تواجه شركات اتصالات الجزائر في جميع أنحاء تحديات عديدة تقف في وجه استمرار نجاحها: ركود النمو، حدة المنافسة والتطور المتزايد للمستهلك· وبما أن هذه الأنماط لا تزال ناشئة في الجزائر، عملت شركات الاتصالات حتى الآن على تطبيق مبادرات تكتيكية قصيرة المدى لمواجهة ضغوط تحقيق الربحية· وأمام شركة اتصالات الجزائر فرص كثيرة للتحضير لمواجهة التحديات المستقبلية من خلال اعتماد خطة شاملة لترشيد التكاليف، ومعالجة الأرباح الهامشية، وإعادة هيكلة العمليات، وإعادة هيكلة سلسلة القيم· والواقع أن الشركة العمومية التي لا تنفذ خططاً واسعة النطاق لإدارة تكاليفها ستكون عرضة لخطر الانخفاض الحاد في الربحية· وبدأت هذه الأنماط الجديدة التي تعوق المشغل العمومي مع تباطؤ نمو الإيرادات، والمنافسة المتزايدة، ومطالبة المستهلكين المطّردة بالمزيد من الخدمات وأداء أفضل بأسعار مخفضة· وعلى شركة اتصالات الجزائر التي ستتأثر بهذه التحديات أكثر من غيرها بخطوات كبيرة للتكيف هيكلياً بهدف مواجهة هذه التحديات· أمام بدأ شركات الاتصالات في الجزائر بالتجاوب مع الاتجاهات التي تبرز في الجزائر من خلال عمليات تكتيكية قصيرة الأجل لخفض الكلفة· وسيتبيّن أن هذه الخطوات غير كافية لتخفيف التأثير الكامل للاتجاهات التي تطاول القطاع· ضرورة تحقيق ترشيد التكاليف من خلال تحديد دقيق لتدابير خفض التكاليف المعنية وتطبيقها، يمكن لشركة اتصالات الجزائر أن تضع أنفسها في موقع يتيح لها مواجهة التحديات التي تطاول قطاع الاتصالات وكسب الفوائد الناجمة عن إضفاء المرونة على عملياتها· وهناك ثلاث وسائل لتحسين الكلفة التي على شركات الاتصالات النظر فيها: الفعالية المتراكمة، إعادة هيكلية العمليات، وإعادة هيكلة سلسلة القيمة· سيمكّن اعتماد المجموعة الصحيحة من هذه المبادرات شركة اتصالات الجزائر من خلق القيمة واستدامتها والتفوق على منافسيها وضمان استدامتها في السوق، تخرج شركات الاتصالات في مختلف أنحاء العالم حالياً من الركود، وفي الوقت نفسه تواجه ضغوطاً متزايدة على عائداتها الإجمالية وأرباحها الصافية على حد سواء· وعلى الرغم من أن نمو العائدات لا يزال إيجابياً في الجزائر، فقد بدأ التباطؤ أخيراً·· هناك اتجاهات رئيسية تتلاقى وتضغط معاً على الربحية في سوق الاتصالات السلكية واللاسلكية في جميع أنحاء العالم أولها ركود النمو، وفيه تعاني سوق الاتصالات العالمية الركود مع اقتراب العديد من الأسواق من نقطة التشبع، وهو اتجاه تؤكده نسبة الانتشار العالية· وتعاني شركات الاتصالات في هذه الأسواق تباطؤاً أو انخفاضاً في متوسط الإيرادات لكل مستخدم، وتواجه ضرورة الاستعداد لنمو محدود ينتج عن الخدمات التقليدية· الاتجاه الثاني يتمثل ازدياد المنافسة وتجزؤ السوق وفيه فاقت الزيادة في عدد شركات الاتصالات على المستوى العالمي عائدات السوق في شكل مطّرد، فقد ارتفع عدد شركات الاتصالات· التماشي مع تطور احتياجات العملاء وتوقعاتهم على اتصالات الجزائر زيادة نفقاتها التسويقية يُعتبر تغيّر اختيارات المستهلكين مجالاً آخر يتيح لشركات الاتصالات في الجزائر رؤية ما سيأتي· وفي الأسواق الناضجة يؤدي التطوّر المتزايد للعملاء إلى جانب منافسة من لاعبين من خارج قطاع الدولة إلى رفع التكاليف، ذلك أن شركات الاتصالات تنفق المزيد لاجتذاب العملاء وكسبهم وخدمتهم والاحتفاظ بهم·، باتت اتصالات الجزائر عرضة لكل هذه الضغوط حيث شهدت في الفترة الأخيرة ارتفاعاً في المنافسة، علاوة على تباطؤ النمو· وبناء على التجربة في الأسواق الأخرى الأكثر نضجاً، ستواجه مزيداً من الضغوط من جانب المستهلكين· وعلى الشركة العمومية إزاء هذا الأمر أن تستعد لنمو محدود وتعوّض عن ذلك بإعطاء مرونة لهيكليتها الإدارية· وينبغي على المتعامل العمومي أن تعمل بشكل أساسي على زيادة نفقاتها التسويقية وتحاول في المقابل تخفيض تكاليف عدة أخرى· لحسن الحظ أمام شركات الاتصالات في مجال واسع لتحسين الكلفة· ويمكن لشركات الاتصالات صَوغ استجابة لهذه التحديات من خلال النظر إلى ما فعلته شركات عالمية اتخذت خطوات عدة للَجْم التكاليف· وتستطيع الشركات الاستفادة من تجميع مبادرات تحسين الكلفة إلى الحد الأمثل في ثلاث ”وسائل”· ”التعهد” حسب القدرات تستعين شركات الاتصالات عادة بمصادر خارجية للقيام بنشاطات غير أساسية، على غرار وظائف الدعم مثل تكنولوجيا المعلومات، وإدارة الموارد البشرية، وكشوف الرواتب، وتحصيل الفواتير، والخدمات اللوجستية· ولكن مع نضج أي قطاع تصبح هذه الوظائف سلعاً يصعب تمييزها عما تقدّمه الجهات المنافسة· وفي هذا الصدد، تستطيع اتصالات الجزائر الاستفادة من الاستعانة بمصادر خارجية للقيام بنشاطات أساسية تتعلق بالاتصالات ولكن ليست جزءاً من مجموعة القدرات التي تميّزها، والمقصود بهذه الأخيرة مواطن القوة الأساسية التي تجعل شركة ما مميزة عن منافساتها· ففي حال القيام بذلك، تتمكن الشركة من التركيز على النشاطات التي تدعم ”حقها في الربح” أو قدرتها على المنافسة الواثقة وخلق القيمة· وعلى كل شركة اتصالات تحديد إستراتيجيتها ومن ثم جعل منتجاتها وخدماتها متوافقة معها لكي تتفوّق على المنافسين·
دمج ”الثابت” و”الخلوي” تعمل شركات الاتصالات القائمة عادةً على دمج تكنولوجيا الخطوط الثابتة والخلوية لدى انتقالها إلى شبكات الجيل المقبل، وهو ما يوفر فرصة لتحقيق التكافل· والواقع أن دمج الثابت والخلوي عملية تولّد عادة أكبر الوفورات· وتستطيع الشركة العمومية أيضاً تحقيق التكافل بين منصاتها الثابتة والخلوية في مجالات معينة مثل خدمة العملاء، وترشيد منافذ البيع عبر التحول إلى نموذج المنافذ التي تقدّم حلول الاتصالات الثابتة والخلوية، والتسويق وتطوير المنتجات· ويمكن أن تؤدي هذه الوفرات إلى تحسين على المدى الطويل نسبة الأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك· وأخيراً يمكن أن يثمر دمج تطوير المنتجات والتسويق مع برامج الولاء تفاعلاً إيجابياً فيما يخص التكاليف والمداخيل، وذلك من خلال تقديم العروض الموحّدة، الأمر الذي قد يتيح لشركات الاتصال خفض نسبة خسارة العملاء ورفع حصتها من الأسواق·
المشاركة في الشبكات
يمكن لشركة الاتصالات الوطنية أن تشارك الشبكات بهدف تحسين البنية التحتية للاتصالات الخلوية وتسهيل قواعد أصولها· ومن النماذج المحتملة لتقاسم الشبكات، فصل أجزاء من الشركات وجعلها مستقلة ونقل ملكية استثمارات إيجابية أو سلبية في البنية التحتية· إذ تتيح خطوات كهذه لشركات الاتصالات الاستفادة مباشرة من وفرات الحجم الناجمة عن تقاسم البنية التحتية مع الغير· كما أنها ستمكنه من التركيز على مجالات أخرى والاستثمار فيها، مثل التكنولوجيات والخدمات الجديدة· وقد بدأت العديد من الدول بالفعل في تطبيق نماذج من شأنها تشجيع شركات الاتصالات على الانخراط في شبكة واسعة النطاق لتقاسم البنية التحتية·
شراكات تمكّن الشبكات الافتراضية
تستطيع الشركة الوطنية تزويد الخطوط الخلوية وتحسين موجوداتها وتحقيق وفورات الحجم عبر إنشاء شبكات افتراضية· وتعمل بعض شركات الاتصالات على إنشاء شبكات افتراضية للهاتف الخلوي، وأخيراً باتت هذه الشبكات تشمل خدمات الصوت والبيانات الثابتة، وذلك بغية استهداف فئات من العملاء ليست في دائرة تركيزها الأساسية· ويمكن لنماذج الشراكة أن تعالج البنية التحتية والابتكار والتسويق· فعلى سبيل المثال يمكن لشركات الاتصالات إقامة شراكات مع تجار التجزئة الذين أثبتوا قدرتهم على خدمة قطاعات محددة من العملاء مثل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم·
بالرغم من البنية التحتية لخطوط الهاتف الثابت التي تحتمي بها الشركة الوطنية للاتصالات لفتح سوق الاتصالات بالبلاد، إلا أنها باتت مهددة باستبدال خطوطها للإنترنت بخطوط ”إيباد” وفقدان حصة في سوق الاتصالات، في ظل قرار الحكومة بالسماح بعودة شركة التعليم والتكوين عن بعد مما يمهد الطريق لكسر احتكار المتعامل التاريخي للاتصالات· وفي إشارة إلى نهاية احتكار شركة اتصالات الجزائر، خفضت العدالة من مستحقات نوار حرز الله للمتعامل التاريخي في نهاية شهر ديسمبر والسماح له بالعودة إلى السوق والذي شرع في تهيئة عروض من الجيل الثالث للدخول بها المنافسة في خدمات الإنترنت· وتسعى شركات المحمول بدورها لنقل الصوت والصورة والبيانات داخل المجتمعات العمرانية، وأبدت رغبتها في الحصول على ترخيص الجيل الثالث الذي يسمح ب”خدمات ثلاثية”، منها ”أوراسكوم تليكوم” التي تتمتع بثقل على مستوى الوطني، و”وطنية تليكوم” التي تنافس موبيليس في المرتبة الثانية· ويرى محللون استعدادا جديدا من جانب الحكومة للسماح تدريجيا لأن تواجه اتصالات الجزائر مزيدا من المنافسة· وهو ما يؤكده بعض العارفين بشأن الاتصالات قائلا إن هذا تغير كبير بالفعل في موقف الحكومة تجاه تحرير سوق الاتصالات، ”هذه مجرد خطوة أولى وقد خرج الجني من القمقم الآن·” لكن اتصلات الجزائر ستحتفظ بأفضليتها على المدى المتوسط حتى يظهر منافسوها الجدد على ”الخدمات الثلاثية” لأنهم سيعتمدون على الأقل في المراحل الأولى على بنيتها التحتية لخدمات الهاتف· ولفت محللون إلى أن هذا التأخير سيعزز انتقال الخدمات عبر شبكة اتصالات الجزائر على المدى المتوسط، لكن اللاعبين الجدد أمثال نوار حرز الله في نهاية المطاف سيقللون من أعداد مستخدمي خدمات الشركة الحكومية المتناقصة بالفعل حتى إذا استغرق هذا بضع سنوات· وفي ظل تحول أعداد متزايدة من مستخدمي الخطوط الثابتة إلى الهاتف المحمول ستواجه اتصالات الجزائر التي كانت تعتمد على خدمات الإنترنت منافسة شركة من مؤسسة نوار حرز الله التي تحضر لإطلاق عروض لا متناهية من الجيل الجديد· من جهة أخرى تواجه اتصالات الجزائر التي تحتكر خدمات خطوط الهاتف الثابت تحديات كبيرة من ثلاث شركات تقدم خدمة الهاتف المحمول هي جيزي ونجمة لعروضهما التنافسية التي انخفضت فيها أسعار الاتصالات عن أسعار التكلفة لتصل في رمضان إلى المكالمة المجانية، مما أدى إلى تقلص مشتركيها لصالح مشتركي المحمول مما يجعلنا نتوقع التخفيضات نفسها بعد دخول الجيل الثالث