماء اليمنيين والذهاب نحو اتفاق يقضي بانتقال سلمي للسلطة في اليمن، إلا أن هذا لم يحدث وواصل علي عبد الله صالح التعامل مع الثوار في بلده بنفس الأسلوب الذي يتعامل به القذافي مع الثوار في بنغازي، وتعامل به حسني مبارك قبل سقوطه مع الثوار في ميدان التحرير· ووسط هذه التفاعلات تبدو إسرائيل تائهة غير مدركة لتعقيدات وتأثيرات هذه الأحداث على مستقبلها، وإذا ما سارت الثورات العربية على نفس المنهج المعلن لها فإنها ستكون صداعا في رأس إسرائيل وكابوسا مقلقا لها يكبح جماع توسعها الإستيطاني ويقلل من سطوتها ونفوذها في بلدان عربية عدة·